فسر محللون سياسيون ما تشهده مناطق
تونسية مختلفة، من احتجاجات عنيفة منذ أيام، بالنتيجة الحتمية للتهميش والسياسة التنموية التي تنتهجها الدولة منذ ثورة 14 كانون الثاني/ يناير 2011، والتي "أثبت التاريخ فشلها منذ عقود".
وقال الكاتب والمحلل صلاح الدين الجورشي، إن الأحداث الحالية التي اندلعت بمحافظة
القصرين، عقب إقدام شاب عاطل عن العمل على الانتحار؛ هي دليل قوي على استمرار الخيارات نفسها التي واصل النظام في تونس اعتمادها منذ سنوات طويلة، وخاصة في التسعينيات، وصولا إلى العشرية الأولى من الألفية الجديدة.
وأضاف الجورشي لـ"
عربي21" أن "المراقبين اتفقوا على أن نظام بن علي السابق بدأ ينهار في السنوات العشر الأخيرة من حكمه، نتيجة تراكم فشل برنامجه التنموي، وهو ما أدى إلى قطيعة ترسخت تدريجيا بين نظامه وبين المجتمع التونسي".
الأولوية للمناطق الساحلية
وذهب إلى أن الحكومات السبعة المتعاقبة على تونس منذ
ثورة 14 يناير؛ ظلت مرتبطة بالنمط التنموي الذي يعتمد على ربط الاقتصاد التونسي بالخارج، "كما أننا نشهد تفككا بين القطاعات الأساسية عن بعضها" وفق تعبيره.
وتابع الجورشي: "هناك توجه قديم في الدولة، وهو مستمر إلى اليوم، يتمثل في منح الأولوية للمناطق الساحلية، وهذا ما أدى في نهاية الأمر إلى بروز هذه المسافة الواسعة جدا على المستوى الجغرافي والاجتماعي".
وقال إن المشكلة ليست في التشخيص فقط، "وإنما تكمن في عدم قدرة حكومات ما بعد الثورة المتعاقبة على البلاد، على السيطرة على الوضع بشكل إيجابي، بسبب قلة الخبرات، وتراجع مصادر تمويل الميزانية، والصراعات الحزبية على السلطة، على حساب الأولويات الاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى تفاقم ظاهرة الإرهاب التي بدأت تستزف الميزانية العامة وثروة البلاد".
واستبعد الجورشي "تورط" أي جهة أو طرف حزبي في ما يحدث بالقصرين وغيرها من المدن والمناطق، في غياب أدلة قطعية وواضحة على ذلك"، مؤكدا أنه لا يمكن الاعتماد على الأخبار والتأويلات التي تبقى احدى إفرازات "الحزبوية" بين الأطراف المتصارعة.
لم يتعظوا بالتاريخ
من جانبه؛ قال المحلل السياسي وأستاذ القانون الدستوري، قيس سعيد، إن "حكومات الثورة" المتعاقبة تصر على الخيارات التنموية نفسها، التي لم يفلح معها نظام بن علي، ناعتا حُكام تونس بعد 14 يناير 2011 بأنهم "لم يتعظوا بالتاريخ، ولم يقرأوا جيدا الأسباب التي أدت إلى هذا الحراك".
وأضاف سعيد لـ"
عربي21" أن الجهات المهمشة والمعطلين عن العمل؛ ترقبوا خمس سنوات حتى نفد صبرهم، فتحركوا بشكل تلقائي مرة أخرى، ورفعوا الشعارات نفسها التي رُفعت بالأمس القريب وأسقطت بن علي، على غرار: "شغل، حرية، كرامة وطنية" و"التشغيل استحقاق يا عصابة السُراق".
وشبه سعيد تفاعل الدولة مع الجهات المحرومة بـ"العلاج الموضعي" الذي لا يشمل كل الجسم "بل هي لا تشخص الداء بشكل عام، وإنما تبحث دائما عن حلول متواضعة لترقيع الثقوب التي لحقت بالثوب، فتواصل الفقر والبؤس في تلك الجهات"، على حد وصفه.
واعتبر أن ما تعيشه المحافظات المُهمشة؛ لا تتحمله "حكومات الثورة" وحدها، "بل المسؤولية يتحملها النظام التونسي عامة منذ الاستقلال في عام 1956؛ لأن الأمر ليس بالمستجد، فالأرقام تدل على ذلك إذا ما نظرنا إلى نسب التشغيل والفقر والوضع الصحي والوفيات، والبنية التحتية المتعلقة بشبكة الجسور والطرقات وربط الجهات ببعضها".
ورأى سعيد أن الحلول العملية تكمن في انتخاب مجالس حكم محلية؛ تنطلق منها القرارات والإجراءات نحو السلطة الجهوية، ومنها إلى السلطة المركزية، وليس العكس، حتى تكون الإجراءات مُعبرة عن هموم الناس في تلك المناطق وتُشعرهم بمواطنتهم.
عصا سحرية
وعلق النائب بالبرلمان عن حركة النهضة، وليد البناني، الذي ينحدر من محافظة القصرين، على الأحداث التي تشهدها منطقته، بقوله في منشور له على صفحته في "فيسبوك" إنه "رغم النوايا الصادقة للحكومات المتعاقبة بعد الثورة، والوعود المتكررة والمتشابهة؛ فإن شباب القصرين لم يسجل إرادة سياسية شجاعة وقوية تغير وجه القصرين الكالح (...) وهذا ناقوس الخطر، والإنذار الأخير للجميع".
وأعلنت
الحكومة التونسية، الأربعاء، عن جملة من الإجراءات التنموية لفائدة القصرين، من بينها انتداب حوالي ستة آلاف و400 عاطل عن العمل، وبعث 500 مشروع مُمول من البنك التونسي للتضامن، بكلفة إجمالية تصل إلى ستة ملايين دينار (حوالي ثلاثة ملايين دولار)، وتكوين لجنة وطنية للتقصي في حالات الفساد.
وكان الناطق الرسمي باسم الحكومة خالد شوكات، قال في تصريح للقناة الوطنية، الثلاثاء، إن حكومة الحبيب الصيد "ديمقراطية ولا تخشى الشعب (...) وهي غير قادرة على إيجاد حل سريع لمُشكل التشغيل (...) وليس لديها عصا سحرية".
وأعلنت وزارة الداخلية، الخميس، أن عون أمن توفي إثر مواجهات عنيفة جدّت مساء الأربعاء بمدينة فريانة التابعة للقصرين.