نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية تقريرا لشون ووكر وجوليان بورغر، حول ردة الفعل المحتملة لبوتين على سبب تفجير
الطائرة الروسية المنكوبة، بعد أكثر من شهر من بدء
روسيا عمليات قصف جوي ضد أهداف في
سوريا.
ويشير التقرير إلى أن روسيا لم تعلق رسميا على الادعاءات بأن سقوط الطائرة الروسية في سيناء كان نتيجة انفجار قنبلة زرعت على متن الطائرة، مستدركا بأن تجميد الرحلات الروسية، وإخلاء السياح الروس من البلد، ونقل أمتعتهم بشكل منفصل، هي أمور تشير إلى أن الأمن الروسي لديه الشكوك ذاتها، التي أشار إليها المسؤولون الأمريكيون والبريطانيون.
وتنقل الصحيفة عن
بوتين قوله في مؤتمر للسياسيين والمحللين الدوليين إن تحرك روسيا في سوريا كان ضربة استباقية، وأضاف: "قد علمتني شوارع لنينغراد قبل خمسين عاما أمرا مهما؛ إن كان لا بد من القتال فعليك أن تضرب أولا".
ويقول الكاتبان إنه "إذا تبين أن سقوط طائرة (مترو جيت) كان عملا إرهابيا بالفعل، فإن ذلك سيشكل معضلة جديدة لبوتين؛ هل سيزيد من ضغطه في سوريا، أم يدفع نحو التفاوض مستخدما ما بيده من أوراق؟".
ويورد التقرير أن واشنطن تعتقد أن بوتين قد تورط في سوريا، واختارت الحكومة الأمريكية أن تنتظر فشله، أملا بأن تقتنع موسكو بأن على بشار الأسد الرحيل، كون ذلك جزءا من أي حل سياسي، بحسب ما قاله مسؤول أمريكي كبير لـ"الغارديان".
ويضيف المسؤول للصحيفة: "هذه أول مرة يقومون فيها بتقديم دعم جوي لعمليات برية، وقد بالغوا في تقديراتهم لفاعلية العمليات الجوية، فإن لم يتدربوا معا فمن الصعب جدا تنسيق العمليات الجوية مع البرية، ولذلك نعتقد أنهم ارتكبوا خطأ استراتيجيا. فقد بالغوا في تقديرهم لإمكانيات الجيش السوري، واستهانوا بحجم التعقيد الذي تعيشه سوريا".
ويبين الكاتبان أن البعض في موسكو يعتقد أن تحرك بوتين الأولي كان نابعا من الانتهازية، حيث لاحظ عدم فعالية السياسة الغربية في سوريا، ورأى فرصة في تغيير مسار التفاوض، ولجعل صوت روسيا مسموعا، بالإضافة إلى لفت الانتباه عن أوكرانيا.
وينقل التقرير عن رئيس تحرير التلفزيون الروسي المستقل "رين"، الذي نشر مؤخرا كتابا عن بوتين وحاشيته، ميخائيل زيغار، قوله: "إن بوتين بالتأكيد ليس بارعا في التخطيط الاستراتيجي، ولكنه بارع في التخطيط التكتيكي، وهذا ما يعكسه تاريخ حكمه كله. وكانت أهدافه تتغير طيلة الوقت".
وتستدرك الصحيفة بأنه مع ذلك فإن عددا من المصادر في موسكو تقول إنه يجب عدم إهمال هدف بوتين المعلن حول هزيمة إرهابيي
تنظيم الدولة، الذي قد يكون المحرك الرئيس للتدخل، حتى وإن كانت معظم الضربات الجوية موجهة ضد أهداف لا علاقة لها بتنظيم الدولة.
وينقل الكاتبان عن أحد المطلعين الذي يعرف بوتين شخصيا، قوله قبل سقوط طائرة "مترو جيت": "أظن أن السبب الرئيس لتدخل بوتين في سوريا هو قلق حقيقي من تمدد تنظيم الدولة ليشكل خطرا على روسيا في المستقبل القريب، فنحن أقرب بكثير للمنطقة من أمريكا، ولسنا بالكفاءة ذاتها في حماية حدودنا. بالطبع هناك أمور أخرى كثيرة، منها الحاجة إلى توجيه الأنظار عن أوكرانيا، ولكنني أعتقد جازما أن السبب الأول هو السبب الرئيس".
ويلفت التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن فترة حكم بوتين تميزت بالارتياب الشديد نحو أي تظاهرات ضد الحكام الديكتاتوريين، ورد الفعل القوي نحو "الإرهاب الإسلامي". ويذكر السير توني برنتون، الذي شغل منصب السفير البريطاني في موسكو في الفترة ما بين 2004 و 2008، بأن لغة الجسد لدى بوتين كانت تتغير عندما يتم الحديث عن الإرهاب، ويقول: "عندما تتحدث عن الإسلاموية تجد عينيه تتصلبان، وكان يعتقد أنه لا طريقة للتعامل معها إلا بقبضة من حديد".
ويشير برنتون إلى اجتماعات طالب فيها القادة البريطانيون بوتين للضغط على رئيس أوزبكستان، إسلام كاريموف، بعد مذبحة ارتكبها ضد مئات المتظاهرين في بلدة أنديجان عام 2005، فقال بوتين: "صحيح، يمكن أن يكون كاريموف شخصا سيئا، ولكن خطر الإسلاموية هو الأكبر بالنسبة لنا"، بحسب الصحيفة.
ويرى الكاتبان أن رد الفعل القوي هذا نحو الإرهاب يعني أن بوتين قد ينحو نحو مضاعفة الجهود في سوريا، إن تم التأكد من أن سقوط الطائرة كان بسبب تفجير قنبلة. مستدركين بأنه مع أن بوتين كان قد استبعد تماما أن يقوم الجيش الروسي بمهمة برية في سوريا، إلا أن هناك تقارير غير مؤكدة بأن مدافع ودروعا روسية رصدت بعيدا عن القاعدة الجوية في اللاذقية، وقد يشعر بوتين بأن هجوما إرهابيا يبرر إصراره على التعامل مع تنظيم الدولة في سوريا.
ويفيد التقرير بأنه بينما يرفض المسؤولون الأوروبيون حجة "مكافحة الإرهاب"، قائلين إن الهجمات الروسية استهدفت مجموعات غير تنظيم الدولة. يرى المسؤولون الأمريكيون حديث الروس عن "شرعية" الأسد مثيرا للسخرية، حيث يرون أن تمسك روسيا بالنظام ليس إلا لتحتفظ روسيا لمكان لها على طاولة المفاوضات، فدون نظام بشار لا مكان لها على الطاولة.
وتستدرك الصحيفة بأن الرأي في روسيا هو أن دعم نظام ديكتاتوري هو الطريقة الأفضل لتجنب الإرهاب والفوضى في المستقبل. ويقول إليكساندر أكسينيونوك، وهو دبلوماسي روسي مخضرم، وكان القائم بالأعمال السوفييتي في سوريا في الثمانينيات: "هناك خطر كبير من سقوط النظام، وحتى بالنسبة لأمريكا، فإن هناك تفهما بأن سقوط مؤسسات الدولة، مهما كان النظام سيئا، فيه خطر كبير، وسيكرر الخطأ ذاته الذي وقع في ليبيا والعراق".
ويورد الكاتبان أن وزير خارجية روسيا السابق إيغور إيفانوف قال إنه من الواضح أن الأسد ليس شريكا مثاليا، ولكن روسيا تفضل التعامل مع زعماء شرعيين بدلا من مجموعات معارضة، وأضاف: "من المؤكد أن الأسد شريك صعب، ولكن ليس هناك شركاء مريحون في الشرق الأوسط، عملت مع حسين والقذافي والأسد الأب والابن. سم لي بلدا واحد فيها شريك سهل".
وبحسب التقرير، فقد قال المسؤول الأمريكي إن واشنطن تنتظر لترى كيف سيكون رد فعل بوتين للنجاح المحدود للحملة العسكرية، ولاحتمال كون سقوط الطائرة نتيجة عمل إرهابي، وأضاف متسائلا: "فإن لم ينجحوا في عمليات الدعم الجوي للقوات البرية، فهل سيعترف بوتين بالهزيمة، ويعدل من موقفه التفاوضي، ويكون أكثر تقبلا لمغادرة الأسد ابتداء، أم أنه سيستمر في حربه، كما يفعل الآن، وهو الأمر الذي لا يبدو خيارا جيدا؟".
ويتابع المسؤؤل للصحيفة: "لن نعارض الروس في دعمهم العسكري للأسد، فنعم من هذه الناحية، نحن ننتظر فشلهم، ونأمل بأن يدفعهم هذا نحو شروط معقولة ومفاوضات سياسية".
ويجد الكاتبان أنه إذا كان هدف روسيا هو ضمان أوراق قوية على طاولة المفاوضات، فقد يكونون حققوا ذلك، وبالرغم من دعم بوتين الواضح للأسد، إلى درجة أنه دعاه إلى المحادثات في الكرملين في تشرين الأول/ أكتوبر، إلا أن هناك مؤشرات على أن هذا الدعم له تاريخ نهاية.
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى أن أكسينيونوك يقول: "لم يحب حافظ الأسد ما كان يفعله غورباتشوف في روسيا وسياسة الانفتاح في وقتها، بالطريقة ذاتها التي لا يحب فيها بشار ما تعرض عليه روسيا الآن. فإن كان الأسد يظن أن بإمكانه الاستمرار في القتال ضد الإرهاب دون عملية سياسية، فإنه يرتكب خطأ كبيرا. فيجب أن تتم العمليتان بالتوازي. بالطبع لن تكون سوريا كما كانت أبدا، ولن تكون القيادة كما كانت أبدا".