حاول رئيس
الانقلاب، عبد الفتاح
السيسي، التملص من مسؤولياته عن الأوضاع الاقتصادية المتدهورة التي تعاني منها
مصر، وحمّل المصريين المسؤولية عنها، وقال إنه صارحهم بها منذ البداية، وأكد أنه يجب عليهم أن يتحملوا الظروف الصعبة، متنصلا من مسؤولياته كرئيس للبلاد بالقول إنه ليس رئيسا لمصر.
جاء ذلك في لقائه بعدد من مثقفي 30 يونيو الموالين له، ممن تنتمي غالبيتهم للتيار الناصري، ظهيرة الثلاثاء، بالقصر الجمهوري بمصر الجديدة، حيث استمر لقاؤه بهم ثلاث ساعات، طلب منهم في نهايته تشكيل مجموعات عمل للتباحث بشأن مختلف القضايا، وصوغ أفكارهم مكتوبة، على أن يلتقي بهم بعد شهر.
واكتفت الرئاسة بإصدار بيان عبر الحساب الشخصي لرئيس الانقلاب على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" أشارت فيه إلى أبرز ما قاله خلال اللقاء، وأبرز ما جاء في الاجتماع، وأهم ما طرحه الحاضرون من أفكار.
ونقلت الصفحة عن السيسي قوله في لقائه إنه حرص على مصارحة الشعب المصري منذ البداية بصعوبة الواقع الاقتصادي في مصر، الذي يقتضي تكاتف الجهود، وتحمل الظروف الصعبة حتى تحقق البلاد مستقبلا أفضل، على حد قوله.
وتابع: "أنا مش رئيس مصر، ولكن ابنها، وأكافح من أجل استقرار القرار المصري".
وأبدى مراقبون دهشتهم من التعبير الأخير لأن أي رئيس دولة يعمل على استقلال القرار الوطني، لكن السيسي قال إنه يعمل على استقرار القرار الوطني، دون أن يوضح ما المقصود باستقراره، وليس استقلاله؟
في الوقت نفسه قال السيسي: "في رقبتي 90 مليونا، وحريص على التوازن بين أمنهم، واستقرار الدولة، وتأمين الحقوق والحريات"، موضحا أن المشروعات التنموية التي تنفذها الدولة وفرت ما بين 2 - 3 ملايين فرصة عمل.
واعتبر مراقبون هذا الرقم مبالغا فيه جدا، وأقرب إلى أن يكون "أكذوبة".
وفي رد غير مباشر منه على الدعوات التي تصاعدت مؤخرا، وتطالبه بانتخابات رئاسية مبكرة، قال السيسي: "لا أحد يستطيع البقاء في موقع الرئاسة أكثر من الفترة المقررة".
كما نقلت الصفحة عن السيسي قوله: "الثورتان (يقصد ثورة 25 يناير ومظاهرات 30 يونيو) لهما آثار إيجابية وسلبية، ولكن البعض يغفل الآثار السلبية، ووجود ثمن لها"، بحسب قوله، ما رأى مراقبون أنه يحملهما ما يزعمه من "آثار سلبية".
من حضر اللقاء؟
حضر اللقاء وزير الثقافة الحالي حلمي النمنم، (المعروف بدعوته الشهيرة لتطبيق العلمانية، ولو بسفك الدماء)، ووزيرا الثقافة السابقان" جابر عصفور (المعروف بعدائه الشديد للأزهر)، ومحمد صابر عرب، وعدد من أعضاء المجلس الأعلى للثقافة، الذي تمت إعادة تشكيله بعد 30 يونيو من الموالين للانقلاب.
وانتمت غالبية من حضر اللقاء، وعددهم 24 شخصا، للفكر الناصري واليساري، وأبرزهم: عبد الله السناوي، ويوسف القعيد، ومحمد سلماوي، وضياء رشوان، وصلاح عيسى، وفريدة النقاش، ووحيد حامد، وأحمد عبد المعطي حجازي، وسكينة فؤاد، وجلال أمين، والسيد ياسين، ويوسف زيدان، ولميس جابر، وإقبال بركة، وفاروق جويدة، ومحمد المخزنجي، وآخرون.
كواليس ما دار في اللقاء
صرح المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، علاء يوسف، أن السيسي استمع إلى رؤى ومقترحات الحضور، التي تناولت أهمية تدارك مشكلة الاستقطاب والانقسام اللذين يهددان العديد من دول المنطقة، وأهمية ضمان حرية الرأي والتعبير دون قيود، وأن جهود الإصلاح الاجتماعي، وتجديد الخطاب الديني يتعين أن تتزامن مع التوصل لحلول عملية للمشكلات الاقتصادية، وعدالة توزيع الدخول.
وأضاف المتحدث الرسمي أن السيسي عقب على مداخلات المتحدثين بالتأكيد على أن أعظم إنجازات ثورة المصريين هو القضاء على احتكار السلطة أو البقاء فيها ضد إرادة الشعب المصري.
ونبه السيسي إلى أمر كثيرا ما ألح عليه، هو أن الأولوية خلال المرحلة الراهنة هي الحفاظ على الدولة المصرية، وصيانة مؤسساتها، مع العمل على إصلاحها.
واستعظم أنه تم الإفراج عن أربع دفعات من المحبوسين بمبادرات من المجلس القومي لحقوق الإنسان، وشباب الإعلاميين، وتفاخر بذلك.
ورأى مراقبون أن سلسلة الحوار الوطني، التي بدأها السيسي، تأتي كرسالة للغرب بوجود معارضين له يتم التحاور معهم.
ورجحوا أنه يسعى، من خلال هذه الحوارات، إلى أن يظهر بصورة المنفتح على مكونات المجتمع المصري، بعد اعتماده على العسكريين، الذين يحرص على التعاون معهم، وإسناد المشروعات إليهم، بل وتكليفهم بالمهام القومية، كخفض أسعار السلع، والظهور معهم في لقاءات عدة، ضمن الندوات الاستراتيجية التي تقيمها القوات المسلحة.
كواليس اللقاء
من جهتها، كشفت تقارير إعلامية أن نحو 10 من أصل 25 مشاركا في اللقاء، تحدثوا، فيما لم يدل عبد الله السناوي وجابر عصفور بأي تصريحات أو مداخلات.
وجاءت البداية مع سؤال طرحه السيسي هو: "هل الأمة العربية في مرحلة انحطاط أم صعود؟"، فرد بعضهم: "هناك صراع يراوح بين الانحطاط والصعود".
فرد السيسي عليهم قائلا: "كلامكم نظري، وليس على أرض الواقع"، داعيا إياهم إلى بذل مزيد من الاتصال بالشارع لمعرفة مشكلاته الحقيقية، وكم التحديات التي تواجهه.
وبحسب نبيل فاروق، الذي حضر اللقاء، ركز المثقفون في الحديث على "قانون ازدراء الأديان"، خاصة مع حبس البعض بسبب ذلك الأمر، حيث طالبوا بتحديد ما يعنيه "ازدراء الأديان".
وهاجمت لميس جابر، ثورة 25 يناير والربيع العربي، مشيرة إلى أن ما نعانيه اليوم في مصر نتيجة ما حدث في 2011 من ثورات في بعض الدول العربية.
في المقابل استنكر الروائي إبراهيم عبد المجيد، أي هجوم على الثورة، مطالبا الجميع باحترامها، والتوقف عن تشويه ما قدمته.
"هذا ما جاء في اللقاء"
إلى ذلك، كشف عدد من الحاضرين النقاب عن أبرز ما جاء في اللقاء مع السيسي، إذ قال محمد سلماوي إن السيسي طالب المثقفين بوضع تصورات عملية لتحقيق الأهداف التي قدموها في أحاديثهم.
وأضاف سلماوي أنهم تطرقوا لجميع القضايا، ومنها حقوق الإنسان والحريات والتعليم والديمقراطية، وازدراء الأديان، وتمت المطالبة بإلغاء مثل هذه القوانين والإفراج عن إسلام بحيري وأحمد ناجي، وإلغاء حكم فاطمة ناعوت، وبصراحة شديدة تقبلها الرئيس، ولم يعترض عليها، حسبما قال.
وكشف صاحب سلسلة قصص "رجل المستحيل"، نبيل فاروق، أن السيسي طالب الحاضرين بـ"الموازنة بين حرية الرأي والمتطلبات الأمنية في هذه المرحلة". ونقل قول السيسي: "أنا اللي في وش المدفع وعليا حماية 90 مليون مصري، ومش تيجوا تتكلموا، وتسيبوني، وتمشوا"، لافتا إلى أنه طلب من الحاضرين إعداد ورقة عمل لـ"نهضة مصر"، كي يتم مناقشتها في لقاء آخر يجمعهم في أبريل المقبل.
وعن الشباب المحبوسين جراء قانون التظاهر، قال فاروق إن السيسي أكد أنه يدرس جميع الملفات، خاصة أنه "مش كل المحبوسين أبرياء"، وفقا لتعبيره.
وفي سياق متصل، قالت رئيسة تحرير جريدة "الأهالي" السابقة، فريدة النقاش إن ملف الحريات العامة كان من أهم الملفات التي تناولوها في لقائهم مع السيسي.
ولفتت إلى أن جميع الحاضرين تحدثوا عن مصير الشباب في السجون، والتعسف في استخدام الحبس الاحتياطي، وضرورة إلغاء قانون التظاهر، وإلغاء المادة الخاصة بازدراء الأديان في قانون العقوبات، وإلغاء العقوبات المقيدة للحريات بصفة عامة.
وأشارت إلى أن السيسي ثمن هذه المطالب، لكنه اتهم الجميع أن أطروحاتهم تميل للتنظير، بينما الواقع أكثر تعقيدا، مشيرة إلى أن السيسي طلب منهم الالتحام بالواقع أكثر، وتنظيم ورش عمل، وأن يوسعوا قاعدة اللقاء، ووعدهم بلقائهم مرة أخرى.
وتابعت "النقاش" أنهم طالبوا أيضا بالاهتمام بقضية المجتمع المدني رقم 173 المنظورة أمام القضاء بتهمة التمويل الأجنبي، وكذلك إنشاء صندوق البطالة، مضيفة أن السيسي اتفق مع المثقفين على مواصلة العمل، وأن يقيموا ورش عمل لإعادة هيكلة هذه التوصيات التي تقدموا بها، وإعادة تقديمها مرة أخرى للرئاسة. كما طالبهم السيسي بالاهتمام بمشكلات الشارع، وعدم الاقتصار على مشكلات الكتاب.
الكاتب الصحفي صلاح عيسى، كشف أيضا، في تصريحات صحفية، أن السيسي علق على مداخلاتهم بالقول إن مصر ستعبر المرحلة الحالية، وذلك المأزق، وستخرج من عنق الزجاجة، بتعاون الشعب مع الدولة، وكذلك المثقفين، و"دعانا إلى عدم القلق، والمثابرة"، على حد قوله.
وأضاف عيسى أن السيسي طالب الحضور بتقديم اقتراحات مكتوبة لبلورة الملفات التي تم مناقشتها لدراستها، والتشاور في شأنها.
من جهته، قال ضياء رشوان إنه تم الاتفاق خلال اللقاء على تشكيل مجموعات عمل من الحاضرين، وغيرهم، لوضع مقترحات تنفيذية للأفكار التي تم طرحها.
وأضاف أن الحوار شمل قضايا متعلقة بحقوق الإنسان والحريات، والتواصل مع الشباب، وإصلاح أجهزة الدولة، وغيرها، مؤكدا أن اللقاء، الذي استمر ثلاث ساعات انتهى بنتيجة إيجابية جدا، هي الاتفاق على عقد لقاء آخر بعد شهر، وخلال هذا الشهر ينقسم الحاضرون لمجموعات عمل تعمل كل واحدة على قضايا محددة، وتضع حلولا لتنفيذها.
ويذكر أنه حوكم عدد من المثقفين، أخيرا، بتهمة ازدراء الأديان، أبرزهم إسلام بحيري، وفاطمة ناعوت، وسجن أحمد ناجي بسبب الترويج للفاحشة، وقضت محكمة بالمنيا بمعاقبة أربعة قاصرين أقباط، بين 15 و17 عاما، بالحبس خمس سنوات، بتهمة ازدراء الدين الإسلامي، على خلفية بث فيديو مسيء للإسلام على الإنترنت.