مع أن هجوم سان برناندينو في كاليفورنيا هذا الشهر، والهجوم على كنيسة إيمانويل إي أم إي في بلدة تشارلستون في ساوث كارولاينا، يعدان الهجومين الأكبر، وسيظلان في ذاكرة الأمريكيين في عام
2015، إلا أن أمريكا شهدت 22 هجوما جماعيا هذا العام.
وكتب كل من هنري غاس وجيسيكا ميندوزا في صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" تقريرا، يقولان فيه إنه بناء على التعريف الذي يتبناه مكتب التحقيقات الفيدرالية "إف بي آي" للهجمات الجماعية، وهو أي حادث يقتل فيه أربعة أو أكثر، فإن هناك 22 هجوما استخدمت فيها البندقية وسيلة مفضلة لهجمات كهذه.
وتلاحظ الصحيفة، اعتمادا على قاعدة بيانات حول أحداث عامة، أن 133 شخصا قتلوا، وجرح 52 شخصا. أما الذين نفذوا العمليات فهم رجال بيض يتصرفون بطريقة فردية، وفي بعض الأحيان اندفعوا لأسباب شخصية ونزاعات، أكثر ممن تدفعهم الأيديولوجيا أو الدين.
ويشير التقرير إلى أن هذه الهجمات حدثت في مناطق متعددة من البلاد، من روزبيرغ في أوريغانو وواكو في تكساس إلى المدن المحافظة في باري في ولاية فيرمونت ومينيابوليس. لافتا إلى أنه لو لم يحدث هجوم حتى نهاية العام الحالي، فإن عام 2015 سيكون أعلى من المعدل المسجل للهجمات خلال الـ 15 عاما الماضية.
وينقل الكاتبان عن جيمس آلان فوكس من جامعة نورث ويسترن، قوله: "يجب ألا يكون هناك قلق أو ذعر، ولا رد فعل عاطفي، أو محاولة للإصلاح بسرعة". ويضيف أستاذ علم الجريمة: "السماء لن تقع، وسيظل لونها رماديا لفترة".
وتورد الصحيفة أن البروفيسور فوكس تحدث عن هجومي سان برناندينو وتشارلستون؛ نظرا لارتباطهما بالإرهاب والعنصرية، ولأنهما "تركا أثرا قويا على وعي الناس"، وبالطبع بسبب أُثرهما على عائلات الضحايا وأبناء البلدتين اللتين وقعا فيهما، فصدمة ما بعد الحادثين عميقة ودائمة. ولكن في علاقتهما بعدد الحوادث فهما "ليسا غير عاديين على الإطلاق".
ويلفت التقرير إلى أن تقريرا نشرته خدمات البحث في الكونغرس في شهر تموز/ يوليو، وجد أن الفترة ما بين 1999 إلى 2013 شهدت 21 هجوما كل عام، وقتل فيها 1554 شخصا، وجرح 441 آخرين. وخلال فترة الـ15عاما الماضية، وجدت خدمة البحث في الكونغرس أن كل عام شهد أربع حوادث، يمكن اعتبارها "هجمات
قتل جماعي كبيرة". وبحسب خدمة البحث في الكونغرس، فقد شهد العقد الأول من القرن الحادي والعشرين 4.1 عملية قتل جماعي، فيما شهدت الفترة 2010 إلى 2013، أي العقد الثاني، 5.4 هجوم جماعي.
ويبين الكاتبان أن العام الحالي شهد خمس أو ست هجمات قتل جماعي، سجل في ثلاث هجمات منها أعداد قتلى عالية، في سان برناندينو، الذي يحقق فيه "إف بي آي" باعتباره هجوما إرهابيا، والقتل في كلية أمبكوا في روزبيغرغ، والمذبحة في كنيسة في شارلستون، التي اعتبرتها الشرطة جريمة كراهية، أما البقية، فهي الهجوم الذي نفذه محمد يوسف عبد العزيز في تشاتانوغا في تنيسي في ولاية مونتانا، عندما قتل أربعة جنود مارينز وبحار قبل أن يقتل، وهجوم نفذه جوزيف جيسي أولديرج، الذي قتل سبعة أشخاص، عندما اكتشف أن والدته ماتت بطريقة غير طبيعية.
وتستدرك الصحيفة بأن هذا العام يظل غير عادي، خاصة أن هجومين نفذهما ثلاثة أشخاص؛ بسبب تأثرهم بالتشدد الإسلامي. وتركت تاشفين مالك رسالة على "فيسبوك" تعلن فيها ولاءها لتنظيم الدولة، قبل أن تقتل مع زوجها سيد فاروق 14 شخصا في سان برناندينو، أما الظروف التي دفعت عبد العزيز فتظل غامضة.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن آخر مرة حدث فيها قتل جماعي بدوافع إسلامية متشددة كانت حادثة فورت هود عام 2009، عندما قتل نضال حسن عددا من زملائه، وكان آخر هجوم إرهابي هو الهجوم الذي نفذه الأخوان تسارانيف عام 2013 أثناء ماراثون بوسطن.
ويذكر الكاتبان أن عام 2015 تميز بأن عمليات القتل فيه ارتبطت بظروف عائلية، حيث يقوم فرد في العائلة أو أحد أفرادها السابقين بعملية قتل جماعي. وهناك تسع حوادث من هذا النوع هذا العام. فقد اتهمت جودي هيرينغ من باري في ولاية فيرمونت بإطلاق النار وبشكل عشوائي، عندما فقدت حضانة ابنتها، وقتلت ثلاثة أقارب مع عاملة اجتماعية. وتعد جودي هيرينغ المرأة الوحيدة التي نفذت قتلا جماعيا هذا العام، إلى جانب مالك التي نفذت هجومها في سان برناندينو.
وتنوه الصحيفة إلى أن البرفيسور فوكس يشير إلى أن عمليات القتل الجماعي استقرت بعد زيادة نسبية شهدها عقدا السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، حيث أصبح القتل الجماعي نتيجة للصراع العائلي أو الخصومات بين العصابات. ويقول فوكس: "لو قتلت أنت وثلاثة آخرون، فهل هذا يهم لو كنت أنت وشقيقك ووالدك في عداد القتلى، فأنت ميت على الأحوال كلها".
وبحسب التقرير، فقد لوحظ في تحليل
جرائم عام 2015، التراجع في جرائم القتل الجماعي، وهو نوع من الجرائم، تقول خدمة البحث في الكونغرس إنه مرتبط بنشاطات جريمة أو ظروف مشتركة، مثل جريمة القتل بين عصابات الدراجات بواكو/ تكساس، التي قتل فيها تسعة أشخاص وجرح 18 آخرين. مشيرا إلى أن العام الجاري لم يشهد سوى ثلاث حالات إطلاق نار بسبب نشاطات الجريمة، مع أن الفترة ما بين 1999 إلى 2013، شهدت ثماني جرائم من هذا النوع كل عام.
ويورد الكاتبان أن الباحثين والمحللين يرون أن أنواع جريمة إطلاق النار والقتل الجماعي تقتضي حلا يتناسب مع كل نوع. وتقول المشاركة في إدارة مركز منع العنف في جامعة هارفارد، ديبورا أزرائيل إن "الرجل الذي يذهب إلى البيت ويطلق النار على عائلته، يختلف عن الحادثة التي يطلق فيها شخص النار في الأماكن العامة". وتضيف: "لا أنظر لواحد منهما على أنه أهم من الآخر، ولكن كلا منهما يترك أثره على طريقة رسم السياسة".
وتذكر الصحيفة أنه رغم دعوة عدد من الباحثين للاتفاق على تعريف إطلاق النار الجماعي والجريمة الجماعية، فإن أزرائيل ترى أن تقسيم الجرائم هذه لفروع وجمع البيانات حولها، سيحسن من طريقة النظر إليها. وشاركت أزرائيل في العام الماضي في تحليل 33 عاما من حوادث القتل الجماعي. ووجد الفريق أن الهجمات زادت ثلاثة أضعاف في الفترة ما بين 2011 إلى 2014. مشيرة إلى أن بعض الولايات استجابت لهذه الزيادة بتشريع قوانين خاصة فيما يتعلق بجرائم العائلة، حيث أمرت بمصادرة الأسلحة النارية من بيت كل شخص له تاريخ في العنف العائلي.
ويجد التقرير أنه من المستبعد أن تؤدي هذه التشريعات إلى منع مآس، مثل قتل سكوت ويسترهوس زوجته وأبناءه الأربعة قبل أن يقتل نفسه في ساوث داكوتا في أيلول/ سبتمبر. وفي واحدة من الحوادث الدموية قامت فاليري جاكسون بتغيير قفل بيتها، فتسلق عشيقها السابق ديفيد كونلي إلى شباك المنزل وقتلها مع زوجها وأولادها الستة.
وتختم "ساينس مونيتور" تقريرها بالإشارة إلى أن المحللين يرون أن التشريعات لن تمنع من حدوث هجمات، خاصة تلك المتعلقة بمنع استخدام الأسلحة النارية. وترى أزرائيل أهمية وضع معايير للرد السريع، مشيرة إلى حادثة إطلاق النار في كلية في أوريغانو العام الماضي.