شهد عام 2015م تغيرات متلاحقة على صعيد السيطرة العسكرية في محافظة
درعا، فبعد تحرير الثوار قرابة 65 في المئة من مدن وقرى المحافظة من قبضة قوات النظام السوري، بدأت المعارك تشتعل بين أطراف عسكرية لبسط نفوذها وسيطرتها على تلك المناطق، وأهمها المعارك المشتعلة حاليا بين جبهة النصرة ولواء شهداء اليرموك المقرب من تنظيم الدولة.
ومنذ بداية العام الجاري، نُفذ في محافظة درعا نحو 50 عملية اغتيال طالت شخصيات عسكرية وإعلامية وإغاثية ورجال دين، دون معرفة الأطراف التي تقف وراءها حتى الآن، وكان آخرها اغتيال الشيخ أسامة اليتيم (رئيس دار العدل في حوران) مع عدد من أخوته ومرافقيه، الأمر الذي دفع عدد من القادة العسكريين والناشطين الإعلاميين والإغاثيين إلى مغادرة درعا والتوجه إلى تركيا ودول الاتحاد الأوروبي.
أسباب مغادرة درعا
ويقول المقدم المنشق محمد خير حربات، نائب قائد المجلس العسكري بدرعا سابقا، لـ"
عربي21": "خرجت من درعا للعلاج بعد إصابتي بحادث مفتعل في الريف الغربي، وأثناء العلاج كان قائد المجلس العسكري العقيد أحمد النعمة قد تم تسليمه لجبهة النصرة بتخاذل من بعض القادة العسكريين الذين ينتمون للجيش الحر آنذاك".
ويتابع الحربات الموجود في ألمانيا حاليا للعلاج: "بعد تسليم أحمد النعمة لجبهة النصرة وما رأيته من تخاذل دولي لعدم السعي لفك أسره، جعلني أتأكد أننا كمجلس عسكري سنكون كبش فداء لمرور المتسلقين الذين ينفذون الأجندات الدولية بحذافيرها، بعد إغراقهم بالمال ما اضطرني لعدم العودة مرة أخرى خوفا من الاغتيال".
يؤكد قائد لواء المهام الخاصة في مدينة درعا سابقا، مجدي مصطفى، أنه غادر العمل العسكري وتوجه إلى تركيا بسبب الفوضى العارمة والانفلات الأمني الذي أخذ يسيطر على المناطق المحررة، بسبب الكتائب والأولية "الوهمية" التي كانت تحصل على السلاح والمال، ولا تقوم بأي عمل حقيقي، إضافة إلى بدء سيطرة جبهة النصرة على الأرض، ومحاربة أي فصيل لا يعمل معها في ظل تشتت كامل للجيش الحر.
وفي السياق ذاته، يقول رافع بجبوج، مسؤول اللجان المحلية بمدينة درعا: "خرجت من
سوريا بسبب تعرضي لمحاولة اغتيال بواسطة عبوة ناسفة زرعت في سيارتي من قبل عملاء نظام الأسد داخل حي طريق السد المحرر، ولم أعد لأنني أصبحت مستهدفا بشكل شخصي ولا أستطيع متابعة عملي الإغاثي من الداخل بسبب حالة الانفلات الأمني الكبيرة".
ويوضح الناشط الإعلامي سليم الحوراني لـ"
عربي 21"؛ أن أسباب مغادرته حوران والتوجه إلى أوروبا هو "انحراف" الثورة عن أهدافها التي انطلقت من أجلها، واختلاف السياسات، وتسيس الدين لصالح بعض الجهات، وتشرذم الفصائل ما يجعل العمل ضمن هذه الظروف غاية في الخطورة، على حد وصفه.
ويضيف الحوراني :"أصبح من السهل داخل المناطق المحررة اتهامك بأي جريمة إن لم تكن مؤيدا لفصيل أو جماعة أو فكر معين". وقال: "لم تقتصر الاتهامات على الجرائم الجنائية، بل وصلت للتكفير والردة، وهذه الأمور جعلت الساحة فارغة لخلايا مخابرات النظام للقيام بعمليات باردة ضد الثورة تزرع الفتنة وتشتت العمل العسكري".
من وراء الانفلات الأمني والاغتيالات؟
ويرى المقدم محمد حربات أن
الاغتيالات لا يقف وراءها نظام الأسد وعملاؤه فحسب، بل تتم أيضا بواسطة أشخاص تم اختيارهم بدقة من قبل جهاز الاستخبارات الأمريكي (سي آي إيه) لإبقاء المنطقة في حالة من عدم الاستقرار، بحسب تعبيره.
وفي المقابل، يوجه قائد لواء المهام الخاصة سابقا؛ أصابع الاتهام بالدرجة الأولى للخلافات بين الجيش الحر وجبهة النصرة ما جعل النظام المستفيد الأكبر من ذلك، منوها لدور بعض الفصائل بعملية الاغتيالات إما للتعارض مع مصالحهم واجنداتهم، أو لتنفيذ أوامر تفرض عليهم من جهات خارجية.
ويشير الناشط سليم الحوراني أيضا إلى تعدد الأطراف المسؤولة عن الاغتيالات، وعلى الرغم من أن النظام السوري هو المستفيد الأول، لكن هناك شكوك دائمة بالجماعات الإسلامية المتنازعة، وخاصة أن الاغتيال يتم هنا باسم الدين وبفتوى شرعية تخدم مصالح فصائل معينة.
وعن الحلول الممكنة للحد من هذا الفلتان الأمني والفوضى غير المسبوقة في مناطق حوران المحررة، يجيب رافع بجبوج بالقول: "الحل الأمثل يكمن بترك الأجندات الخاصة، وتوحيد الفصائل على الأرض، بالتزامن مع تشكيل قوة أمنية مستقلة وجهاز قضائي فعّال لضبط المناطق المحررة وطرد من يعرقل عملها من حوران".
ويتفق المقدم محمد حربات والقائد الميداني مجدي مصطفى على أن تغيير بعض القيادات العسكرية المتخاذلة وانتخاب قيادات وطنية جديدة تهتم بأمن المواطنين والمناطق المحررة ولا تكون أداة بيد الدول الكبرى بالتوازي مع توحد الجيش الحر والفصائل الإسلامية بعيدا عن التبعية والأجندات والالتفات إلى محاربة نظام الأسد فقط، هي السبل الوحيدة لوقف الاغتيالات، وفق رؤيتهما.
ويذكر أن العديد من منفذي الاغتيالات تم إلقاء القبض عليهم خلال الشهور السابقة وثبت من خلال التحقيقات المصورة معهم تعامل عدد منهم مع أجهزة الأمن التابعة للنظام السوري، وعدد آخر ينتمي لبعض الفصائل العسكرية.