كتب المعلق في صحيفة "الغارديان" سايمون جينكنز تقريرا حول الهجمات
الإرهابية في العاصمة البلجيكية
بروكسل، تحت عنوان "ما يخيف أكثر في هجمات بروكسل هو ردة فعلنا عليها".
ويقول جينكنز: "فكروا مثل العدو، وافترضوا أنني إرهابي من
تنظيم الدولة، لا أقوم بعمليات تفجير أو إطلاق رصاص، وأترك العمل القذر للمجانين في الطابق الأرضي، ووظيفتي هي ما يحدث فيما بعد، أي تحويل المذبحة إلى تداعيات، والأجزاء البشرية إلى سياسة، فأنا استشاري إرهاب، وأرتدي البزة لا المتفجرات، النقاط الملوثة بالدماء هي وسيلة لتحقيق غاية، فالنهاية هي السلطة".
ويضيف الكاتب: "في هذا الأسبوع حققت نجاحا جديدا، لقد حولت فعلا نفسيا حقيرا إلى فعل يستحضر المحاربين وأخفت السكان، وعملت على تغيير سياسي، فقد جعلت القارة تشعر بالصدمة، وتخلى سياسيون عن كل شيء، وغمروني بالكليشهات، وأغرقتني التيجان بالكراهية المجيدة".
ويتابع جينكنز قائلا: "أقيس نجاحي بحجم أعمدة المقالات والساعات التلفزيونية، ومن خلال الميزانيات الأمنية المتضخمة، وذبح الحريات والقوانين المعدلة، وهدفي النهائي هو اضطهاد المسلمين وتجنيدهم لقضيتي، أنا لا أتعامل مع الأفعال، لكن مع ردود الأفعال، أنا من يتلاعب بالسياسة، وأعمل من خلال حماقات أعدائي المفترضين".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن "الكتب المقررة للإرهاب تحدد أثره من خلال أربع مراحل: المرحلة الأولى هي الرعب، ومن ثم الدعاية، وبعد ذلك المواقف السياسية، وأخيرا التغير الكبير في السياسات، حيث إن الفعل الأولي مبتذل، فالمذابح في بروكسل تحصل تقريبا كل يوم في شوارع بغداد وحلب ودمشق، وتقتل الصواريخ الغربية وقنابل تنظيم الدولة أكثر مما يموت في أوروبا كل عام، والفرق هو الطريقة التي يرد فيها الإعلام، فمسلم ميت هو ساذج غير محظوظ وهو في المكان والزمان الخاطئين، أما الأوروبي الميت فخبره يحتل الصفحة الأولى".
ويواصل الكاتب قائلا: "وعليه، في يوم الثلاثاء تصرفت قنوات التلفاز كأنها ضباط تجنيد لتنظيم الدولة، ولم تتحرج مبالغتهم الصريحة عن أي انضباط (والشيء ذاته ينطبق على الصحف)، وأرسلت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) هيو إدوارد إلى بروكسل، وبثت تلك القنوات الرعب عبر موجات الأثير على مدار الساعة، وصرخت بكلمات مثل (ذعر) و(تهديد) و(شر) و(إرهاب)، ونقلت تعليقات العامة الممرغة بالدم وأحشاء الموتى، وقام أحد المراسلين بالسير على مصعد متحرك في قطار أنفاق لندن كي يظهر إمكانية حدوث أهداف في المستقبل لتجفيف الدم في عروق المسافرين على القطارات، ولم يحلم الإرهابيون بهذا حتى في كوابيسهم".
ويلفت جينكنز إلى أنه "بعد تحضير المسرح دخل الساسة للتعليق، وأعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند (لقد ضربت أوروبا كلها)، وهو يقوم بترديد جرائم تنظيم الدولة وتضخيمها، وارتفعت شعبيته بشكل مباشر".
ويذكر الكاتب أنه "في بريطانيا قفز رئيس الوزراء ديفيد
كاميرون إلى ملجأ كوبرا (مجلس الأمن القومي)، وأعلن أن بريطانيا تواجه خطرا إرهابيا حقيقيا، وأن احتمالات وقوع هجوم هي احتمالات عالية، بحسب المسؤولين الأمنيين، وأمر بتنكيس الأعلام إلى النصف، وأضيء برج إيفل بألوان العلم البلجيكي، وقطع الرئيس الأمريكي باراك أوباما زيارته إلى كوبا؛ (تضامنا مع بلجيكا)، وأعلن دونالد ترامب أن كلا من (فرنسا وبلجيكا تتفككان)، ومن الصعب تخيل ما يجب عمله أكثر من أجل الترويج لقضية تنظيم الدولة".
ويفيد جينكنز بأنه "في 9/11 قام أسامة بن لادن بمحاولة لإظهار عجز وخوف الغرب، وبيان أن ليبراليته مهزلة يمكن هزها بسهولة، فتفجيرات قليلة كافية بتلاشي الليبرالية، وتكشف عن صورة قمعية كأي دولة مسلمة".
ويمضي الكاتب قائلا: "مع نهاية يوم الثلاثاء تدفق كل شيء يغذي الرعب، وامتلأت القاعات الأمنية، ونظر إلى قانون كاميرون للتنصت على أنه أمر مهم للأمن القومي، رغم المعارضة له في البرلمان ومن خبراء الأمن، ورغم أن المدير الفني السابق في وكالة الأمن القومي بيل بيني سخر من القانون هذا الشهر بتصريحات نقلتها صحيفة (التايمز)، وعده قانونا يمنح (قوة للتنصت بشكل لا يصدق)، فكل ما بحث عنه المواطن على موقعه في الإنترنت (أو تاريخه) سيكون في عهدة الحكومة قريبا، وسيكون عرضة للتنصت من أي خبير تسويق أو مبتز".
ويعلق جينكنز قائلا: "بناء على إستراتيجية (بريفنت)، فإنه يجب على الجامعات والمدارس تطوير إستراتيجيات وبرامج لمواجهة (التطرف اللاعنفي)، الذي قد يخلق ظروفا مساعدة للإرهاب، وستكون البيروقراطية كبيرة، وهناك تقارير تقول إن المدارس الابتدائية تطلب من الأطفال مراقبة بعضهم البعض؛ للكشف عن (تصرفات مشبوهة)، بالإضافة إلى طلب فحص المسافرين على قطارات فيرجين بعد كل محطة، لقد أصبحت بريطانيا مثل ألمانيا الشرقية أثناء الحرب الباردة".
ويورد الكاتب أن "معسكر (بريكست)، (الداعي للخروج من الاتحاد الأوروبي) ممثلا بحزب الاستقلال، الذي يتزعمه نايجل فاراج، يقول إن هجمات بروكسل هي تأكيد لضرورة الخروج من أوروبا، وقالت وزيرة الداخلية تيريزا مي العكس، وهو أن الإرهابيين سيتحركون بحرية؛ لأن عملية التوصل للحمض النووي لإرهابي تأخذ 143 يوما، فيما يحتاج الأمر 15 دقيقة في حال استمرت بريطانيا في الاتحاد الأوروبي".
ويجد جينكنز أنه "من الصعب العثور على طرق للرد على الهجمات الإرهابية دون الوقوع في مصيدتهم، فالإعلام الحر يشعر بأنه تحت واجب تغطية الأحداث، فيما يشعر الساسة بأن من واجبهم إظهار قدرتهم على حماية الرأي العام، لكن عدم إظهار ضبط النفس ليس مبررا للترويج للإرهاب، فكل شخص اشترك في ردود هذا الأسبوع، من الصحافيين إلى الساسة إلى جماعات الضغط الأمنية، لديه مصلحة في الإرهاب، فهناك مال كثير، وكلما قدم الإرهاب بطريقة مخيفة زاد المال".
ويستدرك الكاتب قائلا: "يمكننا الرد على هجمات بروكسل بطريقة هادئة وتعاطف محترم وبشموع وصمت، فالتقليل من أمر لا يعني تجاهله، فلدى الإرهابيين أهدافهم، وهي نشر المذابح خدمة لقضيتهم السياسية، ولا يوجد هناك دفاع عقلاني في مجتمع حر ضد المذبحة، لكن يوجد دفاع ضد هدفها، وهو تجنب الرد الهستيري وإظهار الحذر وقدر من الشجاعة، وليست زلات كاميرون وإثارته مخاوف الناس، وهي ليست لتغيير القوانين وانتهاكها، ولا لاضطهاد المسلمين".
ويذكّر جينكنز قائلا: "خلال السنوات الخطيرة والمتواصلة لحملة تفجيرات الجيش الأيرلندي الحر أثناء السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، أصر المحافظون والعمال على التعامل مع الإرهاب بوصفه عملا إجراميا وليس عملا سياسيا، واعتمدوا على الشرطة والخدمات الأمنية للحماية ضد تهديد لم يكن بالإمكان محوه، لكنه قل، ونجح الأمر في النهاية ودون الإضرار بالحريات المدنية".
ويقول الكاتب: "فقط من يعيشون في ظل الحرية يعرفون أنها تحتاج إلى ثمن، وهو مستوى من الخطر، فنحن ندفع للدولة كي تحمينا، لكن بهدوء ودون مفاخرة أو نشر الخوف، ونحن نعرف في الحقيقة أن الحياة في بريطانيا لم تكن أبدا آمنة، وتظاهر البعض بغير هذا لا يغير من الحقيقة شيئا".
وينوه جينكنز إلى أن "الأكاديمي من بلفاست ريتشارد إنكليش عرف في كتابه المثير للإعجاب (الإرهاب: كيف ترد) التهديد للديمقراطية، بأنه ليس (الخطر المحدود) للموت أو الدمار، لكنه الخطر باستفزاز ردود غير حكيمة ومبالغ فيها وذات أثر عسكي".
ويخلص جينكنز إلى أن "خطر بروكسل لا يكمن في الإرهاب، لكنه يكمن في رد الفعل عليه، وعلينا أن نخشى من الرد، ولكن الحرية لا تظهر أبدا من ملجأ كوبرا".