نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرا أعده كل من ديفيد غاردنر وإريكا سولومون، ناقشا فيه تداعيات قرار الرئيس الروسي فلاديمير
بوتين، سحب قواته من
سوريا بعد تدخل عسكري استمر لستة أشهر، مشيرين إلى أن الانسحاب الجزئي قاد إلى عدد من التكهنات حول استعداد بوتين للتخلي عن رئيس النظام السوري بشار
الأسد، الذي تدخل لإنقاذه في أيلول/ سبتمبر 2015.
ويقول الكاتبان إنه "من المبكر الحديث عن تخلي
روسيا عن الأسد، وربما كان الانسحاب دافعا للأسد لكي يقدم تنازلات، وتسهيل عملية نقل السلطة في المباحثات، التي تلقى دعما من الروس والأمريكيين، والجارية في جنيف".
وتنقل الصحيفة عن الباحث يزيد صايغ من معهد كارنيغي، قوله: "اكتشف بوتين حدود النفوذ الروسي على نظام الأسد، الذي يتحدث بشكل مفتوح عن السيادة والاستقلال منذ إعلان وقف العمليات القتالية في شهر شباط/ فبراير"، ويضيف صايغ: "روسيا قريبة من الجيش السوري، الذي تعرقل عمله شبكات النظام، وليس للجيش أي تأثير عليه".
ويستدرك التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأنه رغم حديث الأسد عن عزمه استعادة السيطرة على كامل سوريا، وحديث حكومته عن خطوط حمراء فيما يتعلق بتغيير الرئيس، إلا أن سوريا هي "عنبر" مكون من دولتين: روسيا وإيران.
ويشير الكاتبان إلى أن المراقبين للحرب الأهلية المتغيرة، التي كلفت الشعب السوري أكثر من 300 ألف ضحية، وشردت نصف السكان البالغ عددهم 23 مليون نسمة، لاحظوا أن الأسد تعرض للانهيار في ثلاث مناسبات؛ الأولى في صيف عام 2012، والثانية في نهاية صيف 2013، والأخيرة صيف عام 2015، وحتى وصول الجيش الروسي، قدم الحرس الثوري
الإيراني، ووكلاء إيران في سوريا حزب الله والمليشيات الشيعية العراقية، الدعم للأسد.
وتذكر الصحيفة أن تلك الجهود لم تؤد إلا إلى حماية مدينة دمشق ومناطق العلويين في شمال غرب البلاد، أما سيطرة النظام على باقي المناطق فهي ضعيفة، إن لم تكن موجودة أصلا، حيث أن تنظيم الدولة يسيطر على أجزاء من شمال وشرق البلاد، فيما يسيطر أكراد سوريا على مناطق في الشمال، مستدركة بأنه رغم الضربات التي تعرض لها المسلحون التابعون للمعارضة، إلا أنهم لا يزالون يسيطرون على مناطق في الشمال والجنوب.
ويفيد التقرير بأنه رغم الجهود التي بذلها الروس لإعادة تشكيل الجيش التابع للنظام، إلا أنه لا يزال يعتمد على مجموعة قليلة من الوحدات الموالية للنظام ومليشيات بنتها إيران وحزب الله، مشيرا إلى أنه بعد خمس سنوات من حرب الاستنزاف، فإن الحرب جعلت من نقص الجنود حالة مزمنة.
ويورد الكاتبان أن المحللين منقسمون حول ما يمكن لبوتين ممارسته من ضغط على الأسد، لكنهم متفقون بشكل كبير على أنه فقد الصبر مع الأسد لرفضه التغيير واعتماده على الطيران الروسي والقوات الإيرانية على الأرض من أجل تحقيق النصر.
وتنقل الصحيفة ما كتبه محمد بلوط في صحيفة "السفير" اللبنانية، الذي يقول: "لم يرد السوريون وقف إطلاق النار، وكان هدفهم هو استعادة الحدود مع تركيا، وفرض حصار على حلب، وتحقيق انتصار حاسم في الشمال، وشعر الروس بالإحباط من طموح السوريين بالسيطرة على كامل الأراضي السورية".
ويلفت التقرير إلى أن هناك خلافا بين السوريين والروس حول نتائج المحادثات، ويرى الجنرال اللبناني المتقاعد أمين حطيط أن "الروس لا يريدون تحمل مسؤولية القرارات السياسية في سوريا، ولهذا انسحبوا، وعلى السوريين اليوم اتخاذ قرارات صعبة".
ويبين الكاتبان أن هذه القرارات تشمل كيفية التعامل مع الإصلاح، ويقول بلوط إن الروس يريدون تغييرا على بنية النظام العميقة والدستور، ومقارنة مع ذلك يرغب الأسد بتحقيق "حكومة وحدة وطنية"، وليست انتقالية، كما تتحدث المعارضة.
وتذهب الصحيفة إلى أن النزاع الحالي في حالة توقف، لكن الأسد في وضع أقوى مما كان عليه في الخريف، ورغم الدعم الروسي الجوي، إلا أن النظام كافح من أجل السيطرة على مناطق، مشيرة إلى أن حسابات النظام لن تتغير في بلد تبلغ فيه نسبة السنة 70%، حتى مع مستويات العنف الكارثية والتشرد والمعاناة التي عاشها السوريون.
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أنه في محاولة من نظام دمشق الحصول على تأكيدات من إيران، فإنها أرسلت نائب وزير الخارجية فيصل مقداد،إلى طهران، ويقول دبلوماسي عربي مؤيد لروسيا: "سيعودون من جديد إلى إيران؛ ولتوقعهم وصول مساعدات من إيران، فإن النظام لن يتغير حتى يشعر أنه على حافة الانهيار".