على مدار الأيام والأسابيع الماضية، أثارت تصريحات عدد من المسؤولين جدلا كبيرا بين
المصريين، الذين تراوحت ردود أفعالهم بين الاستنكار والسخرية.
ويمكن تقسيم هذه التصريحات إلى ثلاثة أنواع: الأول يؤكد أن مصر متفوقة في مجالات عديدة لدرجة تقترب من الدول العظمى والمتقدمة، بل وتتفوق على بعضها أحيانا، أما الثاني فيهوّن من شأن عدد من الظواهر والحوادث والأخبار السلبية التي كشفت عن حقيقة تدهور أحوال البلاد، فيما تعترف الثالثة بأوجه التراجع الكبير وتردي الأوضاع.
مصر دولة عظمى
كان للمسؤولين عن العملية
التعليمية في مصر نصيب الأسد من التصريحات التي تصل بمصر إلى مصاف الدول العظمى. فقد نقل موقع "صدى البلد" الإخباري عن مصدر مسؤول بوزارة التربية والتعليم، أن اللجنة التي تم تشكيلها لمراجعة وتطوير مناهج العلوم والرياضيات، اكتشفت أن المناهج المصرية تتشابه من حيث "الموضوعات" مع مناهج إنجلترا، وفنلندا، وسنغافورا، وألمانيا، بنسبة تصل إلى 80 في المئة، وأن الاختلاف فقط يكمن في "طريقة العرض". كما "اكتشفت" اللجنة أيضا أن مناهج رياضيات الصف الثالث الثانوي التي يتم تدريسها في مصر "متميزة".
وقال الدكتور أحمد هاشم، المشرف على إحدى لجان تطوير مناهج العلوم والرياضيات، إن اللجان استعرضت مناهج مادة الرياضيات الخاصة بسنغافورة والولايات المتحدة الأمريكية، وقارنتها بالمناهج المصرية، وتوصلت إلى أن الموضوعات في المناهج المصرية أفضل من سنغافورة وتقترب من المنهج الأمريكي.
أما الدكتور جابر نصار رئيس جامعة القاهرة، فأكد أن الطلاب الذين يدرسون بجامعة القاهرة يجدون فرص عمل "رائعة" حتى قبل تخرجهم وبمرتب "خيالي". بالمقارنة مع خريجي الجامعات الأخرى الذين حصل بعضهم على الماجستير والدكتوراه وما زالوا يبحثون عن فرصة عمل بـ300 جنيه في الشهر.
لكن الدكتور أشرف الشيحي، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، أبى إلا أن يعمم التميز على كافة الجامعات التي يشرف عليها، فقال إن خريجي الجامعات المصرية أكثر تميزا عن أقرانهم، وأن الأجواء العامة في مصر هي السبب في عدم إبراز تميزهم.
وتبدو هذه التطمينات متناقضة مع تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي عن مؤشر التنافسية السنوي لعامي 2015/ 2016 في مجال التعليم، الذي احتلت فيه مصر المرتبة قبل الأخيرة لتسبق "غينيا"، على مستوى 140 دولة في العالم.
وفي ما يتعلق بالحالة الأمنية، فقد رأت وزارة الداخلية، ممثلة في اللواء محمد يوسف مدير الإدارة العامة لشرطة
النقل والمواصلات، أن ظاهرة التحرش داخل وسائل النقل والمواصلات "تكاد تكون انتهت" خلال الفترة الأخيرة بسبب التواجد الأمني المكثف بجميع وسائل النقل.
لا داعي للقلق
أما الجانب الآخر من التصريحات، فتناول بعض الكوارث والأحداث السيئة خلال الفترة الماضية، لكن على طريقة أن العالم كله يشهد الأحداث نفسها، وبالتالي لا داعي للقلق أو الخوف.
كانت أول هذه التصريحات من نصيب وزير التعليم العالي، الذي أكد أواخر يناير الماضي أن تأخر تصنيف جامعات مصر عالميا لم يكن بالأمر المقلق بالحد الذي يتصوره البعض، في ظل اختلاف المعايير العلمية الدولية لتقييم الجامعات.
وبعد الكشف عن وقائع فساد داخل أحد معاهد التعليم الخاص في مصر نشرها موقع "المصريون"، قال الوزير: "إننا نعلم أن هناك فسادًا بالجملة داخل هذا المعهد ونعلم أن رئيسه فاسد، نعمل إيه؟".
عدم القلق كان أيضا محور دعوة خالد فهمي وزير البيئة، في تعليقه على انتشار تماسيح في منطقتي فيصل والهرم ،وترعتي ناهيا والمريوطية، حيث قال إنه لا يوجد قلق من الظاهرة، لأن التماسيح الكبيرة تهرب إلى النيل ولا تهاجم المنازل، بحسب قوله. أما بالنسبة للتماسيح الصغيرة، فقد وعد الوزير باصطيادها في وقت قريب.
لكن الوزير عاد بعد ذلك بثلاثة أيام، مطالبا المواطنين بتسليم أي تماسيح استطاعوا اصطيادها وتسليمها للوزارة التي ستقوم بدورها بتصديرها للخارج.
أما وزير العدل المستشار أحمد الزند، فطمأن المصريين بأن ما سماها "المنظومة القانونية" الحالية قادرة على مقاومة
الفساد في مصر وإفريقيا كلها، وأن حجم الفساد في مصر يسير "وفق المعدلات العالمية". لكنه لم يوضح ماهية تلك المعايير العالمية وكيف يمكن قياسها أو مقارنتها بالفساد في مصر.
ولم ير وزير الداخلية مجدي عبد الغفار، في حالات الاختفاء القسري ظاهرة تستحق الالتفات إليها أو التوقف عندها، لأن اختفاء 200 شخص ضمن 90 مليون هم تعداد الشعب المصري "أمر طبيعي".
وعلق محافظ سوهاج على انهيار أحد الكباري في الثالث من شباط/ فبراير، متهما الشركة المسؤولة عن التنفيذ بالتسبب في المشكلة، لعدم وضع "الخوازيق" أسفل الكوبري.
فيما اعتبر اللواء "عادل ترك" رئيس هيئة الطرق والكباري، في تصريحات صحفية أوائل الشهر الجاري، أنه كلما ازدادت حالة الطرق سوءا، قلت أعداد الحوادث، لأن الطرق المكسرة تجبر السائق على تخفيض سرعته وبالتالي تقل نسبة الحوادث، وهو التصريح الذي أثار ضجة كبيرة وقتها.
وتتطابق هذه التصريحات مع ما قاله الدكتور سعد الجيوشي، رئيس هيئة الطرق والكباري السابق، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، الذي اعتبر فيه أن إصلاح وصيانة الطرق سيؤدي إلى زيادة نسب الحوادث بين السيارات، لأن ذلك سيجعل الطرق أكثر جودة ومتانة، الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة السرعة العشوائية بين السائقين.
والجدير بالذكر أن الجيوشي تم تعيينه بعد ذلك وزيرا للنقل والمواصلات، وما زال يشغل هذا المنصب حتى الآن، كما أن مصر تحتل المرتبة الأولى على مستوى العالم في حوادث النقل التي تودي بحياة الآلاف سنويا.
وبعد أن كشف تحقيق مصور لأحد المواقع الإلكترونية عن عمليات بيع أحجار مقطوعة من جسم الهرم الأكبر مقابل 1000 يورو للقطعة الواحدة، فقد تجاهل محمود عفيفي رئيس قطاع الآثار المصرية، القضية الأساسية وتقدم ببلاغ ضد الصحفي الذي صور الفيديو وكل المشاركين معه لشرائهم بعض الأحجار من الباعة وعدم إبلاغهم الجهات المسؤولة. لكنه قلل في الوقت نفسه من أهمية الموضوع، قائلا إن تلك الأحجار عبارة عن أحجار ملقاة على الأرض، وليست تكسيرا من الهرم، دون أن يفسر سبب تقديمه بلاغا ضد من كشفوا الأمر ما دامت تلك الأحجار ليست من الهرم.
ودعا اللواء عاطف يعقوب، رئيس جهاز حماية المستهلك، المصريين إلى شكر الله على أنهم ما زالوا يعيشون في ظل الظروف الصعبة التي تحيط بالمنطقة، مقللا من أهمية زيادة التعرفة الجمركية على أسعار عشرات السلع المستوردة.
ورغم تأكيد يعقوب على أن القرار لم يقترب من السلع الأساسية للمواطن المصري البسيط، فإن الغرف التجارية أكدت أن قرارات زيادة الجمارك، وقبلها تقييد عملية الاستيراد، ستنعكس على الأسعار بزيادة لا تقل عن 25 في المئة بالإضافة إلى تعزيز الاحتكار. وقال أشرف هلال، رئيس شعبة الأدوات المنزلية، إن قرار زيادة الجمارك بنسبة 40 في المئة سيرفع الأسعار النهائية للمستهلك بنسبة 25 في المئة، سيدفع ثمنها المواطن البسيط.
اعتراف بالفشل
على الجانب الآخر، وفي تصريحات نادرة، اعترفت وزارة النقل بفشلها في إدارة السكك الحديدية، ولذلك قررت التعاقد مع شركة خاصة لإدارة وتشغيل السكة الحديد بهدف تحسين مستوى الخدمة.
لكن هذا الاعتراف أثار تساؤلات عن مهمة الوزارة ومهمتها إذا ما كانت ستتنازل عن إدارة مرافقها لشركات خاصة، وما إذا كان ذلك مقدمة لرفع أسعار تذاكر القطارات أو حتى خصخصة قطاع السكة الحديد.
أما التصريح الثاني فيتعلق بملف
سد النهضة، الأكثر تأثيرا وخطورة على حياة المصريين ومستقبلهم، إذ حذر ممدوح رسلان، رئيس الشركة القابضة للمياه والصرف الصحي من شح في المياه بسبب بناء السد يجب الاستعداد له من الآن، لكن هذا التصريح وجد أيضا من يربط بينه وبين خطط الحكومة رفع سعر المياه على المواطنين، خاصة مع حديث السيسي عن الموضوع بصورة صريحة قبل أيام، ودعوته المصريين إلى شرب مياه الصرف الصحي بعد معالجتها.