نشرت صحيفة "فورين بوليسي" الأمريكية، تقريرا حول التجربة السياسية لحزب
حركة النهضة التونسي بعد سقوط الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، مشيرة إلى أنه كان يُنظر إلى حزب النهضة على أنه يشكل تهديدا للانتقال الديمقراطي، غير أنه على العكس كان ساندا له.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن تونس حققت بالفعل نقلة نوعية في
الديمقراطية بعد الإطاحة ببن علي، مرجعة الفضل في ذلك إلى حزب النهضة "الذي غلب المصلحة الوطنية، وقبل بحل وسط مع باقي الأحزاب والقوى الليبرالية".
وأضافت أن حزب النهضة واجه الكثير من الضغوط، "لكنه انحاز لرغبة الناخبين، وتخلى عن الكثير من مفاهيمه الأيدلوجية، وتصرف بعقلانية حينما تراجع عن الاتجاه الذي أدرك أنه سيؤدي إلى الصدام مع القوى السياسية الأخرى".
وبحسب التقرير؛ فقد ضمنت هذه التنازلات بقاء الحزب في الخارطة الديمقراطية في تونس، كما أنها مثلت سلوكا حضاريا مكن التجربة الديمقراطية الهشة في تونس من البقاء والاستمرار.
وأشارت الصحيفة إلى أن قانون العفو التشريعي العام الذي أقر بعد الثورة؛ مكّن حزب النهضة من القفز إلى الصدارة، ما أثار حفيظة
القوى الليبرالية التي أبدت تخوفها من حزب النهضة، وما قد ينتج عنه من تقويض لحرية المرأة، ومضايقات للحريات؛ باعتباره حزبا ذا
مرجعية إسلامية.
وقالت إن رئيس "النهضة"
راشد الغنوشي، أدرك مخاوف القوى الليبرالية ومناصريها، فبادر إلى تطمين الشعب التونسي ودحض هذه الادعاءات عن حزبه، وذكر في حزيران/ يونيو 2011، أنه أوصى أنصاره بأن لا يحضروا لاستقباله في المطار عند عودته من المنفى؛ كي لا تتكرر الصورة التي ظهر فيها الخميني عند عودته إلى إيران.
وذكرت الصحيفة أن فوز "النهضة" في أول انتخابات ديمقراطية في تشرين الأول/ أكتوبر 2011 ناتج عن تعهداته للجماهير بمعاقبة النظام السابق، بالإضافة إلى انحيازه للسكان المحليين في المناطق النائية والفقيرة، مشيرة إلى أن الأحزاب والقوى الليبرالية ركزت على المخاطر التي قد تحدث بسبب الخلفية الدينية لحزب النهضة، ما جعلها تقدم أداء ضعيفا في الانتخابات.
وأوردت ما قالته الصحفية والناشطة الحقوقية سهام بن سدرين، في عام 2014، حيث قالت إن "هاجس الخوف من
الإسلاميين دفع الأحزاب العلمانية نحو النظام السابق، وهذا كان خطأ استراتيجيا، فهي لم تدرك أن سقوط بن علي وعودة الإسلاميين سيؤدي إلى التكامل الديمقراطي".
ولفتت الصحيفة إلى أنه بعد شهرين من صياغة الدستور؛ كشف حزب النهضة عن مسودة للدستور تنص على أن الشريعة الإسلامية مصدر أساسي للتشريع، لكن انتقادات الشارع ومنظمات المجتمع المدني جعلت الغنوشي يصدر تصريحا قال فيه إن الدستور في المستقبل لن يتضمن هذه المادة.
وأشارت إلى تطور آخر وقع في تلك الفترة، وهو تصريح الأمين العام السابق للحزب حمادي الجبالي، الذي جاء فيه أن لدى أعضاء من حزب النهضة رغبة في إقامة الخلافة السادسة بتونس، ما تسبب بضجة كبيرة في الشارع؛ انتهت إلى تراجع الجبالي عن تصريحاته هذه.
وقالت الصحيفة إن هذه الأمور لم تكشف حالة الانقسام داخل الحزب فحسب، بل كشفت عن افتقار الإسلام السياسي للشعبية في تونس، حيث تقول إن جدلا كثيرا أثير حول محاولات حزب النهضة إيجاد مكان للإسلام في الدستور، وهو ما وصفه البعض بمحاولة لكسب القوى السلفية، "غير أن السبب الحقيقي يتمثل بالتنوع داخل الحزب الذي حرص على أن يبدو متماسكا؛ لجذب المكونات الأخرى حوله، وهو ما بدا واضحا في جميع مراحل كتابة الدستور".
وتابعت: "ففي كانون الثاني 2014 صوّت 22 نائبا من نواب النهضة ليكون القرآن والسنة المصدر الرئيس للتشريع، وصوّت 17 نائبا ضد هذه المادة، فيما امتنع 39 نائبا عن التصويت".
وذكرت الصحيفة أن حزب النهضة اختار أن ينأى بنفسه عن الجماعات الأصولية، وبدا أكثر مرونة، وأظهر نفسه على أنه مجرد طرف داخل منظومة سياسية كبيرة.
وأشارت إلى خسارة حزب النهضة أغلب مقاعده في الانتخابات التشريعية في تشرين الأول/ أكتوبر 2014 لصالح حزب
نداء تونس؛ معللة هذه الخسارة التي اعترف بها حزب النهضة؛ بـ"فشل في إيجاد فرص عمل خلال ثلاث سنوات، وعجز عن تأمين الحدود، أو إجراء إصلاحات ملموسة".
وأضافت أن حزب النهضة دخل في حكومة ائتلافية مع "نداء تونس"، إلا أن هذا الأخير شهد انكسارا وتراجعا بلغ ذروته في كانون الثاني/ يناير 2016 بسبب الخلافات التي عصفت به، والتي أدت إلى استقالات تسببت في فراغ عدد من مقاعد البرلمان.
وقالت الصحيفة إن حزب النهضة ساهم في الانتقال السياسي والديمقراطي في تونس، وكان هذا الإسهام سببا في تراجع القمع وتزوير الانتخابات، مؤكدة أنه تنازل عن حقه الديمقراطي عن طيب خاطر، وتحالف مع أحزاب مناهضة له من أجل الحفاظ على اللحمة الوطنية.
وذهبت إلى أن "هذا السلوك الديمقراطي يستحق الإعجاب، فقد أظهر إمكانية انخراط الإسلام السياسي في العملية الديمقراطية، ونزوله عند رغبة الناخبين، والقدرة على التكيف مع الظروف السياسية".