لم تكن العملية
الإسرائيلية التي استهدفت القيادي في حزب الله سمير
القنطار؛ حدثا غير مسبوق في الأراضي السورية، فقد استهدف الطيران الإسرائيلي أهدافا عديدة في
سوريا خلال السنوات الماضية، دون رد من جانب النظام السوري وحلفائه، لكن هذه العملية هي الأولى من نوعها بعد التدخل الروسي في سوريا.
وبينما رفضت "إسرائيل" تأكيد أو نفي مسؤوليتها عن قصف مبنى في حي جرمانا في دمشق صباح الأحد، كان يتواجد فيه القنطار، ذكّر مسؤولون إسرائيليون بالاتفاق مع الروس بشأن التنسيق لمنع التضارب في الأجواء السورية. وهو ما يطرح تساؤلات عن جدية
روسيا في إعلانها عن حماية السيادة السورية، وأنها عززت الدفاعات الجوية بصواريخ "اس400" لمنع اختراق الأجواء السورية.
كما رفض الكرملين التعليق على العملية الاثنين، محيلا الأمر إلى وزارة الدفاع الروسية باعتبار أن القيادات العسكرية هي المسؤولة عن متابعة التنسيق العسكري مع الإسرائيليين، وفق الاتفاق الذي تم إعلانه سابقا عن التنسيق بين الجانبين لمنع الاصطدام في الأجواء السورية.
وفي هذا السياق، يقول الكاتب الصحفي عبد الوهاب بدرخان إن القصف الإسرائيلي الجديد "يطعن بالادعاءات الروسية، ويُظهر أن روسيا معنية فقط بالسيادة السورية حينما يتعلق الأمر بتركيا، فالتهديدات موجهة لتركيا وليس لإسرائيل".
ويضيف بدرخان في حديث لـ"
عربي21": "هناك تنسيق رسمي بين إسرائيل وروسيا، ولكن هذا لا يعني إبلاغ الروس بأي تحرك مسبقا أو إلى تحديد نوعية الأعمال".
من جهته، يتساءل مدير مركز الشرق العربي، زهير سالم: "هل تمت تصفية القنطار بالتنسيق مع روسيا؟"، ليضيف في حديث مع "
عربي21": "هذا سؤال مطروح بإلحاح. الإمكانيات الإسرائيلية لا تستطيع أن تتجاوز صواريخ إس400 الروسية. فإذا كانت العملية قد تمت بالطيران، فلا شك أن الأمر تم بالتنسيق مع روسيا".
ويلحظ المتابع للتصريحات والمواقف الروسية؛ أن روسيا تعتبر نفسها "وصية" على السيادة السورية، فهي لم تكتف فقط بعقد اتفاقات للتنسيق مع إسرائيل والولايات المتحدة لتجنب الاصطدام في الأجواء السورية، بل إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي توعد مرارا تركيا في حال اختراقها الأجواء السورية؛ تساءل الأسبوع الماضي عن عدم تحدث الأتراك إليه في حال كانت لديهم مصلحة في منطقة ما في سوريا ويريدون أن يتوقف الروس عن قصفها، في إشارة إلى المناطق التركمانية في جبال اللاذقية، بدلا من إسقاط الطائرة الحربية الروسية، وهو ما يوحي أن الروس يعتبرون أنفسهم أصحاب القرار في الشأن السوري، وليس نظام بشار الأسد أو
إيران.
وفي هذا السياق تأتي الإشادة الإسرائيلية بالموقف الروسي، بحسب تصريحات السفير الإسرائيلي في موسكو تسفي خيفيتس؛ الذي قال لوكالة أنباء نوفوستي الروسية الثلاثاء إن هناك "تفاهما تاما بين إسرائيل وروسيا التي تفهم بشكل ممتاز مصالحنا. ويوجد هناك تنسيق وثيق بين قيادتينا وجيشينا لعدم حصول أي حوادث". وفي حين أشار السفير الإسرائيلي إلى صواريخ "إس400" الروسية، قال إن روسيا تتخذ "القرارات الضرورية" في سوريا.
علاقات قديمة
لكن هل هذا التنسيق الروسي الإسرائيلي وليد اللحظة أم جاء وليد الواقع السوري فقط؟ هنا يذكر الصحفي السوري المقيم في موسكو، نصر اليوسف، بأن "حوالي ثلث سكان إسرائيل هم من المهاجرين السوفييت والروس"، لافتا إلى أن وزير الخارجية الإسرائيلي السابق أفيغدور ليبرمان "يهودي روسي ويتكلم الروسية كلغة أم"، كما أن "اليهود الروس يمسكون بخناق الاقتصاد الروسي"، كما يقول اليوسف لـ"
عربي21".
وفي حين أن "العلاقات الروسية - التركية لم تكن أبدا ودية، إذ إن حروبا كبيرة دارت بين روسيا القيصرية والسلطنة العثمانية"، فإن العلاقات الروسية الإسرائيلية بدأت بالتصاعد منذ "البيريسترويكا، في زمن آخر رئيس للاتحاد السوفييتي، ميخائيل غورباتشوف، حيث "بدأت تتطور العلاقات بشكل تصاعدي وهي الآن على مستوى عال جدا"، وفق ما يشير إليه اليوسف.
ومعلوم أن الاتحاد السوفييتي، وروسيا الآن، كان يقدم فقط أسلحة دفاعية محدودة القدرات لمصر وسوريا، ولكل حلفائه العرب، دون أي أسلحة استراتيجية توازي الأسلحة الإسرائيلية، بما في ذلك الأسلحة الدفاعية أو المضادات الجوية المتطورة.
ومنذ أن أعلنت روسيا عن تدخلها العسكري في سوريا، قام نتنياهو بزيارة موسكو واجتمع بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين؛ الذي أعلن حينها عن أن روسيا تتفهم هواجس الإسرائيليين الأمنية، وأنها ستأخذ بالحسبان هذه الهواجس. كما أُعلن عن تشكيل لجنة خاصة من الجانبين لتنسيق أنشطتهما في المجال السوري ومنع حصول أي تضارب أو حوادث.
نظام الأسد وإسرائيل!
واللافت أن النظام السوري، رغم إدانته الإعلامية للعملية الإسرائيلية، إلا أنه لم يدع ولم يطالب بتفعيل الدفاعات الجوية التي جلبها الروس.
وهنا تكمن المفارقة، فـ"الروس موجودون بطلب من النظام السوري، وبالتالي كل ما يقومون به من ضربات وغارات وحتى تنسيقات، بما في ذلك التنسيق مع إسرائيل، يحصل عمليا بشكل غير مباشر، شاء النظام أم أبى، بتغطية من النظام"، حسبما يذهب إليه بدرخان الذي يرى أيضا أن "روسيا والنظام ليس لديهما مانع بأن تقوم إسرائيل بمثل هذه الضربات، أو أنهم مضطرون لقبول ذلك، لأن إسرائيل أعطتهما بالمقابل أشياء أخرى".
ماذا عن إيران؟
لكن ماذا عن إيران التي تعتبر نفسها صاحبة اليد العليا في سوريا، قبل تدخل الروس بالطبع؟ يقول بدرخان: "التحدي الإسرائيلي محرج لإيران، ولكنها ستلعب دون تحويله لخلاف مع الروس".
ويضيف: "منذ بداية التدخل الروسي هناك تنسيق وهناك تحديد أهداف. لكن الإيرانيين اضطروا للرضوخ للروس الذين أخذوا زمام الأمور.. ليس واضحا أن التدخل الروسي (في سوريا) تم باتفاق مسبق مع الإيرانيين، ولكن الاتفاق النووي واحتمال انهيار نظام بشار الأسد" جعلاها تقدم بعض التنازلات أمام الروس. وبالتالي "لا يشكل الوجود الإسرائيلي مشكلة لإيران طالما أن نظام الأسد لم يسقط، لأن موازين القوى العسكرية أصبحت تحتكم للوجود الروسي"، كما يرى بدرخان.
ويضيف: "الهدف الاستراتيجي يتحقق من خلال ضمان عدم إسقاط النظام (السوري) بالنسبة لإيران، (وهذا) يستحق بعض التضحيات، ومن بينها ليس فقط مقتل سمير القنطار وإنما مقتل العديد من الجنرالات والخبراء العسكريين" الإيرانيين في سوريا.
لكن زهير سالم يقلل من شأن الحديث عن الحرج الإيراني تجاه "إسرائيل"، أو إمكانية التواجه معها، ويقول في هذا السياق: "الموقف الإيراني مزمن.. مجرد رفع شعارات لكنه يبقى بعيدا.. إيران تنأى بنفسها عن المشهد" في مواجهة "إسرائيل"، مشيرا إلى عدم تدخل إيران بشكل مباشر في الحروب السابقة في لبنان وغزة.
كما أن "الصاروخين أو الثلاثة التي أطلقها حزب الله على نهاريا" بعد اغتيال القنطار؛ "هل هو رد فعل حقيقي؟ هل هذا رد فعل متفق عليه ربما فقط لحفظ ماء الوجه؟ الأمور كلها تحت السيطرة وضمن خطوط متوافق عليها بالنسبة لإيران وحزب الله"، وفق تقدير سالم.
بل إن سالم يصل إلى حد القول بأنه "قد تكون إيران أكثر تفهما لإسرائيل من روسيا". ويشير في هذا السياق إلى تصريح لعضو مجلس الخبراء الإيراني عباس الكعبي، خلال تشييع عنصر في الحرس الثوري الإيراني في الأحواز هذا الأسبوع، حيث تحدث الكعبي عن أن المشاركة في قتال المعارضة السورية أوجب من قتال الصهاينة في فلسطين، وذلك ردا على اعتراضات والد أحد العسكريين الإيرانيين الذين قتلوا في سوريا عندما تساءل عن جدوى إرسالهم إلى سوريا.
ويضيف سالم: "ويجب ألا نراهن على أن إيران لديها أي نية للعداء مع إسرائيل (..) الإيرانيون ينظرون للمشروع الإسرائيلي كحليف استراتيجي في الباطن، وكغطاء إعلامي ومخرج أخلاقي لسياساتهم وتصرفاتهم"، كما يقول سالم.
هل من تناقضات بين روسيا وإيران؟
وبينما يرى بدرخان أن "وجود تحالف دولي لمقاتلة داعش لا علاقة له بالصراع السوري"، يعبر عن اعتقاده بأن "روسيا تسعى لتغيير المعادلة الداخلية، ثم محاربة داعش في حال تمكنت من إيجاد صيغة للحفاظ على النظام".
وعلى هذا، فقد "كان معروفا وجود تنسيق روسي إيراني، ولكن على المستوى التنفيذي، عندما أصبح الروس على الأرض، بدأت الصورة تتغير شيئا فشيئا بالنسبة للإيرانيين؛ لأنهم اضطروا إلى قبول شروط الروس بأخذ زمام المبادرة وزمام القيادة العسكرية، وهذا شكل لهم (الإيرانيين) خسارة. وليس معروفا إن كان هناك اتفاق على ذلك وقبلته إيران لأسبابها الخاصة بحسابات بعد الاتفاق النووي وحسابات أنها بذلت ما استطاعت، وعندما أصبح هناك خطر انهيار النظام اضطرت لقبول الوجود الروسي"، كما يقول بدرخان.
ورغم تجنب المسؤولين الإيرانيين التعبير علنا عن استيائهم تجاه التدخل الروسي، أو إظهار التذمر من تراجع دورهم في سوريا لصالح روسيا، إلا أن هناك تقارير عديدة تتحدث عن سحب إيران قسما كبيرا من قواتها بعد دخول روسيا على المعادلة، رغم النفي الإيراني المتكرر لهذه المعلومات.
خسائر
وهنا يتحدث بدرخان عن تراجع دور المليشيات التي تقاتل إلى جانب النظام السوري، ويرى أن "الإيرانيين خسروا بتحييد المليشيات، حيث أبلغهم الروس بأنهم راغبون بمشاركتها. فأي موقع يجري الهجوم عليه بغطاء روسي يتم عبر قوات النظام السوري الرسمية وليس المليشيات"، إلا على نطاق ضيق، على أن لا تتولى هذه المليشيات اقتحام المواقع أو إبقاءها تحت سيطرتها لاحقا.
لكن على المدى الأبعد، هل ستتعزز التناقضات بين روسيا وإيران؟ بل ربما هل ستشعر إيران أنها أصبحت خارج المعادلة بسب التدخل الروسي؟
يرى بدرخان أنه "على المدى الطويل، ستتراكم التناقضات وحالات تناقض المصالح بين روسيا وإيران، وهذا سيكون له معالجة أخرى بينها أو مواجهات، ولكن حتى لو تلبد الجو بين الروس والإيرانيين، سيحسب الروس أن هناك حليفا هو الجيش السوري بات إلى جانبهم.. قوات النظام الأساسية وليس الشبيحة أو المليشيات"، كما يقول بدرخان.
وفي هذا السياق، يرى سالم أنه "عندما ينجلي الموقف في سوريا بشكل من الأشكال، ربما نصل لهذه الدرجة (في التناقض).. في اللحظات الأخيرة سينكشف الغطاء عن خلاف روسي إيراني، كما يراهن البعض على تفكك القوى المتحالفة مع النظام إذا بقي هذا النظام".
فالمرحلة المقبلة، وفق ما يعتقده سالم، "ستحلي تناقضاتها، وستبرز قوى جديدة على الساحة لها مصالح متضاربة. لكن من الأكيد أن التناقض الروسي الإيراني سيتصاعد في المنطقة (..) التناقض الروسي الإيراني سيتفجر إن بقي الأسد أو رحل الأسد، لأن هذا التناقض على مصالح"، مشيرا إلى أن الأمر لا يتعلق فقط بسوريا، بل أيضا بالتشابكات والتناقضات في منطقتهما الإقليمية (بحر قزوين وآسيا الوسطى).
ويعتقد سالم أن "الإيرانيين لم يكونوا مرتاحين لدخول الروس. إذا اعتبرنا أن الأسد ما زال يمارس السياسة، البعض يعتبر أن إدخال الروس إلى المعادلة هو لعبة من بشار الأسد ليحدث توازنا في القوى التي يعتمد عليها في معركته التي تحميه داخل الأرض السورية، لأنه كان يوجس خيفة من الإيرانيين رغم أنه يعتمد عليهم اعتمادا كليا، فأراد أن يدخل عنصرا آخر إلى المعركة. وبهذه الطريقة نظر إلى الأمر الإيرانيون عندما جاء الروس إلى سوريا".
فهناك توافقات بين الروس والإيرانيين على أمور في سوريا بشكل خاص وفي فلسطين وفي لبنان، وهناك تناقضات، كما يقول سالم الذي يرى أن "التوافقات في المشهد الحالي هي التي تحتوي التناقضات. لكن التناقضات موجودة ويتم التعبير عنها، وهناك الكثير من المواقف التي توحي بأن الإيرانيين غير مرتاحين للموقف الروسي وللتدخل الروسي، ولكن في الوقت ذاته؛ في المجمل الكلي هناك احتواء لهذه التناقضات، وهم يعملون على محور واحد. كما في المشهد السوري كذلك في المشهد الإسرائيلي".
وفي هذا السياق، يعبر الصحفي نصر اليوسف عن اعتقاده بأن "الخلافات بين روسيا وإيران مبالغ فيها؛ لأن روسيا طالما كانت ممثلا لإيران في مجلس الأمن. وروسيا لعبت دورا كبيرا في تطويق الخلاف بين الغرب وإيران بشأن برنامج الأخيرة النووي. وإيران ستبقى بحاجة لروسيا على المدى المنظور. وروسيا بحاجة لإيران لإثبات أنها لاعب لا غنى عنه لحل المشاكل الدولية المستعصية"، وبالتالي، "إذا كان لإيران ملاحظات على الخطة التي رسمتها روسيا لسوريا فسوف تهمس في أذنها همسا"، كما يقول اليوسف.
أما بدرخان فيطرح تساؤلا يلخص به جانبا من المشهد المعقد: "هل التنسيق الروسي الإسرائيلي هدفه من الجانب الروسي إيجاد نوع من التوازن مع الوجود الإيراني في سوريا؟".