على عكس موجة الغلاء التي تضرب عموم الأسواق السورية على اختلاف قطاعاتها، شهدت أسعار
العقارات في الأحياء الخاضعة لسيطرة النظام من مدينة
حلب انخفاضا ملحوظا عن سعرها الحقيقي ما قبل اندلاع الثورة السورية.
وتتراوح نسبة الانخفاض في أسعار العقارات في الوقت الراهن بين 30 إلى 45 في المئة، في حين يبدو لافتا أن هذا الانخفاض يتزامن مع تدهور العملة المحلية (الليرة السورية) التي تخطى سعر صرفها عتبة 390 ليرة للدولار الأمريكي الواحد، ولا زالت العملة الرئيسية المحددة لأسعار العقارات في تلك المناطق.
ويرى تجار عقارات أن هذا الانخفاض في الأسعار طبيعي، بالنظر إلى الارتباط الوثيق والمتلازم بين مؤشرات أداء القطاع العقاري بشكل وبين العوامل التي يمثلها الاستقرار السياسي والمجتمعي الذي تفتقده البلاد بشكل عام نتيجة الظروف السائدة، لكن استغلال "تجار الأزمات" لحاجة الناس هو أمر غير طبيعي من وجهة نظر تاجر العقارات عبد الرحيم علامو.
وقال علامو لـ"
عربي21" إن حاجة الأهالي للمال تأتي على رأس الأسباب التي تدفع الأهالي لبيع ممتلكاتهم بأرخص الأثمان، مشيرا إلى عدة خطوات تأتي قبل خطوة بيع المنزل يتبعها أغلب الأهالي على حد تقديره، من بينها بيع بعض الأساس المنزلي، أو رهن المنزل مقابل مبالغ مالية قد يصعب على مالك العقار الوفاء بها.
وكشف علامو، وهو الواصل للتو من مناطق سيطرة النظام في مدينة حلب إلى تركيا، عن صفقات عقارية تتم بشكل غير معلن، تديرها شبكة من المكاتب العقارية الممولة من مليشيات تتلقى تمويلها من إيران، في الأحياء المتاخمة لـ"جمعية الزهراء"، غرب المدينة. وتحدث أيضا عن تملك عائلات موالية للنظام لمناطق بأكملها، مثل امتلاك عائلة "المرندي" لأغلب عقارات منطقة "الشيخ سعيد" جنوب حلب.
لكن على الرغم من ذلك، يقلل علامو من حجم تلك الصفقات، ويقول: "إن السوق العقاري في مدينة حلب يمر بحالة ركود؛ لأن المعروض أكبر من حجم الطلب بكثير، والكثير من الأهالي مستعدون للبيع بغض النظر عن الثمن".
الأمر ذاته ينسحب على "ع. ب" الذي ينتظر مجيء مشتر لمنزله المعروض للبيع في منطقة "السريان الجديدة" منذ أكثر من ستة أشهر، أملا "في الخروج من الدوامة السورية"، على حد تعبيره.
وبحسب "ع. ب"، فإن أحسن العروض التي تلقاها لم تصل إلى 70 في المئة من قيمة منزله الحقيقية بالليرة السورية، حيث كان يبلغ سعر منزله قبل الثورة 9 ملايين ليرة سورية، بينما لم يصل أفضل العروض التي قدمت له إلى 5 ملايين ليرة سورية في الوقت الراهن.
بدوره، يشعر آخر، وهو معلم مدرسة، بالسعادة النسبية لأنه باع منزله الكائن في حي الخالدية منذ بداية الثورة، ويقول: "اشتريت بثمن المنزل دولارات، وبذلك استطعت الحفاظ على قيمة منزلي الحقيقية إلى لآن".
في المقابل، يرفض الصحفي جمال مامو فكرة بيع منزله في مدينة حلب، على الرغم من إقامته في استانبول لاجئا بعيدا عن منزله.
وعلى الرغم من تلقيه عروضا من مشترين وصفها بـ"المقبولة"، إلا أنه يفضل الاحتفاظ بمنزله؛ لأسباب يعيدها مامو، خلال حديث مع "
عربي21"، إلى رفض فكرة اللجوء إلى الدول الأوروبية بالطريقة الحالية أولا، وأنه يأمل بالعودة إلى منزله في حال عودة الاستقرار إلى البلاد؛ ثانيا.
هذا في مناطق سيطرة النظام، أما بالانتقال إلى مناطق سيطرة الثوار، فلا مؤشرات ولو بسيطة لوجود حقيقي لنشاط السوق العقاري، باستثناء تجار قلة يشترون العقارات في المناطق غير الآمنة بأسعار زهيدة، استغلالا لحاجة الأهالي للمال، شريطة ضمان تسجيلها في السجل العقاري، إضافة إلى عمليات بيع وشراء صغيرة في المناطق البعيدة نسبيا عن خط الجبهات.
مصدر محلي في شمال حلب أكد أن السعر الذي يعرضه هؤلاء التجار المنتشرون في بعض مناطق المدينة وريفها، لا يتجاوز 10 في المئة فقط من قيمة العقار الحقيقية.
يشار إلى أن مدينة حلب شهدت في فترة ما قبل الثورة طفرات كبيرة في أسواق العقارات، قابلها توسع عمراني أفقي غرب المدينة وشمالها.