شكل قرار مجلس التأديب الأعلى للقضاة بعزل 15 قاضيا ينتمون لحركة "
قضاة من أجل
مصر"، الاثنين، انتكاسة جديدة للقضاء، حيث اعتبر قضاة وحقوقيون وسياسيون أن القرار يأتي في إطار تصفية الحسابات مع معارضي الانقلاب.
وجاء القرار بعزل هؤلاء القضاء على خلفية توقيعهم بيانا يدعم اعتصامي رابعة والنهضة المناهضين للانقلاب، في عام 2013.
وتعرض القضاء المصري خلال السنوات الثلاث الماضية؛ لانتقادات كثيرة في أعقاب إنشاء دوائر خاصة لمحاكمة معارضي النظام، وإصدار أحكام بالجملة، وصلت إلى الإعدام والمؤبد والمشدد.
عزل باطل
وفي هذا الإطار، أكد وزير العدل الأسبق، المستشار أحمد سليمان، أن قرار
العزل يفتقر لكل الإجراءات القانونية والدستورية.
وقال لـ"
عربي21": "لم تتح الفرصة للخصوم لتقديم دفاعهم، والدعوة لا تعتبر مهيأة للحكم إلا بعد تقديم طلباتهم وإبداء أقوالهم"، لافتا إلى أن "إهدار حق الدفاع يعد جريمة، يضاف إلى ذلك التحايل على القضاة لمنع تقديم إعلان شواهد التزوير في قضيتي
بيان رابعة وقضاة من أجل مصر".
واعتبر أن تشكيل مجلس التأديب "مخالف لأحد أحكام المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية النص الذي كان يجيز اشتراك من قام بالإحالة ضمن مجلس التأديب"، مضيفا أن "مصادرة الحق في الدفاع ينم عن هوى لتصفية حسابات، وانتقام شخصي، أو تدخل من شخص أو جهة ما"، بحسب تعبيره.
رسالة إرهاب وتهديد
بدوره، قال القاضي عماد أبو هاشم، رئيس محكمة المنصور الابتدائية لـ"
عربي21": إن "محاكمة قضاة من أجل مصر يأتي في إطار منظومة الانتقام التي تنتهجها سياسة دولة الانقلاب؛ للتنكيل بهم وإقصائهم عن القضاء، لإرهاب باقي القضاة وحملهم على الاستمرار في الانصياع لتعليمات النظام الحاكم الذي يستخدمهم في تصفية حساباته السياسية"، وفق قوله.
وأضاف أن "تلك المحاكمات كانت خارج دائرة القانون، بل الأخطر والأعجب أن من بين الجالسين للحكم في تلك القضايا كان ممن تقدم ببلاغات ضدهم، أي أن القاضي الذي كان يجلس للحكم فيها كان خصما وحكما في الوقت ذاته".
مذبحة قضائية
واعتبر المستشار أحمد الخطيب، ورئيس بمحكمة استئناف القاهرة وأحد القضاة المشمولين بقرار العزل، أن ما حدث يعد "مذبحة قضائية، وهي محاكمات رأي لقضاة أبدوا آراءهم بما لا يتعارض مع القانون والدستور، خاصة أن قانون السلطة القضائية لم يحظر على القضاة إبداء آرائهم، إنما حظر فقط الاشتغال في السياسة".
وقال لـ"
عربي21" إن "القرار سُبّة ووصمة عار في تاريخ الأنظمة، وتحسب في النهاية على النظام، وليس على من أصدروا هذه الأحكام. لذلك يجب على القيادة السياسية غلق هذا الملف الذي يأتي في سياق الخصومة مع قضاة طالبوا بالاستقلال القضائي، وانتقدوا نادي القضاة مقدم تلك البلاغات".
وكان على رأس نادي القضاة حين تقديم البلاغات ضد القضاة الخمسة عشر؛ أحمد الزند، المعروف بتأييده للانقلاب، والذي أقيل مؤخرا من منصه كوزير للعدل بعد تصريحات مسيئة للنبي محمد.
وأوضح الخطيب أن "من مساوئ هذا العزل هو أن القضاة لا يحصلون على مستحقاتهم المالية، ولا على معاش يكفل حياة كريمة، ولا على أموال الصناديق الخاصة بهم، ولا يمكنهم القيد بنقابة المحامين، وهو تدمير لهم ولأسرهم".
سابقة من نوعها
على الصعيد الحقوقي، انتقد الأمين العام لمؤسسة عدالة لحقوق الإنسان، علاء عبد المنصف، القرار، وقال لـ"
عربي21": "قد يكون القرار هو السابقة الأولى في التاريخ الحديث للقضاء. فسيذكر التاريخ هذه الحقبة، بأنها أسوأ الفترات التي مرت على التاريخ القضائي".
وتساءل: "كيف يستقيم الأمر أن يُتهم قاض بممارسة السياسة ويتم عزله بناءً على ذلك، ومن يحاكمه هو مُمارس للسياسة وبأكثر شراسة؟ وما مواقف المستشار المُقال أحمد الزند ببعيدة، فقد مارس السياسة بشتى أنواعها، وكان مُدافعا عن النظام الحالي بكافة الأساليب".
وقال الباحث في الملف الحقوقي المصري بجنيف، أحمد مفرح: "إن استمرار النظام المصري في عزل قضاة بتهم مختلقة لا أساس لها؛ تنم على نهج واضح للسلطة التنفيذية في مصر السيطرة على السلطة القضائية، ما يسهل شرعنة الانتهاكات".
وأكد مفرح لـ"
عربي21" أن "قرار العزل يتعارض مع المعايير الدولية بشأن استقلال السلطة القضائية، فمن حق أعضائها التمتع بحرية التعبير، كغيرهم من المواطنين، وما حدث هو تقويض لحرية التعبير عن الرأي، التي كفلها الدستور القائم".
إخلاء القضاء من الشرفاء
أما المحلل السياسي، محمد الخطيب، فقال لـ"
عربي21": "إن قرار العزل يعيدنا إلى مشهد مذبحة القضاة في عهد جمال عبد الناصر عام 1969؛ حيث أراد أن يخلي الساحة من كل معارض له".
واعتبر أن ما حدث "هو بمثابة إخلاء للساحة القضائية من الشرفاء، وليس المعارضين. فمن المعلوم أن سمعة القضاة المحالين للمعاش يتمتعون بسمعة طيبة، ويتمتعون بمهنية عالية في عملهم، ومعظمهم حاصلون على درجات الدكتوراه في تخصصهم".