بمكتبه في وزارة الخارجية بالرياض، قبل رحيله عن دنيانا بعدة أشهر، تحدث الأمير سعود الفيصل في جلسة ودية عن قضايا السياسة الخارجية السعودية بشفافية، مع لفيف من الإعلاميين السعوديين، كنت معهم.
أذكر من حديثه جوابه عن سؤال وجه له عن تأثير السعودية على روسيا وبقية دول العالم، من خلال ثقلها الأكبر بسوق النفط العالمي. فكان جوابه أشمل من السؤال، وقال ما خلاصته إن السعودية تملك رصيدا استراتيجيا من القوة والتأثير يتجاوز قصة النفط بكثير.
مضى الأمير سعود بكلامه، إن النفط يوما سيزول، أو يوجد له بديل، لكن كون الأرض السعودية هي منطلق رسالة الإسلام، وكون الدولة السعودية هي حاضنة الحرمين، مكة والمدينة، ومهوى أفئدة المسلمين، واتجاه قبلتهم، فتلك ثوابت راسخة.
المفهوم من هذا الكلام، هو أن المصالح الكبرى لا تقاس فقط بالمال، أو بما لديك من ترسانة عسكرية، مع ضرورة هذه الأمور، لكن في ظل الحرب العالمية، حيث لا حرب سواها على الإرهاب الداعشي والقاعدي، فإن كسب صوت الأغلبية المسلمة لصالح المعركة هو ضرورة للنجاح.
لأجل هذا كله فروسيا، التي تقدم نفسها رأس الحربة في الحرب على الإرهاب المنتمي للعالم السني، حيث غالبية المسلمين العددية، حتى تنجح معركتها، لا بد لها من كسب قلوب وعقول غالب أمة الإسلام، لسبب علمي بحت.
من هذه الزاوية قد يفهم تراجع وزير خارجية روسيا لافروف عن التشدد الأول الذي قاله فارضا نوعية المعارضة السورية، التي يجب أن تحضر للتفاوض مع وفد بشار. لافروف أعلن أن موسكو وافقت على مشاركة جيش الإسلام وأحرار الشام في محادثات سوريا. ولو على مضض حيث وصفهما بعدم الشرعية.
جيش الإسلام، وبدرجة أكثر وضوحا، أحرار الشام، جماعات أصولية عسكرية، لكنها محلية الطابع أكثر، من النصرة مثلا، لكن المراد قوله هو أنه رغم التشدد الروسي، تبقى للحسابات السياسية العملية حساباتها.
الأمر الآخر هو أن روسيا لا تستطيع الصبر كثيرا في حملتها العسكرية على سوريا، بتوافق مع نظام طائفي أحلافه كلها من غلاة الشيعة، موجه ضد مشاعر غالبية المسلمين، ففي هذا الأمر مغامرة بالأمن الروسي الداخلي نفسه.
للتذكير، ففي أقل الدراسات تواضعا، تصل نسبة المسلمين حاليا لـ20 في المائة من سكان روسيا. غالبيتهم من السنة، وهناك حديث عن 5 في المائة فقط شيعة.
لهذا كله، على المدى البعيد لا غنى لروسيا عن كسب قلوب المسلمين، وهذا لا تفعله السوخوي، ولا تقطيبات لافروف، بل كسب الأرض التي يتجه لها المسلمون بصلواتهم كل يوم.
عن صحيفة الشرق الأوسط اللندنية