كتب
طارق الهاشمي: نعم، هذا هو واقع الحال، والإشارة وردت على لسان السفير السعودي ثامر السبهان في لقاء له مع قناة فضائية عراقية.. حقيقة، العرب
السنة غاضبون من عموم العرب مع بعض الاستثناء. وإجابة السفير كانت ردا على اتهام النخبة الموالية لإيران، للسعودية بأنها لم تكف عن التدخل في الشأن الداخلي
العراقي لصالح السنة، وهو خلاف الواقع، ولو كان قد حصل ما غضب السنة، لكنه باختصار لم يحصل على الإطلاق. وبدلا من ذلك، واظبت السعودية على الوقوف على مسافة واحدة من جميع المكونات الاجتماعية، على الرغم من تبدل الظروف والأحوال.
لم يبين السفير إن كان الغضب في محله وله مسوغاته أم لا. أما أنا فأقول إن الغضب كان في محله، وهو تحصيل حاصل لموقف عام لم يكن مناسبا، في تصورنا، للظرف السائد في أي حال من الأحوال.
لكن المملكة، كغيرها من الدول، لديها رؤيتها ومصالحها، وهي تتصرف بناء على ذلك، وليس بالضرورة بناء على تطلعات مكوّن كان ينتظر موقفا مغايرا.
مع استثناءات محدودة جدا انفردت بها دولة أو دولتان، اختار أغلب العرب الجلوس على التل ومراقبة المشهد المحزن عن بعد، حتى بالنسبة للدول التي تبادلت التمثيل الدبلوماسي مع العراق بعد 2003، ولكل أسبابه ومبرراته. وعلى الرغم من أن النخبة الحاكمة كانت ظاهريا تشجع على تبادل التمثيل الدبلوماسي مع الدول العربية، فإن نظرة الشك والعداء للعرب لم تتغير، والكل يتذكر حادثة اختطاف وقتل السفير المصري إيهاب الشريف عام 2005، ومؤخرا ردة الفعل المتشنجة من جانب النخبة الحاكمة الموالية لإيران على تصريحات السفير السعودي في اللقاء المذكور، رغم تأكيده أن توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، قضت بأن ينظر السفير لجميع العراقيين بعين واحدة، وقلب واحد، وعقل واحد. وهو الموقف نفسه الذي لمسته شخصيا من الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، في لقاء معه بقصر الجنادرية في أبريل (نيسان) من عام 2010، أنه يريد "للمملكة دورا، لكن بعين الوقت لا يجرّ على المملكة أي اتهامات أو شبهات بأنها تعمل لصالح هذا المكوّن أو ذاك، وهذا المطلب بعيد المنال؛ إذ سينظر للمملكة مهما اجتهدت أن تكون محايدة، بأنها متحيزة للعرب السنة، لهذا اخترنا عدم التدخل".
أجبته: "نحن لا نبغي إحراجكم ولا نحملكم فوق ما لا تقدرون عليه، إنما نتطلع إلى مساعدتنا في ردع الآخرين ومنعهم من التدخل"، وللتاريخ أقول إن المملكة كانت سباقة لإغاثة العراقيين منذ الأيام الأولى للغزو عندما أرسلت كثيرا من المستشفيات المتنقلة عن طريق الأنبار، كما أنها خصصت مليارا وربع المليار دولار لم تستثمر حتى الآن، لأغراض الإعمار والخدمات، إضافة إلى مساهمتها بنصف مليار دولار عام 2013 خصصت لأغراض الإغاثة ونفذت من خلال الأمم المتحدة.. وهناك بالتأكيد كثير من هذا القبيل. رغم ذلك، فإن الأمنيات كانت أن تلعب المملكة دورا في العراق أكبر بكثير مما ذكر.. دورا يوازي مكانتها من جهة؛ ويكافئ أهمية العراق الجيوسياسية في المنطقة من جهة أخرى. الحاصل أن عدم التدخل أغضب العرب السنة، ومع ذلك لم يقنع أو يُرضِ النخبة الموالية لطهران، بمعنى أنه موقف أغضب الطرفين.
تهيأت فرصتان فريدتان لدور عربي فاعل؛ تمثلت الأولى في مؤتمر القاهرة عام 2005، والثانية في اتفاقية مكة عام 2006، لكنهما ضاعتا بسبب عظم التحديات في الداخل، إلى جانب قصور الجامعة العربية في المتابعة. باستثناء ذلك، غاب العرب عن المشهد العراقي.. هذه هي الحقيقة، وتركوا فراغا هائلا وظّفته إيران لصالحها. وسواء جاء موقف العرب بناء على تفاهمات، أو ضغوط دولية، أو قصر نظر وسوء تقدير، أو انعكاسا لمخاوف مزعومة قد تنجم عن عراق قوي، أو لأسباب اقتصادية تتعلق بحصة العراق من النفط الخام في إطار منظمة "أوبك"، فإن النتيجة واحدة، وهي كانت كارثية على المصلحة العربية، وليس على العرب السنة أو عموم العراقيين فحسب.
الموضوع عميق وشائك، لكن الأهم من الماضي هو الحاضر والمستقبل، فإذا كانت الأمة قد قصّرت في الماضي بشأن العراق، فهل تراها استوعبت الدرس وعقلت وتوكلت لتعويض ما فات وتدارك ما حصل؟ شخصيا لا أرى ضياء في نهاية النفق، وكل ما أخشاه عندما تتغير الظروف للأفضل أن تملى علينا وجهات نظر ومشاريع قد لا تصب هي الأخرى في مصلحتنا الوطنية أو العربية، لأننا اكتشفنا لاحقا أننا لم نقدم البديل، بل تقاعسنا هذه المرة أيضا، أي حتى عن ترتيب أوضاعنا في المستقبل.
(عن صحيفة الشرق الأوسط ـ 28 كانون الثاني/ يناير 2016)