عاد الناشط فننس من ميدان التحرير بعد يوم قضاه في التظاهر والحملقة في طائرات الهليكوبتر وهي ترسم القلوب، يدافع مثل غيره من النشطاء (السونيجيين) تجاه سيارة ربع نقل يقف عليها أمين شرطة يوزع علبا من العصير، كتفا بكتف كان بجانبه الناشط غبريال، رفيقه اللدود في (الطاولة) على مقهى (دوشة) في نهاية الشارع.
حصل الاثنان على علبتين من العصير، وأخذا يرتشفانها في استمتاع، بينما ينظران إلى بقعة ازدحمت بعشرات من المتدافعين، كان يوما مهرجانيا رائعا لم تخل أحداثه من طرافة، لقد وصلت الست (إلهام شاهين) إلى الميدان الذي لم تتوقف عن سبه طيلة السنوات الماضية، ومعها كوكبة من نجوم السينما، الذين بارت بضاعتهم بعد الثورة.
انتهى فننس من علبة العصير مصدرا صوت شفط مروع، ثم ألقى بها في الميدان، وعاد ليرفع الصليب بيد والمصحف بيده الأخرى، ليهتف ضد الرئيس مرسي بحرارة.
مرت تلك الذكريات المحببة في ذاكرة فننس وهو يشاهد اللواء الهياتمي يتمايل بيديه كمحمد قنديل في أغنية (يا حلو صبح)، وصوته يرتفع وشاربه يهتز متغزلا برومانسية في موقع مصر الجغرافي.. البحر حنين!
كلمات طرب لها، وزادت طربه رائحة الباذنجان المقلي التي تصاعدت من طبق جاءت زوجته تتهادى به، قادمة من المطبخ.
مع تصاعد رائحة الباذنجان ازداد حماس فننس وهو يشرح لزوجته، كلمات اللواء أركان حرب الهياتمي وتفسيره لجملة مصر محفوظة، وكيف أن الله حبى مصر بالرياح الشمالية الغربية التي تجعل صواريخ الكيان الصهيوني ترتد على أعقابها دون أن تمس مصر بسوء.
لقيمات قليلة من الباذنجان، ثم تغير المشهد على الشاشة، ليتسمر الاثنان في انبهار، وهما يشاهدان شاويش الانقلاب الصهيوني يدخل الكاتدرائية (ليدلق) بعضا من عبقريته وليعد تواضروس بترميم الكنائس من أموال الشعب، ثم ليهز رأسه كيونس شلبي، قائلا في صوت بدا لفننس حاسما (محدش يقدر يفرقنا عن بعضشينا).
مش بقولك يا ولية.. مصر محفوظة !!
قالها فننس في انفعال وطرب.
ثم استطرد
جيش ماسر خير أجناد الأرض، والطفل الماسري أذكى طفل في العالم، وأخناتون أول الموحدين.. ثم قال مقتبسا كلمات اللواء هياتمي:
جيبي لي بلد عندها بحر أحمر وبحر متوسط.. البحر حنين... ورياحنا شمالية غربية!
في انبهار استمعت له زوجته انتصار، ومصمصت شفتيها وهي تلتهم آخر لقيمات الباذنجان.
ديانة فولكلورية موازية أدخلها عسكر
مصر منذ انقلاب 52.
أقنعوهم أن مصر أول دولة في العالم عرفت التوحيد في عهد أخناتون، بينما كان باقي البشر يرزحون تحت نير الكفر والضلال، وكأن الله لم يبعث نبيه آدم عليه السلام أول البشر نبيا.
في تلك الديانة، مصر محفوظة وجيشها المتمرس في صناعة صواني الكحك والكنافة، خير أجناد الأرض (وهو حديث باطل لا يصح عن النبي عليه الصلاة والسلام).
تخاريف وتخاريف حشروها في عقول البسطاء، تعاونهم كتيبة من مرتزقة الأزهر الذي حرص عبد الناصر على التحكم فيه حتى لا تنطلق منه الثورات كما كان أثناء الاحتلال الفرنسي.
خزعبلات عززوها بأفلام كحادثة المنشية والزعيم المزعوم الذي يحارب الكيان الصهيوني، بينما كان يتصل بأسياده الصهاينة سرا، وكتأميم القناة التي كانت خدعة نصبت بها المخابرات الأمريكية على شعب بأكمله، ثم فيلم التنحي ثم فيلم أكتوبر الذي وصلت فيه دبابات العدو إلى مسافة 100 كيلومتر من القاهرة وأسرت أكثر من 8 آلاف من الجنود والضباط، ثم فيلم مقتل يوسف السباعي على يد فلسطينيين؛ ليشيطنوا فلسطين؛ ليتمكن أراجوز المخابرات الأمريكية من توقيع معاهدة الاستسلام دونما غضب شعبي، وليتمكن بيغن وكارتر من تقبيل زوجته على وجنتيها، فيلم رأفت الهجاص الذي كان عميلا مزدوجا باعتراف مدير مخابرات العسكر.
دين كامل مواز مصنوع من الخزعبلات عن مصر المحفوظة بالكنافة والبالوظة، وأفلام تعرض على مدار الساعة، حتى بات البعض يعيشون في فقاعة معزولة عن العالم في محمية طبيعية ببقعة بائسة من مجاهل ذلك الكوكب في أقصى المجرة، يحكمها قطيع من النسانيس العسكرية.
أكفروا "بدين" العسكر وثوروا واخرجوا من تلك الفقاعة البائسة.
فالعالم ينظر إلينا ويضحك، والتاريخ لن يكف عن البصق علينا إن تركنا تلك العصابة تسلم مصر لتواضروس وعصابته.
ثوروا فالثورة فريضة!