في مدينة
الناصرة، التي يعيش فيها
مسلمون ومسيحيون، يتحدث السكان حول الأخبار الأخيرة، التي أعلنت عنها وكالة الأمن الداخلي "شين بيت"، بأنها فككت خلية مكونة من خمسة مواطنين في المدينة، وقالت إنهم أعلنوا ولاءهم لتنظيم الدولة في العراق وسوريا، وإنهم تلقوا التدريب والسلاح لشن حرب ضد "الكفار".
ويقول موقع "ديلي بيست" إن الأعوام الماضية شهدت قيام 40 من الفلسطينيين، الذين ينحدرون من طبقة اجتماعية فقيرة، باجتياز الحدود السورية والقتال مع التنظيمات الجهادية.
ويشير التقرير، الذي أعدته شيرا روبن، إلى المكانة المقدسة لمدينة الناصرة لدى المسيحيين، خاصة كنيسة البشارة، التي بشر فيها الملاك جبريل مريم العذراء بالسيد المسيح.
وتقول روبن: "في المدينة، التي تحترم كونها مدينة السيد المسيح، حيث قضى المسيح أيام شبابه الأولى، يتجول في التلال حول ما عرفت في ذلك الوقت بأنها بلدة رعوية جليلية، يواجه السكان تهديدا وجوديا بسبب التطورات المحلية والإقليمية، ويخشون من قتل
تنظيم الدولة لهم باعتبارهم كفارا".
وتضيف الكاتبة أن "أجواء الاحتفالات بعيد الميلاد هذا العام كانت كئيبة، حيث يناقش
المسيحيون وضعهم في بلد يزداد فيه التطرف بين اليهود والعرب. وزيادة في المشاعر المعادية للمسيحيين في الأراضي المقدسة".مستدركة بأن الكثير من سكان الناصرة يشكون بوجود مؤامرة لزرع الفتنة بين السكان العرب.
وينقل الموقع عن جلال داري، الذي يسكن في الناصرة لكن أصوله من مدينة رام الله في الضفة الغربية، قوله: "خلقت
إسرائيل تنظيم الدولة لتطبيق سياسة فرق تسد". وجاء داري قبل 20 عاما للعمل، واستقر في المدينة وتزوج، ورغم أنه يتحدث بلغة المؤامرة، إلا أنه يعترف بأثر المهاجرين الاقتصاديين على الوضع في المدينة، الذي أدى إلى خلق جيل جديد متفكك اجتماعيا، وعرضة للتأثيرات الراديكالية، خاصة عبر الإنترنت.
ويقول داري للموقع: "هذا ليس هو الإسلام، والإسلام لا يسمح بالقتل". ولكن أمل عبدالله، وهي من سكان مدينة الناصرة، التي كانت تزور الكنيسة، قاطعته متسائلة: "ولكن لماذا يستهدفون المسيحيين؟". وتقول: "ما تقوله صحيح عن طبيعة الإسلام، ولكنه ليس ما نراه".
وتلفت روبن إلى أن نسبة المسلمين في الناصرة هي 70%، وتعد الناصرة أكبر مدينة عربية في شمال الجليل، وتزداد فيها شعبية الحركة الإسلامية. وتنقل عن إمام مسجد محلي في المدينة يدعى أبو أنس، قوله: "هناك من يعترف بالضعف والمصاعب الاقتصادية هنا، واستغلال الإسلام من أجل إفساد الشباب". وأشار إلى قصاصات صحافية لقادة مسلمين يتحدثون الحقيقة، ومنهم رئيس الفرع الشمالي للحركة الإسلامية الشيخ رائد صلاح، الذي حظرته إسرائيل. وقام ببناء قوته من خلال سلسلة من الجمعيات الخيرية والخدمات المقدمة للمجتمعات المحرومة.
ويفيد التقرير بأن بعض المسيحيين يتهمون المسلمين بمحاولة السيطرة، ولهذا بدأوا بالتعبير وبشكل صريح عن ولائهم لدولة إسرائيل، التي ستحميهم من الراديكالية الإسلامية والتهديدات الأخرى.
ويورد الموقع ما كتبه الأب جبرائيل نداف، من الكنيسة الأرثوذكسية، من قرية قرب الناصرة على صفحته في "فيسبوك": "نشكر الرب في السماء أننا جزء من هذه المعجزة، فقد نشأت إسرائيل من أجل الازدهار". ويضيف: "إسرائيل هي المكان الوحيد في الشرق الأوسط الذي لا يتعرض فيه المسيحيون للاضطهاد. وزاد عددهم ولم يقل، كما حدث في بقية الدول الإسلامية".
ويتابع نداف أن السلطة الوطنية سيطرت على مدينة بيت لحم في عام 1995، حيث صمت المسيحيون على التغيير، الذي حدث في مكان ولادة السيد المسيح، ولكن عددهم قل اليوم بنسبة 64%.
ولكن ما لم تقله روبن أن نداف هو من الكهنة المثيرين للجدل داخل العرب الفلسطينيين.
وتبين الكاتبة أن إسرائيل تعترف بالمسيحيين كونهم إحدى الطوائف المعترف بها في البلاد. ولا تتجاوز نسبة المسيحيين 2% من سكان إسرائيل و 10% من السكان الفلسطينيين العرب، البالغ عددهم 1.5 مليون نسمة.
وينقل التقرير عن شادي خلول، وهو كاثوليكي، قوله إن المسيحيين العرب كانت لديهم مواقف مختلفة من دولة إسرائيل من الناحية التاريخية، ولكن الموقف بدأ بالتغير؛ بسبب العداء المتزايد للمسيحيين في المنطقة.
ويضيف خلول للموقع أن بقية الطوائف خائفة؛ لأن معظمها في الضفة الغربية، وتعيش بين المسلمين، وتواجه بعض التهديدات والخوف بالطرد والاضطهاد والذبح، كما يحدث في سوريا والعراق. كما يزعم خلول، الذي كان من بين أوائل المسيحيين الذين خدموا في الجيش الإسرائيلي، ويدير اليوم منبر تجنيد المسيحيين العرب، بأنه يحاول التصدي للمطالب المتزايدة بين المسيحيين العرب للمساهمة والاندماج في إسرائيل.
وينوه الموقع للتحالف بين الموارنة في لبنان وإسرائيل قي الفترة بين 1975 إلى1990، الذي كان واحدا من فصوله المظلمة مذبحة المدنيين الفلسطينيين في صبرا وشاتيلا.
وتستدرك روبن بأنه مع أن العرب المسيحيين معفون من الخدمة في الجيش الإسرائيلي، إلا أن عرين الشعبي (30 عاما) هي واحدة من بين أكثر من مئة مسيحي خدموا في الجيش. ونقلت عنها قولها: "أنا في حالة حب مع إسرائيل، فهي بلدنا وبيتنا".
ويكشف التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، عن أن عدد المسيحيين الذين يخدمون في الجيش الإسرائيلي لا يزال أقلية. وتقوم وزارة الدفاع الإسرائيلية وبشكل مستمر بعقد مناسبات لتشجيعهم؛ كي يخدموا في الجيش، وهناك 200 منهم سجلوا أسماءهم، وتخطط إسرائيل لاجتذاب المزيد في العام المقبل.
وتقول الشعبي للموقع إن التفكير بالانضمام للجيش وخدمة البلد "كان دائما موجودا داخل المجتمع المسيحي، ولكن هناك تغيرا حقيقيا، خاصة بين الشباب الذين صارت لديهم الشجاعة للتسجيل في الجيش، والمساهمة في خدمة البلدـ خاصة أننا على علم بعدم وجود مكان نشعر به بالأمن باستثناء هنا".
وتعلق روبن بأن "حديث الشعبي يعكس ما تقول عنه البراغماتية، التي يعبر عنها الجيل الجديد من العرب الإسرائيليين، الذين يرون أن أهم ما يسعون إلى تحقيقه هو الاستقرار الاقتصادي، والحصول على الحقوق المدنية بدلا من دولة".
ويشير الموقع إلى أن إسرائيل قامت تاريخيا بتوفير الحماية للناصرة والمجتمعات المسيحية داخل الخط الأخضر، للتملق للدول الغربية، إلا أن الائتلاف الحاكم في إسرائيل يضم عددا غير مسبوق من السياسيين المتطرفين، الذين يدعمون فكرة دولة يهودية بدلا من الطابع الديمقراطي للدولة.
ويذكر التقرير أنه في الوقت الذي تحرك فيه التيار الرئيسي للسياسة نحو اليمين المتطرف، فإن الحكومة تبنت سياسة تحصن الجماعات اليهودية المعادية للعرب، مثل "ليهافا"، التي أنشئت في الأصل لـ"حماية" الفتيات اليهوديات من إغراء الشباب العرب. وأصبح أفرادها، وهم شباب، أكثر تطرفا في رفضهم للوجود المسيحي في البلاد.
وتلفت الكاتبة إلى مقال رأي نشر في الموقع الإخباري المتطرف "كوكير" كتبته زعيمة ليهافا، بينتزي غوبيستاين، وصفت فيه من يحاولون حرف اليهود عن دينهم بـ"مصاصي الدماء"، ودعت فيه إلى طردهم من البلاد.
ويورد الموقع أن الجماعات المتطرفة المرتبطة بالمنظمة قامت بحرق المدارس والكنائس والأملاك التابعة للفلسطينيين داخل إسرائيل والمناطق الفلسطينية. وفي الصيف الماضي قام شبان بحرق كنيسة تكثير الخبز والسمك أو الطابغة في الجليل، وفي المكان الذي يقول فيه العهد الجديد إن السيد المسيح قام بإطعام آلاف الناس من خمسة أرغفة وسمكتين. وكتب المخربون على جدار الكنيسة: "سيتم تدمير الأصنام الكاذبة".
ويجد التقرير أنه مع استمرار الانتفاضة، التي تعرف بانتفاضة السكاكين، تأثرت أسواق الناصرة النشطة عادة، وبدت هادئة كما تقول سريدة شومر ناصر، التي تدير نزل فوزي عازار، الذي يعود إلى 200 عام، وورثته عن جدها في البلدة القديمة.
وبحسب روبن، فقد تأُثرت حركة السياحة بشكل عام في البلاد بنسبة 30%، بحسب أرقام وزارة السياحة الإسرائيلية. وتقول إن اليهود يخافون من دخول البلدات العربية، وفي العام الماضي كان فندقها محجوزا بالكامل، وفي هذا العام لم يحجز سوى عدد قليل ولليلة واحدة، وهي ليلة عيد الميلاد.
وتقول ناصر: "أفتخر بالعيش هنا وهذا هو بيتنا، وآمل أن يذهب أبنائي للخارج ويجربون الإنسانية بأنفسهم ومع الآخرين، بدلا من النظر إليهم عبر دينهم أو تصنيفهم". وتضيف "نشعر دائما أن مستقبلنا غير آمن، وعلى خلاف الكثير من اليهود ممن يحملون جوازي سفر، فليس لدينا سوى جواز سفر واحد". مشيرة إلى أن إسرائيل على خلاف الماضي تبدو اليوم "يهودية" أكثر.
ويختم "ديلي بيست" تقريره بالإشارة إلى قول ناصر: "نحن بين المطرقة والسندان، فالإسرائيليون يعدوننا عربا، والعرب ينظرون إلينا على أننا إسرائيليون، وبالنسبة لتنظيم الدولة فهو يحكم علينا بالموت".