ناقش معهد واشنطن للدراسات في منتدى سياسي، تاريخ
تنظيم الدولة من النشأة وحتى إعلان "الخلافة"، حيث شارك في المنتدى جوبي واريك، الصحفي المختص بقضايا الأمن القومي الأمريكي والاستخبارات وقضايا الشرق الأوسط في صحيفة "واشنطن بوست"، إلى جانب مدير مشروع "علاقات الولايات المتحدة مع العالم الإسلامي" في معهد بروكينغز، ويل مكانتس، والزميل في معهد واشنطن للدراسات هارون زيلين.
وعن نشأة التنظيم الذي مهد له أبو مصعب
الزرقاوي، قال واريك إن الزرقاوي مستمر في التأثير على المؤمنين برؤيته حتى بعد وفاته في 2006 بغارة جوية أمريكية، ونجح في أن يجمع البعثيين السابقين الساخطين على أمريكا، والمتطرفين الإسلاميين، ليقود تمردا ضد الاحتلال الأمريكي في
العراق.
وعن الفترة التي قضاها الزرقاوي في السجون الأردنية قال واريك إنه عمل على إنماء شخصية قوية ولا تهاب، وهي التي جذبت أتباعه وجعلته يؤثر على السجناء من بين الأكثر تعليما وخبرة. وعندما حاول الانضمام إلى
تنظيم القاعدة في أفغانستان عقب الإفراج عنه في 1999، اعتبره أسامة بن لادن، متطرفا جدا بالنسبة للجماعة.
وتابع: "اختلف الزرقاوي بشكل كبير مع بن لادن حول أهداف تنظيم القاعدة واستراتيجيته. إذ لم يهتم الزرقاوي في مناشدة جميع المسلمين. فعندما خطط لاستراتيجيته في العراق، رأى فرصة لحشد الدعم السني عن طريق استغلال التوترات الطائفية وإشعال النار. وقد تعززت جهوده في التجنيد عندما استشهد به وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن باول، عن طريق الخطأ، كحلقة وصل بين تنظيم القاعدة والرئيس العراقي السابق صدام حسين، الأمر الذي أكسبه شهرة وأتباعا".
وقال: "كمنت الأهداف الأولى للزرقاوي في العراق في السفارات والأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والقادة الشيعة، وذلك بهدف عزل كل طرف من الأطراف وإجبار الولايات المتحدة على الوقوف في منتصف الحرب الطائفية الناجمة عن ذلك. ولم يكمن هدفه في تحرير العراق بل في دفع السنة إلى إنشاء دولة دينية. وقد رفض مطالبات قادة تنظيم القاعدة وغيرهم من القادة الذين اعتبروا أن السنة ليسوا على استعداد لإدارة دولتهم الخاصة بعد".
ولجذب الأتباع اعتمد الزرقاوي، بحسب واريك، على مقاطع الفيديو العنيفة وأدرك أنه يمكن لها أن تحمل تأثيرا دعائيا أكبر من التفجيرات التي تؤدي إلى وقوع أعداد هائلة من الإصابات، وساعده في ذلك ضباط الجيش العراقي السابقين، الذين كان لديهم خبرة في تشغيل الأجهزة الأمنية، والاستخبارات، وساعدوه على التملص من القوات الأمريكية على مدى أكثر من عامين.
وأضاف: "في حين ركّز تنظيم القاعدة على عدو الإسلام البعيد، ركّز الزرقاوي على العدو القريب، أي الدول المحلية والحكام المحليين، وذلك بهدف إعادة إحياء الخلافة عبر الحصول على دعم واسع النطاق من السنة، وبعد ثماني سنوات من مقتل الزرقاوي، أعلن
أبو بكر البغدادي علنا عن تحقيق هذا الهدف في مسجد في الموصل، وأثنى في إعلانه على الزرقاوي، وليس على بن لادن".
ومع وصول تنظيم القاعدة إلى الحضيض في العراق في 2009 من ناحية إيراداته المالية، تمكن تنظيم الدولة بعد ظهوره من جمع 200 إلى 250 مليون دولار سنويا من عمليات الخطف والابتزاز، بحسب واريك، وهو اليوم يتكسب من الضرائب، والنفط، وتجارة الآثار، والرقيق، ويصعب تعطيل آليات التمويل الذاتي التي يتمتع بها.
أما مدير مشروع "علاقات الولايات المتحدة مع العالم الإسلامي" في معهد بروكينغز، ويل مكانتس، فقال إن الزرقاوي نظر إلى الصراع اللاحق على أنه أفضل فرصة لتحقيق طموحاته بإقامة "الدولة الإسلامية" الأمر الذي أبعده عن التنظيمات الجهادية الأخرى التي تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية عدوها الرئيس.
وساعد منظرو التنظيم الزرقاوي على وضع إطار لمشروعه القائم على بناء الدولة؛ "ففي عام 2004، كتب أحد أعضاء تنظيم القاعدة كتاب (إدارة التوحش)، وهو عبارة عن خطة لإنشاء دولة دينية. إذ فصّل كيف يجب على الجهاديين استغلال الفراغات الأمنية القائمة أو إنشاء فراغات خاصة بهم من خلال مهاجمة البنية التحتية الحساسة للدولة. فعند انحسار الدولة من أجل توحيد صفوفها وتنظيمها، يمكن للجهاديين ملء هذا الفراغ لتقديم الخدمات الاجتماعية والأمنية. وفي مرحلة ثانية، يمكن لهذه الأماكن التي يحكمها الجهاديون أن تتواصل مع بعضها البعض من أجل إقامة دولة. وفي هذا السياق، كان إعلان أبو بكر البغدادي الخلافة في عام 2014 أول ادعاء مثيل جدير بالتصديق منذ سقوط الإمبراطورية العثمانية".
تكتيكات الزرقاوي أغضبت العشائر والجماعات المتمردة السنية، وتم تمكين سخطها وتوجيهه من قبل الوجود العسكري الأمريكي في العراق، ما أدى إلى التراجع عن أول مشروع لـ"الدولة الإسلامية" بين العامين 2008 و 2009. وبحلول ذلك الوقت، كانت قد تدهورت لتتحول من كونها عبارة عن تمرد قابل للاستمرار إلى منظمة سرية.
وبعد هذه النكسة اعتمدت الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة علم تنظيم "الدولة الإسلامية" ومشروع بناء الدولة في الأماكن التي كانت فيها الدولة العراقية قيد الانهيار أو غائبة. وابتداء من عام 2012، وفّرت الحرب السورية فرصة إضافية للتنظيم. فقد أدركت عدّة عشائر عربية سنية أنها محرومة من حقوقها وعلى استعداد لمساعدة تنظيم الدولة لأنها رأت أنه البديل الأفضل إما لنظام الأسد أو للدولة العراقية التي يهيمن عليها الشيعة على نحو متزايد. وفي البداية، تعاون تنظيم الدولة مع الفصائل الأخرى في هذه الأماكن، ولكن مع مرور الوقت سعى إلى فرض جدول أعماله والقضاء على المنافسين.
وتابع مكانتس: "وفي النهاية، ربما سيكون مصير التنظيم مماثلا لمصير غيره من الدول الجهادية التي انهارت جميعها. ومع ذلك، لم تفشل هذه الدول بسبب سوء الحوكمة أو الوحشية المفرطة، وإنما لأنها جذبت أعداء أجانب أقوياء وحازمين. وفي حين أن تنظيم الدولة قد خلق العديد من الأعداء في العراق وسوريا، إلا أن معظمهم يركز حاليا على أولويات أخرى. وعلى الرغم من أن جهوده المستمرة بغزو جميع أراضي المسلمين ستكسبه المزيد من الأعداء، إلا أن الاضطرابات المستمرة في المنطقة وغياب الإرادة لدى أولئك الذين يعارضونه قد تسمح للتنظيم بالانتشار والتوسع. ويعترف تنظيم الدولة بحدود معينة، بيد أنه يعرف أنه لا يمكنه التقدم نحو مكة المكرمة ولا القدس في الوقت الحاضر".
وختم بأن نهج الولايات المتحدة السابق في العراق خلال "صحوة الأنبار" يشكل أيضا العامل الرئيس لهزيمة تنظيم الدولة في الوقت الحالي، وإن دعم العشائر العربية السنية يجب أن يكون نقطة محورية في أي استراتيجية لمواجهة الجماعة، وهو شرط يستثني بالتأكيد إيران وروسيا من أي تحالف قابل للاستمرار ضد تنظيم الدولة.
أما الباحث في المعهد، هارون زيلين فقال إن تنظيم الدولة يتبع نمطا في توسيع السلطة والنفوذ، وهو يتم الآن بشكل منهجي "وهذه البيروقراطية تسمح للتنظيم بالعمل باستمرار عبر المحافظات المختلفة وبين الأراضي والمناطق الرئيسية وتلك الواقعة في المحيط الخارجي. وفي حين تتم بعض الخطوات في آن واحد، غالبا ما تكون هذه العملية عبارة عن تقدم خطي متسلسل: العمليات الاستخباراتية، تليها العمليات العسكرية، وأنشطة الدعوة وأنشطة الحسبة والحوكمة".
وتابع: "وتشمل المرحلة الاستخباراتية تنظيم الخلايا النائمة وتسلل المجموعات المختلفة. وفي الأراضي مثل سيناء وليبيا وسوريا، لا يبدأ تنظيم الدولة عمله من الصفر، بل يدمج الشبكات الجهادية الموجودة في إطاره، ما يسمح للجماعة باكتشاف التضاريس المحلية بسرعة. وبعد ذلك يتّبع التنظيم أساليب قتالية غير متماثلة مثل هجمات الكر والفر والسيارات المفخخة".
وقال: "أما الأنشطة التبشيرية، التي تشمل الأطراف المتلقية للدعاية وتوزيع بطاقات هوية إلكترونية، فهي تسمح للجماعة بإبلاغ السكان الخاضعين لسيطرتها، وتوجيه خطابها العام، وتوحيد كوادرها. كما وتم إنشاء مكاتب العلاقات العامة لجمع الأطراف المتخاصمة سوية وإدارة التحكيم، في حين تشمل أنشطة الحسبة حرق المواد المحظورة والرموز الدينية غير السنية. بعد ذلك يفرض تنظيم الدولة الضرائب وقوانين أوسع نطاقا ويقدم الخدمات الاجتماعية. وفي الوقت الحالي، تشكل مصادرة الأملاك أكبر مصدر لإيرادات الجماعة، ولكن هذا أمر لا يمكن الاعتماد عليه على المدى الطويل".
وفي بعض المناطق يفتقر التنظيم، بحسب زيلين، إلى السيطرة الكاملة في معظم المناطق، "ولكنه يعمل على تحقيق مستوى من الحياة الطبيعية في جميع أنحاء مناطقه وأراضيه. فالأعلام السوداء موجودة في كل مكان، وقد تم إعادة تسمية بعض المناطق، كما تُظهر مشاريع الأشغال العامة أن الجماعة تقدم الخدمات للسكان المحليين. بالإضافة إلى ذلك أعاد التنظيم تشغيل العديد من الصناعات مثل معالجة المياه والزراعة وإنتاج السلع".
وتابع: "بقيت السلطات في تنظيم الدولة يقظة ضد أخطار الصحوات المحتملة، وذلك عبر قمع ثلاث صحوات حتى الآن في العراق وليبيا ودير الزور في سوريا. إلى جانب ذلك فهي ترصد بدقة الإنترنت ووسائل الإعلام، وبعد بسط سيطرتها في المنطقة، اعتمدت برامج إعادة تأهيل للقادة المحليين والمواطنين. أضف إلى ذلك أنها تستخدم المكائد للقضاء على المعارضة. وفي حين أن بعض الأفراد في الأراضي التي يسيطر عليها تنظيم الدولة يلتزمون بقضية الجماعة، فإن البعض الآخر يبقى صامتا فقط للبقاء على قيد الحياة. وبمجرد رسوخه سيصبح من الصعب استئصال التنظيم، على الرغم من أن قبضته أقل شدة في سوريا مما هي عليه في العراق. فالأراضي الوحيدة التي خسرها التنظيم هي تلك التي لم يفرض عليها سيطرته الكاملة قط".
وختم زيلين، بأنه "في حين يركز تنظيم الدولة على عدو قريب في الوقت الحالي، يمكنه في النهاية استخدام أراضيه كملاذ آمن لشن عملية أجنبية واسعة النطاق على غرار هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، وذلك بهدف كسب الأتباع وارتداء عباءة تنظيم "القاعدة".