لم تلق مبررات الكنيسة القبطية الأرثوذوكسية التي ساقتها لتبرير زيارة بابا الإسكندرية،
تواضروس الثاني، إلى
القدس المحتلة؛ قبولا لدى قطاع كبير من المفكرين والسياسيين والحقوقيين،
الأقباط والمسلمين، على حد سواء.
ووصل البابا تواضروس إلى القدس الخميس، على رأس وفد يضم ثمانية من قساوسة الكنيسة، عبر مطار تل أبيب، لتكون الزيارة الأولى من نوعها منذ احتلال القدس، ورغم إصدار الكنيسة حظرا على مثل هذه الزيارات قبل 35 عاما.
وساقت قيادات كنسية، دون جدوى، حججا من قبيل أن الزيارة روحية وكنسية، ولتأدية الصلاة، إضافة إلى تشييع جنازة مطران القدس والشرق الأدنى، الإنبا إبراهام، ثاني شخصية في الكنيسة الشرقية.
وقد أعرب عدد من المفكرين الأقباط عن رفضهم لتلك الزيارة المفاجئة التي تستمر حتى انتهاء مراسم التشييع غدا السبت.
ورأى المفكر والكاتب القبطي جمال أسعد؛ أنه "لم يكن لها ما يبررها في ضوء قرار الكنيسة بمنع زيارة الأقباط للأراضي الفلسطينية المحتلة".
زيارة ليس لها مبرر
وقال لـ"
عربي21": "كان يمكن تفهم دوافع هذه الزيارة إذا لم يكن هناك قرار من الكنيسة بمنع الزيارة، ولكنها تمت دون أن تقترن بقرار من الكنيسة، والمجمع المقدس".
وأكد أنه "كان يوجد بدائل أمام "البابا"، لتجنب كسر هذا الحظر، تتمثل في أن مطران القدس هو الشخصية الثانية في المجمع المقدس، وكان من الممكن أن يقوم بالصلاة عليه قسيس مثل "البابا" في نفس درجته الكهنوتية، أو أن يرسل لجنة من الأساقفة والمطارانة للقيام بالصلاة".
واستهجن أسعد "ذهاب البابا تواضروس إلى القدس عبر تل أبيب وبتأشيرة إسرائيلية، وكان بإمكانه الذهاب عبر الأردن"، معتبرا أن ما فعله يتناقض مع قرار الكنيسة، وتاريخ البابا شنودة السابق إزاء هذه القضية، ويؤخذ عليه (تواضروس)".
شيخ الأزهر في القدس
بدوره، قال الناشط الحقوقي، نجاد البرعي، إنه "لا شيء يبرر زيارة بابا الإسكندرية للقدس"، مضيفا لـ"
عربي21": "كان أمام البابا شنودة مئات المبررات لزيارة القدس، ولكنه لم يفعل".
ورأى أن الزيارة "تأتي في سياق التشاور مع الدولة، وليس بطلب منها، لكن الكنيسة منذ عهد تواضروس يوجد فيها تهاون إزاء هذه القضية، خاصة إذا علمنا أن آلاف الأقباط زارو القدس في الفترة السابقة".
وتوقع البرعي "رؤية شيخ الأزهر أحمد الطيب في القدس قريبا، في ظل حالة المرونة الموجودة في الدولة إزاء تخفيف خطاب العداء مع إسرائيل الذي بدأ يخبو شيئا فشيئا، وأن هناك عدوا آخر".
قسمت الأقباط
وأرجع المفكر القبطي، كمال زاخر اللغط بشان الزيارة إلى أمرين: "أولهما حساسية المكان المقدس الذي تحتله إسرائيل، الأمر الذي أثار الحساسية العروبية لدى جميع
المصريين ولا أحد يمكن أن يقتنص منه"، مضيفا، في حديث لـ"
عربي21": "الأمر الآخر أنه تم الربط بينها وبين قرار الكنيسة بمنع زيارة المسيحيين في المناسبات الدينية".
واستدرك قائلا: "الزيارة قسمت الناس إلى قسمين: قسم يريد أن تعمم الزيارة، أسوة بما فعله "بابا الكنيسة"، وقسم آخر يريد أن يؤكد على التأكيد على المنع"، لافتا إلى أن "النقيضين اجتمعا بسبب الغضب من هذه الزيارة".
وتعد زيارة تواضروس للقدس الأولى لبابا الأقباط منذ عام 1967؛ حيث أعلن البابا الأسبق "كيرلس السادس" رفضه زيارة المدينة في أعقاب احتلال الكيان الصهيوني لها بالكامل بعد حرب تموز/ يونيو.
إسرائيل تروج للزيارة
أما عضو المجلس الرئاسى لتحالف التيار الديمقراطى، جورج إسحق، فقال لـ"
عربي21": "إن إسرائيل تسعى، كعادتها، إلى استغلال الحدث، والترويج على أنه كان زيارة".
وأضاف أن "الثغرة المشينة" في الزيارة "هي ذهابه إلى القدس من خلال تل أبيب، وليس عن طريق الأردن، كما جرت العادة، ولا أفهم ما السبب"، منتقدا "إعلان الزيارة بعد حدوثها، ليس قبلها".
وأكد أن "مقاطعة زيارة القدس ثوابت لن نحيد عنها أبدا، وجميع المسيحيين الذين يذهبون إلى القدس يعاقبون كنسيا، والأقباط حريصون على الالتزام بعدم تجاوز تلك المحاذير الكنسية"، بحسب تعبيره.
تمت بالتنسيق مع النظام
أما المنسق العام لحركة "قوميون وناصريون ضد المؤامرة"، سيد أمين، فاعتبر أن الزيارة "لا تنفصل عن توجهات الدولة في عهد عبد الفتاح السيسي الذي يحرص على التطبيع مع إسرائيل".
وقال لـ"
عربي21": "إنها تأتي بلا شك بالتنسيق والتشاور مع النظام"، مشيرا إلى أن "القيادي في حركة فتح، محمد دحلان، الذي يتمتع بعلاقات جيدة مع الكيان الصهيوني دائم التردد على بابا الإسكندرية".
وأكد أمين أن الزيارة تأتي في إطار "إسقاط جميع مشروعات المقاومة، وفتح الباب أمام التطبيع مع إسرائيل، ويمكن قراءة ذلك من حديث السيسي عن الكيان الصهيوني، وتصويت مصر لإسرائيل في الأمم المتحدة، وغيرها من الشواهد".
ونفى أن تكون الزيارة من قبيل الصدفة البحتة، قائلا: "الرجل الذي أقحم نفسه في السياسة (تواضروس)، هو نفسه الرجل الذي كسر المحظور منذ عشرات السنين في الكنيسة القبطية".