نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية، تقريرا حول أسباب ظهور
تنظيم الدولة، وبقائه وتتمدده في
العراق وسوريا، اعتبرت فيه أن هذا "الكيان الغامض" خرج من رحم الأنظمة
البعثية الدكتاتورية، ويستعين بخبرة ضباط جيش
صدام حسين، ويعتمد على الدكتاتورية الطائفية لاكتساب شرعيته.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن ظهور تنظيم الدولة يعزى بشكل مباشر إلى تجربتين حديثتين؛ هما الحرب الأهلية العراقية، والثورة السورية، وإلى أرضية خصبة مهدت لظهوره، وهي حكم الأحزاب البعثية لمدة 30 عاما، "لأنه ليس من الصدفة أن يظهر التنظيم في الدولتين اللتين طغت عليهما التجربة الدكتاتورية، من خلال حكم صدام حسين وعائلة الأسد".
وأشارت إلى أن كلا النظامين البعثيين في
سوريا والعراق؛ ادعى الدفاع عن القومية العربية، "وبقطع النظر عن الفوارق الموجودة بين البلدين؛ فإنه السمة المشتركة بينهما هي أن سيادة القانون غابت، وفسح المجال للشرطة السياسية المكلفة بإسكات الشعب وإخضاعه لحكم القائد الزعيم".
وأضافت أنه "في ظل هذا النظام الفاسد؛ فإن شبكات المصالح والعلاقات الشخصية وحدها قد تمكن الفرد من تسلق السلم الاجتماعي"، ذاهبة إلى أن "فشل هذين النظامين البعثيين في إرساء دولة القانون والمواطنة؛ أدى مباشرة لصعود تنظيم الدولة".
وتابعت: "في العراق الذي عانى من ثلاثة عقود من الحروب والحصار؛ تعرض المجتمع للتقسيم إلى مجموعات متنافرة، لا تؤمن إلا بالانتماء المذهبي أو العرقي".
واعتبرت الصحيفة أن هذا المسار الذي أدى إلى ظهور تنظيم الدولة "ليس طبيعيا ولا منطقيا، ولكنه نتيجة للتعرض للقمع من قبل النظام القائم، فعلى إثر انهيار الدولة البعثية في عام 2003، قامت على أنقاضها معادلة سياسية جديدة، تمثلت في اعتماد الماسكين بزمام السلطة من الشيعة على التقسيمات والحسابات الطائفية، والاستعانة بمليشيات تتمتع بالحرية المطلقة، وتهميش مكونات الدولة، وخاصة من الطائفة السنية".
وأضافت أن إقصاء السنة من قبل السلطة المركزية في العراق؛ دفع بهم إلى القبول بخيار العنف، كحل أخير لرفض الظلم والاضطهاد، "وبذلك نشطت عدة مجموعات مسلحة، تمتعت بدعم شعبي من السكان المحليين، وكان من بين هذه المجموعات؛ تنظيم الدولة".
وقالت إن السلطة القائمة استفادت كثيرا من هذا السيناريو، لأنها -تحت غطاء مكافحة الإرهاب- تمكنت من تبرير السياسات الطائفية، وظهرت كمنقذة للطائفة الشيعية، وحصلت على دعم المجتمع الدولي في حربها المزعومة على الإرهاب، مشيرة إلى أنه "في ظل هذا الوضع؛ سجل تنظيم الدولة صعوده، مستفيدا من الضباط السابقين في جيش صدام حسين، الذين جلبوا معهم خبرة ميدانية في العمل المخابراتي، وفي تأطير الناس".
وأوضحت أن هذه التجربة "لم تكن كافية ليصبح تنظيم الدولة ما هو عليه الآن، بل جاءت الثورة السورية لتمهد له طريق الانتشار، فبعد عامين من الاحتجاجات، ثم العمل المسلح لتحرير البلاد من قبضة النظام الذي لا يعرف ردا غير القصف والترهيب؛ انسحبت قوات النظام من المناطق الحدودية بين سوريا والعراق، فاسحة المجال لتنظيم الدولة ليتمدد في الفراغ".
ولاحظت الصحيفة أن تنظيم الدولة أصبح يتمتع بثلاثة امتيازات هامة منذ دخوله المجال السوري، "فقد استغل مواقع التواصل الاجتماعي للظهور بمظهر المدافع عن الشعب السوري الذي يتعرض لمجازر يومية من قبل النظام، أمام مجتمع دولي تراوحت مواقفه بين الصمت والتواطؤ، ونجح في تحويل خطاب التعاطف مع الضحايا من الأطفال والنساء إلى مسوغ للعنف وردود الأفعال المتطرفة".
وتابعت: "الامتياز الثاني الذي مكن تنظيم الدولة من البقاء؛ هو أنه اضطلع بمهمة إعادة تشغيل الخدمات والمرافق العامة، في مناطق لطالما عانت من التهميش والفساد الإداري في العهود السابقة، ونجح في تجاوز الخطاب السياسي العمومي والغامض، والنزول لمستوى الهموم الآنية للفرد في المجتمع".
والامتياز الثالث -بحسب الصحيفة- هو أنه "اعتمد على أسلوب دموي ومروع، استمده من منطق (الثقب الأسود) الذي كان سائدا تحت حكم البعث، حيث لا أحد يرى أو يسمع الفظاعات التي تحصل في الداخل، ويتم توجيه الاهتمام نحو أخطاء وعيوب الخصوم فقط".
وخلصت صحيفة "لوموند" إلى أن تنظيم الدولة يمتلك مهارة الأنظمة البعثية في التلاعب والمغالطة، وخطورة الفكر الديني المتشدد، والقدرة على تحويل مشاعر التعاطف الإنسانية إلى استعداد لارتكاب أقصى درجات العنف.