تواجه
الجامعات الأمريكية الحاصلة على هبات وقفية كبيرة مطالب بإلغاء رسوم الدراسة، نظرا لتلقيها تبرعات مالية كبيرة من قبل محسنين، إذ تمتلك جامعة
هارفارد اليوم لوحدها أوقافا تقدر بـ 36 مليار دولار. في ما ردت الجامعات على المطالبين بقولها؛ إن جل التبرعات مقيدة.
ويسلط تقرير لمجلة "ذي إيكونوميست" البريطانية على وضع الجامعات العالمية الكبرى، وبالتحديد هارفارد، التي جمعت العام الماضي على سبيل المثال مليار دولار، ما يضعها أمام تحدي إلغاء الرسوم على الطلبة.
وفيما يلي تقرير المجلة الاقتصادية التي ترجمه "
عربي21":
بينما كان على فراش الموت في عام 1638، أوصى جون هارفارد بنصف ماله – ما يقرب من 800 جنيه استرليني ومكتبة تحتوي على ما يقرب من 400 كتاب – لكلية جديدة تقع في كامبريدج، ماساتشوسيتس، المعاصرة. قرر مؤسسو جامعة هارفارد تسمية جامعتهم الجديدة على اسم أول محسن تبرع لها. وقبل ما يقرب من 370 عاماً، تأسست أول منحة دراسية في جامعة هارفارد لمساعدة "بعض الطلبة الفقراء" وذلك بفضل تبرع مقداره 100 جنيه استرليني تقدمت به آن رادكليف. وحتى اليوم، ما تزال الجامعة تتلقى التبرعات السخية من المحسنين، وفي العام الماضي تبرع جون بولسون، أحد كبار المستثمرين في صناديق الوقاية، بمبلغ قدره 400 مليون دولار لصالح كلية الهندسة في جامعة هارفارد. تبلغ قيمة الأوقاف التي تملكها جامعة هارفارد اليوم 36 مليار دولار، وهي الأكبر على الإطلاق في سائر البلاد. وفي العام الماضي تمكنت الجامعة من جمع تبرعات بقيمة مليار دولار، مما دفع بعض خريجيها للقول بأن مثل هذ المبلغ يكفي لأن تلتزم الجامعة بإلغاء رسوم الدراسة.
ومن هؤلاء رالف نادر، الناشط السياسي المخضرم، وكذلك رون أونز، الذي كتب عدداً من المقالات اللاذعة حول نظام الهبات المعمول به في أمريكا. كلا الرجلين يأمل في الفوز في انتخابات مجلس المشرفين على الجامعة، وهو الموقع الذي سيعملان من خلاله على دفع هارفارد نحو تبني سياسة إعفاء جميع طلابها من الرسوم الدراسية، وكذلك الضغط على مكتب القبول فيها للكشف عن البيانات التي تظهر الكيفية التي يقرر من خلالها من هم الطلاب الذين يقبلون في الجامعة. إذا ما تحقق ذلك لهما، فإنهما يأملان بأن ذلك سيشعر الجامعات الرائدة الأخرى بالخجل من نفسها ويحملها على انتهاج نفس السبيل.
يفيد مجلس العون التعليمي في الولايات المتحدة بأن الجماعات الأمريكية تمكنت في العام الماضي من جمع ما قدره 40.3 مليار دولار من التبرعات. تتكون أوقاف جامعة هارفارد من 13 ألف صندوق، وتشكل هذه مجتمعة أكبر مصدر لدخلها حتى الآن. لا تستخدم الأوقاف في العادة لخفض رسوم الدراسة، ولكنها قد تستخدم لتقديم المنح والمساعدات المالية للطلبة الذين لا يملكون القدرة على دفع تكاليف الدراسة (يحصل ما يقرب من 70 بالمائة من الطلبة الدارسين في جامعة هارفارد على بعض من المساعدة لتمكينهم من دفع الرسوم وتكاليف المعيشة).
يتساءل بعض المشرعين عما إذا كانت التهديدات بتغيير الوضع الذي تعفى فيه الأوقاف من الضرائب قد تستخدم لإقناع الجامعات بتخفيض رسوم الدراسة فيها وقد ارتفعت بما نسبته 22 بالمائة منذ عام 1980. يقول مركز نيكساس للأبحاث ووضع السياسات (التابع لجامعة فينيكس، وهي جامعة ربحية ولذلك فهي غير معفية من الضرائب) إن الجامعات تتلقى ما يقرب من 80 مليار دولار من الدعم المالي من حكومات الولايات ومن البلديات كل عام، وهو الأمر الذي ينبغي أن يمنح السياسيين الصلاحية في ممارسة الضغوط عليها في المقابل.
وكان طوم ريد، عضو الكونغرس الجمهوري عن ولاية نيويورك، قد اقترح في يناير الماضي مسودة قانون يطالب الأوقاف التي تزيد قيمة ممتلكاتها عن مليار دولار تخصيص 25 بالمائة من دخلها للمساعدة المالية وإلا فإنها ستفقد وضع الإعفاء الضريبي. كما أن لجنتين تابعتين للكونغرس، هما لجنة التمويل في مجلس الشيوخ ولجنة الوسائل والأساليب التابعة لمجلس النواب، أرسلتا خطابات إلى رؤساء الجامعات التي تمتلك الأوقاف الكبيرة لمساءلتهم عن طرق الإنفاق، وعن تعارض المصالح، وعن الترتيبات الخاصة بالرسوم التي يتلقاها المدراء الماليون. وقد منحت 56 جامعة خاصة من التي تمول من خلال الأوقاف فرصة حتى الأول من يناير لكي تشرح الكيفية التي يتم من خلالها استخدام الريع الوارد من استثماراتها المعفية من الضرائب.
ولكن، يوجد لدى الجامعات من يتصدر للدفاع عنها. يقول كيم روبين من مركز السياسة الضريبية: "معظم هذه الأماكن تقوم بتقديم قدر لا بأس به من المساعدة المالية للطلاب الذين يعيشون تحت خط الفقر." ويقول المسؤول المالي الأول في جامعة أمهيرست إن الأوقاف التابعة لجامعته تساهم بما يقرب من 90 مليون دولار في ميزانية الجامعة، وهو ما يزيد بمقدار 30 مليون دولار عن رسوم الدراسة وتكاليف السكن وغير ذلك من الرسوم مجتمعة. وستقوم الجامعة هذا العام بإنفاق 50 ألف دولار لكل طالب لتمويل المساعدة المالية، ودفع أجور التدريس وتمويل النشاطات الطلابية المختلفة. منذ أن ناقش الكونغرس هذا الموضوع في عام 2007 توجهت أعداد متزايدة من الجامعات نحو تقديم المنح بدلاً من القروض. ولقد تضاعف العون المالي على مدى العقد الماضي. كما أن بعض الجامعات مثل براون في بروفيدانس، رود آيلاند، تقوم بتقديم دفعات مالية بشكل طوعي بديلاً عن الضرائب المستحقة على الممتلكات.
وبالإضافة إلى التأكيد على سخائها، تقول الجامعات إن إجبارها على إنفاق أموال الأوقاف على رسوم الدراسة قد يكون أمراً غير قانوني. وذلك أن المتبرعين بإمكانهم تقييد تبرعاتهم المعفية من الضرائب بغرض محدد ملزم من الناحية القانونية، مثل تأسيس كرسي، أو تقديم منحة دراسية، أو بناء مختبر جديد. إن ما يقرب من 70 بالمائة من الأوقاف هي عبارة عن أموال مقيدة، وعدم الالتزام برغبات المتبرعين يمكن أن تنجم عنه مقاضاة أمام المحاكم. ومن الأمثلة على ذلك ما جرى لجامعة برينستون التي تعرضت للمقاضاة من قبل ورثة محلات إيه أند بيه الذين زعموا بأن تبرعاً بقيمة 35 مليون دولار قدم للجامعة في عام 1961 قد أسيء استخدامه ولم ينفق حسب الاتفاق الذي أبرم مع الجامعة. من خلال حسبة أجرتها جامعة أمهيرست، والتي تبلغ قيمة أوقافها 2.2 مليار دولار، خلصت الجامعة إلى أنها فيما لو زادت الإنفاق السنوي إلى 8 بالمائة بدلاً من المستوى الحالي الذي يتراوح ما بين 4 و 5 بالمائة، فإنها ستضطر إلى الاعتماد على رسوم الدراسة لتمويل تكاليف التشغيل فيها. وتقول إن أوقافها بعد 25 عاماً ستتراجع بنسبة 60 بالمائة عما هي عليه الآن.
إذا كانت الجامعات الأكثر ثراء تنفق الكثير على المساعدة المالية، فأين تكمن المشكلة؟ يقول السيد أونز إن الإنفاق بلا هوادة من ريع الأوقاف على إقامة مباني جديدة ومرافق رياضية وفي توظيف الإداريين أوجد ما يشبه سباق التسلح داخل مؤسسات الدراسات العليا، وهذا ما رفع الأسعار في الجامعات التي لم يحالفها الحظ فلم تحظ بالكثير من المحسنين الأسخياء. ويرى أن جامعة مثل هارفارد بإمكانها أن تلغي رسوم الدراسة فيها دون أن يضر ذلك بوضعها المالي أو يمس الجزء المقيد من أوقافها. ويرى أيضاً بأن إلغاء الإجراءات المعقدة لطلبات الدعم المالي والملصقات المرعبة التي تعلن فيها مبالغ رسوم الدراسة (أي قبل حساب مقدار الدعم المالي الممنوح) يمكن أن تساهم كثيراً في تشجيع الطلبة من خارج طبقة الأثرياء على التقدم للدراسة.