تشهد
مصر في الأيام الأخيرة، ظاهرة جديدة، حيث تنخرط مؤسسات عسكرية وأمنية في أنشطة بعيدة تماما عن اختصاصها الأصلي.
وفي خطوة غير مسبوقة، أعلن جهاز
المخابرات العامة تنظيم حملة لعلاج المرضى الفقراء بالمجان عبر قوافل طبية متنقلة في المناطق الفقيرة، تزامنا مع تصدي وزارة
التموين لمسؤولية حل أزمة نقص
الدولار في البلاد.
وكانت وزارة الداخلية قد أعلنت، هي الأخرى منذ عدة أسابيع، عن فتح منافذ ثابتة ومتنقلة لتوزيع السلع الغذائية رخيصة الثمن بعدة محافظات، أسوة بالقوات المسلحة التي تبيع المواد الغذائية المنتجة في مصانعها بأسعار مخفضة في إطار حملة لتوفير السلع المدعومة للمواطنين.
ويقول مراقبون إن هذه التحركات الغريبة تعكس تخبطا واضحا في مكونات النظام الحاكم في مصر، كما تكشف عن حجم الصراع بين الأجهزة الأمنية المختلفة ومحاولة كل منها تجميل صورتها وتحقيق شعبية جماهيرية عبر التواصل المباشر مع المواطنين البسطاء.
قافلة طبية للمخابرات!
وقال مصدر في جهاز المخابرات، في تصريحات صحفية، إن الجهاز أطلق قافلة طبية بمدن وقرى محافظة أسيوط جنوبي البلاد لتوقيع الكشف الطبي على آلاف المرضى وعلاجهم بالمجان، وذلك في إطار دعم جهود الدولة لخدمة الطبقات الفقيرة بمختلف محافظات الجمهورية.
وبدأت هذه الحملة أمس الأحد وتستمر لمدة ثلاثة أيام، وتضم عيادات متنقلة لعلاج أمراض الباطن والأطفال والنساء والرمد وغيرها، بمشاركة عشرات الأطباء التابعين لوزارة الصحة.
وقال المصدر إن القوافل الطبية التي ترعاها المخابرات العامة قامت في اليوم الأول بتوقيع الكشف الطبي على أكثر من 3 آلاف مواطن، وستواصل تقديم الخدمات للمواطنين وتقدم الأدوية على نفقة الدولة.
كما أعلن اللواء ماجد عبد الكريم سكرتير عام محافظة أسيوط، أن جهاز المخابرات سيتعاون مع وزارة التموين لإطلاق شاحنات مجهزة للعمل كمنافذ توزيع للسلع التموينية المدعمة في مدن أسيوط بأسعار مخفضة لمحاربة الغلاء وجشع التجار.
وأشار إلى أن جهاز المخابرات العامة يقوم بهذه الخطوة تنفيذا لتوجيهات عبد الفتاح
السيسي، قائد الإنقلاب، في إطار تخفيف العبء عن كاهل الأسر المصرية خاصة في المناطق الفقيرة والمحرومة من الخدمات.
وزير التموين يحل أزمة الدولار
وفي تصرف آخر، لا يقل غرابة، عقد خالد حنفي وزير التموين، اجتماعا، الاثنين، مع أعضاء شعبة الصرافة بالغرف التجارية، في محاولة لحل أزمة ارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه المصري.
وعلى الرغم من أن هذا الإجراء من صميم اختصاصات البنك المركزي، إلا أن وزارة التموين المنوط بها تدبير المواد الغذائية والرقابة على الأسواق والسلع، تدخلت في الأزمة.
وقالت وزارة التموين في بيان لها، تلقت "
عربي21" نسخة منه، إن الوزير اتفق خلال الاجتماع، مع كبار تجار العملات الأجنبية على قيام شعبة الصرافة بتحديد سعر بيع وشراء موحد للدولار يتم الاتفاق مع البنك المركزي عليه، ويتم إعلانه في وسائل الإعلام يوميا وتلتزم به شركات الصرافة، وذلك لمنع المضاربة على أسعار الدولار، والعمل على استقرار سعره في الأسواق.
وأضاف البيان أنه سيتم كذلك التنسيق مع شعبة المستوردين، وإبلاغهم يوميا بسعر الدولار الذي تم تحديده، وإنشاء موقع إلكتروني خاص لشعبة الصرافة للإعلان عن سعر الدولار يوميا مع إنشاء خط ساخن لتلقي استفسارات المواطنين عن السعر اليومي والإبلاغ عن المخالفين لاتخاذ الإجراءات القانونية تجاههم.
وأكد وزير التموين أن هذه المنظومة ستؤدي إلى تحديد سعر موحد لشركات الصرافة ومنع المضاربة على الدولار، وأيضا خروج الفئات غير الرسمية التي تتعامل في الدولار وتؤدي إلى التقلبات الحادة في الأسعار.
اللافت أن هذه الخطوة من جانب وزارة التموين، جاءت بعد أيام قليلة من اجتماع محافظ البنك المركزي طارق عامر مع أصحاب شركات الصرافة الكبرى، والذي وجه من خلاله رسالة تهديد لهم بأنه سيغلق أي شركة لا تلتزم بالتعامل بالسعر الرسمي للدولار والمعلن من البنك المركزي.
وكان البنك المركزي قد خفض سعر صرف الجنيه 112 قرشا أمام الدولار، يوم الاثنين الماضي، بنسبة 14.5%، وهو أكبر تخفيض في تاريخ الجنيه ليصل إلى 8.85 جنيهات للدولار، وبعد ثلاثة أيام رفع قيمة الجنيه سبعة قروش في أعقاب طرح عطاء استثنائي بقيمة 1.5 مليار دولار في الأسواق.
كله منفد على بعضه
وعلق مستخدمو مواقع التواصل الإجتماعي على هذا الخبر بسخرية، معربين عن دهشتهم من انشغال الأجهزة الأمنية في مصر عن حفظ الأمن في البلاد والعمل في وظيفة ليست من اختصاصها، قائلين "في مصر كله منفد على بعضه".
وربط نشطاء بين تزايد الهجمات المسلحة وتساقط جنود الجيش والشرطة في سيناء في الفترة الأخيرة، وبين انشغال القوات المسلحة والمخابرات العامة بأمور هي من اختصاصات وزارات ومؤسسات أخرى.
وتهكم نشطاء على هذه الخطوة متوقعين أن ترد المخابرات الحربية بتنظيم دورات لتعليم الخياطة للسيدات، بينما توقع آخرون أن تحتفل وزارة التموين قريبا بتخريج أول دفعة من رواد الفضاء.