استهجنت منظمات حقوقية، محلية ودولية، إصدار
القضاء المصري عشرات الأحكام بالإعدام أو السجن المؤبد، بحق نساء وفتيات معارضات للانقلاب العسكري في مصر. ووصفت منظمات هذه الأحكام بـ"المجحفة"، وأنها تفتقر لأدنى معايير
المحاكمات العادلة، كما أن هذه المحاكمات غير مسبوقة في مصر.
وكانت محكمة مصرية قد قضت، الأحد، بسجن 14 سيدة من رافضات الانقلاب ما مجموعه 140 عاما، إذ حكمت على كل واحدة منهن بـ10 سنوات، بتهم الانضمام لجماعة إرهابية، وارتكاب أعمال عنف بمدينة السنبلاوين، بمحافظة الدقهلية (دلتا مصر)، وذلك في أحدث حلقة من سلسلة الأحكام بحق رافضات الانقلاب.
أحكام مجحفة وغير مسبوقة
من جهتها، أدانت مسؤولة الملف المصري بمنظمة هيومان رايتس مونيتور، سلمى أشرف، الأحكام الأخيرة الصادرة ضد المرأة المصرية بسبب خلفيتها السياسية، وقالت لـ"
عربي21": "الأحكام التي تطال المرأة المصرية هي أحكام مجحفة بحقها، ولا تبنى على أي نوع من المحاكمات العادلة".
وتابعت: "رأينا أحكاما بالمؤبد والإعدام"، مضيفة: "الأحكام ليست مبنية على تحقيقات حقيقية، إنما على تحريات أمنية، وهو طرف مضاد في القضية، وهذا ما يحدث في القضاء المصري حاليا".
ووصفت سلمى أشرف تلك الأحكام بأنها "الأكثر قسوة" في تاريخ القضاء المصري، ولفتت إلى أن "ما يصدر من أحكام بحق المرأة لم يحدث من قبل، ولم نرها إلا بعد أحداث 30 حزيران/ يونيو 2013 ولم تحدث حتى في عهد مبارك"، وفق تأكيدها.
وشددت الناشطة الحقوقية على أن "دور المنظمات الدولية، هو الكشف عن تلك المحاكمات غير العادلة، وإصدار تقارير بشأنها، ومخاطبة الجهات المختصة، والتأكيد على أنها محاكمات غير عادلة ولا ترقى للمعايير الدولية للمحاكمات".
ورقة ضغط
بدورها، رأت المتحدثة باسم التحالف الثوري لنساء مصر، فجر عاطف، أن محاكمة المرأة المناضلة، والمدافعة عن حقوق شعبها"، هو عمل "الأنظمة الانقلابية الفاشية، التي لا تفرق بين رجل وامرأة"، وفق تعبيرها.
وقالت لـ"
عربي21": "جميع المعارضات للنظام مدانات، وتكال لهن الاتهامات جزافا، وكلها ملفقة ولا أساس لها، ويهدف النظام من ورائها الضغط على الحراك الثوري المعارض بكل أطيافه".
وكشفت أن قوات الأمن "تقوم باعتقال
النساء والفتيات ليس فقط من المسيرات المناهضة للانقلاب وحرم الجامعات، بل من بيوتهن، ووسط أسرهن، دون مراعاة للحرمات، أو العرف، أو الشرع".
وشددت على أن "تلك الانتهاكات الحقوقية ساهمت في تعرية النظام بشكل واضح في الآونة الآخيرة"، مشيرة إلى أن "هناك موجة تصعيدية قادمة بالتزامن مع اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة يوم 25 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري".
واستبعدت فجر عاطف أن تفل تلك الأحكام من عزيمة المرأة المناهضة للانقلاب، قائلة: "منذ انقلاب 3 تموز/ يوليو اكتشفنا في المرأة المصرية خنساوات كثيرات. بعد أن كنا نفخر بالمرأة الفلسطينية التي تقدم الشهيد تلو الآخر، أصبحنا نفخر بالمرأة المصرية التي ذاقت بنفسها القتل والسجن والاعتقال"، وفق قولها.
إرهاب المجتمع
من جهته، رأى رئيس المكتب الحقوقي في المجلس الثوري المصري، أسامة رشدي، أن مثل تلك الأحكام "سبقتها أحكام بالإعدام، والمؤبد، والمشدد"، مضيفا: "لأول مرة تُعامل المرأة المصرية بهذه الطريقة، والتي لم يجرؤ عليها حتى الاحتلال الإنجليزي من قبل"، بحسب تعبيره.
ووصف رشدي، لـ"
عربي21"، الفترة الحالية بأنها "الأشد ظلمة في تاريخ مصر سياسيا وقضائيا، فلم تشهد الحقبتان السوداوتان في خمسينيات أو ستينيات القرن الماضي مثل تلك الأحكام، حتى أن حوادث السيدة زينب الغزالي أو أمينة قطب؛ تتضاءل إلى جانب ما يرتكب بحق المرأة المصرية الآن".
ولفت إلى أنهم يتواصلون مع المنظمات الحقوقية والدولية، ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة "للكشف عن تلك الأحكام الباطلة"، مؤكدا أن "نظام العدالة في مصر ينهار، وسيترتب عليه تصعيد الحراك الثوري، والعودة للميادين".
وأشاد رشدي بدور المرأة المصرية منذ ثورة يناير، "فقد أثبتن أنهن دائما في المقدمة، ولن تجدي محاولة الإرهاب والترهيب بحق الثوار، والمعارضين"، كما قال.
اهتزاز صورة القضاء
أما المستشار أحمد سالمان، وزير العدل السابق، فأكد أنه "بعد الانقلاب اختلفت الموازين"، موضحا أن "الزج بالمرأة في قضايا عنف وإرهاب، هو ديدن النظام الذي لا يضع في اعتباره أدنى معيار للعدالة".
وقال لـ"
عربي21": "قرأنا الاتهامات التي وجهت لإسراء الطويل بإخفاء قنبلة في الكاميرا لاغتيال شخصيات بارزة، وغيرها كثير، ناهيك عن إجراءات المحاكمات الخاطئة".
واعتبر أن "مثل هذه الأحكام انعكست بالسلب على صورة القضاء المصري المشهود له بالكفاءة طوال عقود مضت في الداخل والخارج، وهزت صورته، وأساءت لمكانة القاضي المصري في العالم"، وفق تقديره.