تفتح وفاة "عراب الانقلابات"، الكاتب الصحفي محمد حسنين
هيكل، الأربعاء، ملف وثائق
مصر، التي احتكر الحصول عليها طيلة عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، بحكم قربه الشخصي من الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، حيث قام بتهريبها إلى خارج البلاد، واحتفظ بها في مكان مجهول، ورفض الاستجابة للدعوات المستمرة له بتسليمها إلى دار الوثائق القومية بمصر.
وحتى عندما أراد الرئيس الراحل محمد أنور السادات الحصول من هيكل على تلك الوثائق، وأرسل قوات الأمن إلى بيته كي تحصل عليها، فإنها لم تجد شيئا، وسخر هيكل مما حدث، قائلا إن السادات يعلم يقينا أنه يحتفظ بها خارج مصر، وليس في داخلها، ما جعل الأخير يدرج اسمه ضمن معتقلي قراراته في 5 أيلول/ سبتمبر عام 1981.
ولآخر نفس في حياته، ظل هيكل يرفض تسليم ما لديه من وثائق، وعندما اندلع حريق في فيلته في آب/ أغسطس عام 2013، اتهم كاذبا "
الإخوان المسلمين" بأنهم من أحرقوها، وعندما تبين أن الحادث جنائي، وأنه تم بغرض السرقة، كما تم القبض على اللصوص، لم يعتذر هيكل للإخوان، وهو ما كان محل مساجلة شهيرة بينه وبين الكاتب الصحفي فهمي هويدي.
ومما قاله هيكل في أعقاب الحريق - في حديث عبر فضائية CBC، ببرنامج "مصر إلى أين" - إن مكتبته التي احترقت بسبب الحريق كانت تحوي الوثائق الخاصة بالحروب المصرية، ومنها "يوميات حرب فلسطين"، التي حصل عليها من "حيدر باشا"، وزير الحربية قبل الثورة.
وأضاف هيكل أنه تم حرق كل الأوراق والكلاسيكيات التي تؤرخ لتاريخ مصر، وعددها قرابة 18 ألف مخطوطة، ووثيقة.
وقال محامي هيكل إنه في يوم 14 آب/ أغسطس 2013، وفي أثناء مسيرات الإخوان المسلمين عقب فض اعتصام رابعة العدوية والنهضة، خرجت مجموعة منهم استهدفت مزرعة هيكل، متهما أنصار الإخوان بحرقها، وهو ما يبين كذبه وافتراءه بعد ذلك.
حيرة وثائق ما بعد الرحيل
في مقاله بصحيفة "فيتو"، التي يرأس تحريرها، الأربعاء، كشف عصام كامل أن هيكل يمتلك بحكم صلاته القوية بأطراف الحكم في مصر وروسيا في فترة من أهم فترات التاريخ المصري؛ وثائق ليست في حوزة الدولة.
وتساءل: ما مصير أوراق هيكل ووثائقه، أقصد أوراق مصر ووثائقها؟ وهل ستظل في خزائن حديدية في بلاد أجنبية؟ أم تعود إلى مصر وباحثيها؟ وهل يترك الرجل وصية بوضعها في حوزة الدولة لتنضم إلى الأرشيف "المخزن"؟
وأشار كامل إلى أن وثائق وأوراق هيكل هي الأكثر إلحاحا الآن، وهي الملف الذي يجب أن يناقش من المقربين إليه معه، مؤكدا أن ما يتركه هيكل من وثائق كانت جزءا من تاريخنا؛ فهي حق للأجيال المقبلة التي لا تزال تقرأ التاريخ المصري من وثائق غربية، بحسب قوله.
وأكد أن الفترة التاريخية التي حكم فيها هيكل دولة المعلومات بمصر والعالم العربي واحدة من أكثر فترات التاريخ المصري ثراء وجدالا، وأن قربه من دوائر الحكم في مصر أتاح له ما لم يتح لغيره في الانفراد ببحر من معلومات الأجهزة العالمية، إذ كان الأقوى والأكثر اطلاعا على ما هو أبعد من الأوراق، وفق وصفه.
واختتم عصام كامل مقاله بالقول: "يموت هيكل، لتعيش بعده الوثائق، وهي حق للناس، للشعب، للمصريين، للباحثين، وليست تركة يتركها لمن يشاء"، بحسب تعبيره.
تفاخر.. واتهام.. ورفض
وكان هيكل يتفاخر بأن لديه من كل ورقة قرأها جمال عبد الناصر نسخة، وأنه يحتفظ بأصول الوثائق التي لديه في خارج مصر بعد أن تم العبث في محتويات مكتبه قبل سنوات، بحسب ما صرح في أحاديثه صحفية.
واتُهم هيكل بسرقة وثائق سكرتير جمال عبد الناصر، سامي شرف، ما رآه البعض عملا سياسيا أمنيا من جهة، وتعبيرا عن رغبة جامحة في جمع كل الوثائق والاحتفاظ، باعتبار ذلك أفضل من استيلاء السادات عليها.
وتقدر الوثائق التي بحوزة هيكل بالآلاف، وتؤرخ للعديد من المناسبات والأحداث المهمة سواء بالنسبة لمصر أو للمنطقة العربية.
كما يمتلك هيكل وثائق تاريخية نادرة عن ثورة تموز/يوليو 1952، والفترة التي عاشتها مصر على مدار حقبة الخمسينيات والستينيات من القرن المنصرم، بالإضافة للوثائق التي يمتلكها عن التاريخ المصري منذ عهد الملكية، وحتى الآن.
ورفض هيكل الاستجابة لطلب إحدى اللجان التابعة لدار الوثائق القومية من أجل معرفة عدد الوثائق التي بحوزته، وسرعة إرسالها طواعية لدار الوثائق القومية.
ولا يسمح قانون الوثائق الجديد بمصر للمواطنين باقتناء الوثائق، ويجرم امتلاكها، ويفرض غرامة مالية على من يخفي أي وثيقة، ويرفض تسليمها للسلطات.
ويمنح القانون الحكومة الآلية التي تتيح لها الحصول على المستندات التي بحوزة المؤسسات والأشخاص، لضمها لدار الوثائق.
كما يفرض عقوبة على من يرفض تسليم الوثائق بمقدار 3 آلاف جنيه (300 دولار) فقط.
ولا تمتلك دار الوثائق القومية أي مستندات عن ثورة يوليو 52، كما تعرضت الوثائق الخاصة بالانتخابات البرلمانية منذ بداية القرن العشرين للضياع.
كما تعرضت الدار للنهب من قبل أشخاص يعملون بتجارة الكتب والمستندات القديمة.
وكانت مكتبة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر تحتوي على ثمانية مجلدات كبيرة تضم وثائق مهمة عن التاريخ المصري؛ لكنها وفق بعض المصادر اختفت.
وتوفي هيكل، الأربعاء، إثر تدهور حالته الصحية منذ ثلاثة أسابيع، حين بدأ في الخضوع لعلاج مكثف في محاولة لإنقاذ حياته، بعد تعرضه لأزمة شديدة بدأت بمياه على الرئة رافقها فشل كلوي استدعى غسل الكلى ثلاث مرات أسبوعيا.
وأطلقت على هيكل ألقاب عدة منها: كاتب السلطة وصديق الحكام وصانع الرؤساء، وفوق ذلك "عراب الانقلابات"، الذي استحقه بعد دوره القوي في حدوث الانقلاب الدموي بمصر عام 2013.