أكد المرجع الشيعي المعارض لحزب الله، السيد
علي الأمين، أن "الدولة التي قالت لا لحزب الله قبل
7 أيار (2008) قد سقطت في ذلك اليوم".
من جهة أخرى، قال الأمين، في حوار خاص مع "عربي21" في بيروت "إن الطائفة
اللبنانية الشيعية كسائر الطوائف اللبنانية لا يمكن أن تختزل بحزب أو تنظيم"، معتبرا أن ما جعل الثنائي "أمل وحزب الله؛ ناطقا وحيدا باسمها هو السلاح ومنطق المحاصصة".
وأشار الى أن الدور الذي يقوم به منذ إبعاده من الجنوب بالقوة من قبل حزب الله؛ "هو التنبيه على مخاطر الفرقة والانقسام في الوطن والأمة"، مؤكدا رفضه "سياسة حزب الله التابعة للسياسة الإيرانية".
ويعد المرجع الأمين واحدا من أبرز الشخصيات الشيعية المعارضة لنهج حزب الله، ونتيجة مواقفه تعرّض لتهديدات وهجوم مسلّح على بيته ومقره في مدينة صور، في شهر أيار/ مايو من العام 2008، ما دفعه للانتقال إلى بيروت منذ ذلك الحين.
ورغم انتهاء ولاية المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى منذ سنوات، أصدر رئيس المجلس المنتهية ولايته، الشيخ عبد الأمير قبلان، قرارا بنقله من منصبه وعزله عن موقع الإفتاء في صور وجبل عامل في الجنوب، في حين اعتبر الأمين أن هذا القرار لا شرعية قانونية له.
وفيما يلي نص الحوار:
* ماهي قراءتكم للمشهد في لبنان، مع دخوله في شبه عزلة عربية وخليجية؟
- لا شك بأن المشهد في لبنان يزداد تعقيدا بسبب سياسة الطبقة الحاكمة التي أدّت إلى وقوع الخلاف الحادّ بين لبنان ومحيطه العربي، وخصوصا مع أشقائه العرب في دول الخليج الذين وقفوا مع لبنان في السرّاء والضرّاء، وهذه النتيجة ستكون لها انعكاسات سلبية على العلاقات الداخلية في لبنان وعلى دور لبنان في المنطقة والعالم.
* برأيكم، من يتحمل مسؤولية الإخفاق السياسي الحاصل الآن؟ عشرات آلاف اللبنانيين مهددون بالترحيل من دول الخليج، على من تقع المسؤولية؟
- لا شك بأن المسؤولية تقع على عاتق الطبقة السياسية المتشاركة في الحكومة الحالية، وفي حكومات سابقة عديدة منذ سنوات، وقد أثبتت هذه الحكومات عجزها عن بسط سلطة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها. وقد تجلّى هذا العجز في محطات عديدة وكان أبرزها ما حدث من اجتياح لبيروت في السابع من أيار 2008، وصولا إلى تداعيات تدخل حزب الله في القتال على الأراضي السورية، خلافا للرأي المعلن للحكومة اللبنانية بالنأي بالنفس. ونحن مع تحميل الحكومة اللبنانية وحدها للمسؤولية عما وصلت إليه الأوضاع، ولا علاقة للبنانيين الموجودين في الخليج وغيره بهذه الأوضاع الناتجة عن سياسة حكومتهم وضعفها تجاه حزب الله وغيره.
* تسربت معلومات عن نية حزب الله الانسحاب من سوريا، هل هذا ممكن؟ وما الذي يدفع حزب الله لاتخاذ خطوة الانسحاب من الناحية الافتراضية؟
- نحن رفضنا منذ البداية مشاركة حزب الله وغيره في القتال على الأراضي السورية، ودعونا إلى انسحاب كل المقاتلين غير السوريين من سوريا. وقلنا بعد التدخل الروسي لحزب الله إن سوريا أصبحت مسرحا لصراع الدول الكبرى؛ الذي لا يؤثر في نتائجه وجود القوى الصغيرة التي لا تحصد منه سوى المزيد من الخسائر والتصعيد في العداوات الطائفية والمذهبية بين شعوب المنطقة. وقد يكون حزب الله بصدد الانسحاب لهذه الأسباب وغيرها، ومنها عدم سقوط النظام، خصوصا بعد اتجاه الأمور نحو الحلّ السياسي بعد الانسحاب الروسي الجزئي، وإدراك النظام السوري والمعارضة لعدم إمكان تحقيق النصر العسكري لطرف على الآخر. وهذا يعني أن النظام السوري باق بمشاركة المعارضة.
* يقول الحزب إن القاعدة الشيعية معه.. لماذا برأيك استطاع الحزب مع حركة أمل امتلاك الطائفة الشيعية؟
- الطائفة اللبنانية الشيعية كسائر الطوائف اللبنانية لا يمكن أن تختزل بحزب أو تنظيم، وما جعل الثنائي "أمل وحزب الله" ناطقا وحيدا باسمها؛ هو السلاح ومنطق المحاصصة في الحكومات المتعاقبة الذي منح الثنائي وكالة حصرية باسم الطائفة الشيعية في السلطة، وهذا ما جعل من الحزبين ممرّا إجباريا لكل خدمات الدولة ومناصبها وغنائمها، والدولة اللبنانية لم تقدم يد المساعدة للرأي الآخر في الطائفة الشيعية المطالب ببسط سلطة الدولة والقانون، ولم يتلق مساعدة من غير الدولة في سبيل إحداث حالة مغايرة، ومع ذلك فنحن ما زلنا نعبر عن رأينا في رفض سياسة الثنائي الداخلية وارتباطاته الخارجية بالسياسة الإيرانية وغيرها.
* من يمثل الطائفة الشيعية بالوجه الحقيقي اليوم؟ وماذا عن موقعكم أنتم من هذا التمثيل؟
- نحن خالفنا سياسة الثنائية الشيعية (حزب الله وحركة أمل) منذ سنوات عديدة، بسبب اعتماد هذه الثنائية على سياسة الاصطفاف الطائفي التي أضرت بلبنان على الصعيد الداخلي في العيش المشترك بين طوائفه وفي قيام دولة المؤسسات والقانون. كما أضرّت بلبنان على صعيد علاقته مع محيطه العربي، فقد أسقطت الثنائية الشيعية كل المبادرات العربية لحل الأزمة اللبنانية قبل السابع من أيار 2008 إلى أن تم إسقاط مشروع دولة المؤسسات والقانون، باستخدام الثنائية الشيعية السلاح في أحداث السابع من أيار، ووضعت أيديها على مفاصل الدولة ومؤسساتها وصولا إلى مشاركة حزب الله العلنية في القتال على الأراضي السورية برضا وصمت من حلفائه، تأييدا للسياسة الإيرانية في لبنان التي رفضناها منذ ثمانينيات القرن الماضي. ولذلك كان رفضنا لسياسة الثنائية الشيعية؛ لأننا رأينا فيها عزلا للبنان، وإضعافا لدوره، وإضرارا بالطائفة الشيعية وعموم اللبنانيين في علاقاتهم الداخلية وفي محيطهم العربي.
* ما دوركم الآن إزاء طائفتكم الكريمة؟ هل فكرتم بإطلاق حلف شيعي معارض، لمواجهة مخططات حزب الله؟
- إن الدور الذي نقوم به منذ إبعادنا من الجنوب وقبله وإلى اليوم؛ هو التنبيه على مخاطر الفرقة والانقسام في الوطن والأمة، والإرشاد إلى موجبات الوحدة والعيش المشترك، والابتعاد عن الارتباطات السياسية بالمشاريع الخارجية، ونحن ندعم تعدد الآراء والأحزاب السياسية المرتبطة بمنظومة القوانين والأنظمة الخاضعة لدولة المؤسسات والقانون، وقد رفضنا سياسة حزب الله التابعة للسياسة الإيرانية منذ ثمانينيات القرن الماضي، وما زلنا نطالبه بضرورة الانخراط في مشروع الدولة الوطنية والالتزام بمرجعية مؤسساتها الوحيدة.
* هل من خوف من أن يكرر حزب الله تجربة 7 أيار؟
- لا يوجد لدينا خوف من تكرار حزب الله لتجربة 7 أيار؛ لأنه لا يوجد في اللبنانيين من يريد ذلك، ولا توجد أطراف مسلحة خارج الدولة تعارض حزب الله، والدولة التي قالت "لا" لحزب الله قبل 7 أيار قد سقطت في ذلك اليوم ولم ترجع حتى اليوم.
* كيف تصفون علاقتكم حاليا مع قوى 14 آذار؟
- لم أكن يوما في 14 آذار أو في 8 آذار. لقد اختلفت مع مجموعة فريق 8 آذار الممثلة في حزب الله وحركة أمل التي احتكرت الواجهة السياسية في الطائفة الشيعية؛ لأنني كنت وما زلت أرى أن السياسة التي اعتمدتها هذه الواجهة في إدارة شؤون الطائفة هي إدارة أضعفت الدولة اللبنانية، وهي وقفتْ عائقا أمام بسط الدولة سلطتها الكاملة على الجنوب، وهذا ما أدى إلى انتشار الضعف إلى سائر مواقع الدولة ومؤسساتها، خصوصا بسبب أحداث السابع من أيار2008، هذا هو مجمل أسباب الخلاف مع فريق 8 آذار.
أما النقطة الوحيدة التي التقيت فيها مع قوى 14 آذار كانت في الخطوط العريضة، وهي المطالبة بدولة القانون والمؤسسات، وهذا ما كنت في الجنوب اللبناني أطالب به منذ ثمانينيات القرن الماضي، قبل ولادة 14 آذار في2005. وعندما أعلن هذا الفريق انتماءه لمشروع الدولة التقينا معهم في المطالبة بهذا المشروع؛ الذي آمنت به الطائفة الشيعية منذ تأسيس لبنان، وصولا إلى الإمام موسى الصدر الذي رسّخ هذه الرؤية لمشروع الدولة لدى الطائفة الشيعية. وجاءت الواجهة السياسية الحالية لتخالف هذا التوجه العام لدى الطائفة الشيعية، ونحن لم نخالف هذا التوجه العام للطائفة نحو الدولة. وفريق 14 آذار أخفق في مشروع الدولة وتشارك في السلطة مع الذين أسقطوا الدولة، ولم يتحالف معنا لا في الماضي ولا في الحاضر.
* هل تقبلت أن يرشح طرفان أساسيان في قوى 14 آذار(سعد الحريري وسمير جعجع) مرشحين من قوى 8 آذار؟
- هذا من الأدلة على ضعف وعدم تماسك فريق 14 آذار وتخبّطه السياسي، وعدم وجود الرؤية الموحدة لديه في قضايا أساسية ترتبط بمصير الدولة والوطن.
* هل باتت مسألة إنهاء الفراغ الرئاسي صعبة في ظل الأجواء السياسية الساخنة؟
- لا شك أن سخونة الأوضاع في المنطقة التي تنعكس على الساحة السياسية اللبنانية تزيد من صعوبة الوصول إلى إنهاء ملف الفراغ الرئاسي. وعلى كل حال، لن يغيّر إنهاء هذا الملفّ الكثير من الأمور اللبنانية في المضمون، في ظل الضعف القائم للدولة اللبنانية وعجزها عن بسط سلطتها على كامل أراضيها، الذي ينعكس ضعفا في قراراتها الداخلية والخارجية.
* في الختام، كيف ترى الطريق لإخراج لبنان من أزماته الحالية، السياسية والاقتصادية والبيئية؟
- المخرج من هذه الحالة التي يمر بها لبنان من اهتزاز الثقة به دوليا وخارجيا يبتدئ باسترجاع الدولة لسلطتها الكاملة؛ التي يتفرع عنها قدرتها على فرض تطبيق القانون والدستور على كل المكونات السياسية، والعودة إلى الشعب لاسترجاع ثقته بالدولة ومؤسساتها، بدعوته العاجلة إلى إجراء انتخابات نيابية خلال مدة قصيرة، تتبعها انتخابات رئيس للجمهورية، وبذلك يسلك الطريق التي تصلح بداية الحلول لأزماته.