كتب
طارق الهاشمي: برنامج الصندوق الأسود الذي بثته قناة الجزيرة الخميس قبل الماضي لم يعرض الصورة الكاملة لشخصية
نوري المالكي، حتى فيما عرف عن سيرته الإرهابية، مع ذلك يبقى توثيق مثل هذه السير هاما للمتابعين للشأن
العراقي في التعرف على واحدة من الشخصيات السياسية التي لعبت دورا تخريبيا مدمرا في فترة ما بعد الغزو. وقناة الجزيرة لاشك مشكورة في اهتمامها بذلك ونتمنى مواصلة هذا النهج لكشف المزيد من الغموض والألغاز التي رافقت العملية السياسية منذ عام 2003.
في العادة (الصندوق الأسود) يحوي حقائق دامغة وأسرارا عادة ما تكون مفاجئة أو على الأقل غير متوقعة وربما باستثناء الشفرة السرية بين المالكي والمحتل الأمريكي والتي كشفت عنها وثائق ويكيلكس لم يعرض الصندوق الأسود للجزيرة شيئا جديدا، وإرث المالكي معروف للقاصي والداني باعتباره إرهابيا دوليا، وكان هو شخصيا اعترف به في مقابلات صحفية وبالطبع هو يصنفه (جهادا). المالكي مارس الإرهاب من بغداد إلى الكويت ولبنان سابقا وواصل نشاطه لاحقا في فترة عراق ما بعد الغزو عام 2003 واستهدف خيرة رجالات العراق من كبار ضباط الجيش السابق والطيارين والأطباء والعلماء والمهندسين.
المعلومة الجديدة كما ذكرت ربما انحصرت في الكشف عن الشفرة السرية والتنسيق المباشر بين نوري المالكي القائد العام للقوات المسلحة المسؤول عن الملف الأمني حصرا بين عامي 2006 و2014 والذي ثبت وثائقيا أنه فعلا كان يقود فرق موت بنفسه بالتنسيق مع أجهزة الموساد الإسرائيلي والمخابرات المركزية الأمريكية وفيلق القدس الإيراني.. كأننا أمام فرق موت متعددة الجنسيات جمعها غرض واحد هو استهداف النخبة المثقفة والمؤهلة ينسق أنشطتها ويزودها بالمعلومات ويتستر على جرائمها نوري المالكي. شفرة سرية متفق عليها مع الاستخبارات المركزية الأمريكية أطلقت يد المجرم الإرهابي نوري المالكي في ارتكاب ما يشاء من جرائم إرهابية دون قيد أو شرط، وهو ما يميط اللثام عن العديد من الاغتيالات التي بقيت غامضة حتى اللحظة ولابد أنها نفذت تحت سمع القوات الأمريكية وبصرها لكنها لم تتدخل، بل وتجاهلتها.
وللحقيقة والواقع فإن هذا الأمر لم يقتصر على حقبة نوري المالكي، بل حصل ذلك حتى في زمن إبراهيم الجعفري، وحادثة تفجير المرقدين العسكريين في سامراء عام 2006 وما تبعها غيض من فيض، حيث تجاهلت القوات الأمريكية المليشيات الإرهابية من جيش المهدي وهي تذبح مدنيين أبرياء في بغداد في حملة تطهير مفاجئة للعرب السنة انطلقت مباشرة بعد الحادثة، حينها لم تتدخل القوات الأمريكية وكانت قادرة لو أرادت على حماية أناس أبرياء لا علاقة لهم بالحادث من قريب أو بعيد، وتجاهلت نداءاتي ومناشداتي وكنت حينها أتقلد منصب الأمين العام للحزب الإسلامي العراقي، وهو دليل صارخ على وجود تفاهمات مسبقة.
ومن باب العلم بالشيء، في عام 2009 قدم نوري المالكي ملفا إلى رئاسة الجمهورية احتوى على قصص عن جرائم مزعومة نسبها لي ولحماياتي رفضتها رئاسة الجمهورية واعتبرتها سردا قصصيا تافها، وحينها أسرني قيادي كردي بارز ساخرا من مزاعم نوري المالكي باتهاماته الباطلة لي قائلا (أي صفاقة يتصف بها المالكي في هذه الاتهامات الباطلة وهو من جاء إلى كردستان في شهر مارس من عام 2003 عارضا على الكرد خطة لتصفية البعثيين، خصوصا من العرب السنة بالتعاون بين حزب الدعوة والحزبين الكرديين الرئيسيين).
يضيف القيادي الكردي قائلا: صدمنا بهذا العرض وكانت القيادات الكردية قد اتخذت قرارا بغلق ملف البعث واعتماد سياسة عفا الله عما سلف – حتى لمن أخطأ – وإطلاق مصالحة تستوعب جميع الكرد دون استثناء.. أجاب جواد المالكي وكان ما زال يعتمد اسمه الحركي في حينه، لكننا أي حزب الدعوة، سنمضي في هذا الاتجاه ولن نتأخر ونأمل أن لم تشاركونا أن تسهلوا مهمتنا.... أجاب القيادي الكردي بالاعتذار..
أعود للبرنامج، حيث لم يقدم صورة نوري المالكي الإرهابي كاملة، إذ كان المطلوب أن يكشف للرأي العام بالتفصيل عن الجهاز الأمني وأقصد فرق الموت التي كان يديرها الإرهابي المذكور وارتباطات هذا الجهاز بفرق موت تعود إلى أحزاب وتنظيمات موالية لإيران كفيلق بدر وفصائل الخزعلي وغيره في جيش المهدي، ومن كان المسؤول عن هذا الجهاز، وكيف تم تدريبه وتنظيمه وتجهيزه وتمويله وما هي الجرائم التي ارتكبها ومن هم الضحايا.
وكما سلط البرنامج الضوء على جرائم إرهابية شارك فيها نوري المالكي إبان الثمانينيات من القرن الماضي كان من المفروض أن يكشف البرنامج بعضا من جرائمه في فترة ما بعد الغزو. لو اختار البرنامج جريمة واحدة من جرائم المالكي، وما أكثرها، وجرت متابعتها من ألفها إلى يائها، لكان أفضل في شد انتباه الجمهور ولسلط الضوء على شخصية المالكي الكاملة في كيفية إدارته لملف الإرهاب من خلال فرق الموت التابعة له.
من جهة أخرى، الإرهاب لوحده لا يعبر عن شخصية المالكي، بل بعض منها، ومن أجل أن تكتمل الصورة كان لابد من تسليط الضوء على قيادته لمافيا الفساد ودوره في تبييض وغسيل الأموال، تفريطه بالسيادة ومصالح البلد العليا، مسؤوليته المباشرة في تضييع فرص التنمية وهدر الثروات.....إلخ، وكل منها ربما يصلح كحلقة جديدة في برنامج (الصندوق الأسود). ملاحظاتي بالطبع قابلة للنقاش وهي صحيحة تحتمل الخطأ، وهي في النهاية لن تؤثر على نجاح البرنامج الذي نأمل من قناة الجزيرة عرض المزيد منه.
(بوابة الشرق)