قال محلل الشؤون العربية في صحيفة "هآرتس"
الإسرائيلية، تسيفي برئيل، إن
إيران تسعى للانتقال إلى برنامج الصواريخ، كبديل عن البرنامج النووي، رغم معارضة الرئيس الإيراني حسن
روحاني لهذه الخطوة ويدفع باتجاه الثبات الاقتصادي، وسط دفعه من المحافظين لتجاوز فكرة الحوار مع الغرب.
وقال برئيل، في مقال له مع "هآرتس" الجمعة، إن "برنامج الصواريخ الإيراني والتجارب البالستية التي أجرتها إيران مؤخرا، تحولت بعد
الاتفاق النووي إلى موضوع مقلق بالنسبة للغرب"، موضحا أنها تغضب القوى السياسية في إيران بالوقت نفسه، إذ إنها تمثل نقطة الخلاف بين الإصلاحيين الذين يطمحون إلى تقوية الاقتصاد الإيراني والحوار مع الغرب، وبين المحافظين ومنهم المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي، الذين يعتقدون أنه يجب على إيران أن تصبح قوة عسكرية، ليس فقط ضد التهديدات الإقليمية، بل أيضا ضد الولايات المتحدة.
وأشار برئيل إلى تصريحات قائد الحرس الثوري الإيراني، علي جعفري، التي قال فيها إن "الموقف الذي يعتبر أن الاتفاق النووي هو الحل لجميع مشكلات إيران، موقف ساذج"، مضيفا أن "من ينشر صيغة الاتفاق داخل البيت الإيراني ينحرف عن الطريق الحقيقية للثورة، فالاتفاق يمنح الحد الأدنى من الحقوق، ولا يجب تحويله إلى مرحلة ذهبية في تاريخ إيران"، بحسب تعبيره.
وقال محلل الشؤون العربية في "هآرتس" إن وزير الدفاع الإيراني، حسين دكان، "اخترع" الأسبوع الماضي مصطلح "المرونة الاستراتيجية" كي يشرح الشكل الذي يتعين فيه على إيران أن تتصرف بعد الاتفاق النووي، قائلا إن "المرونة الاستراتيجية يجب أن تتحدى الأعداء كل الوقت، فهي تمنح التوازن بين استغلال الفرص والرد اللازم على التهديدات".
وحسب هذه النظرية، فإن تطوير برنامج الصواريخ سيكون بديلا رادعا عن البرنامج النووي، وفي الوقت نفسه لن يهدد تلك الفرص التي يوفرها الاتفاق النووي لإيران، بحسب برئيل، موضحا أن هذين التصريحين يشيران إلى أن القوى المحافظة التي سعت إلى عرقلة الاتفاق، وانتقدت فريق المفاوضات الإيراني سلمت بالواقع الجديد، ولكنها تنوي مواصلة وضع العراقيل في وجه تطلع روحاني ومؤيديه، لجعل الاتفاق رافعة لتغيير السياسة الخارجية لطهران وصد التقرب إلى الولايات المتحدة.
حواجز حماية سياسية
وأوضح برئيل أن استراتيجية المحافظين المتصلبة ليست موقفا أيديولوجيا وحسب، لكنها تأتي ضمن استعدادتهم للانتخابات الرئاسية، في حزيران/ يونيو 2017 بعد أن خسروا الانتخابات البرلمانية وانتخابات مجلس الخبراء لصالح الإصلاحيين، إذ إنهم قلقون من "إمكانية أن يتمكن مرض السرطان من إلحاق الهزيمة حتى ذلك الحين بخامنئي"، إذ إن انتخاب مرشد أعلى مقرب من الإصلاحيين قد يكون ضربة قاسية للمحافظين والمتطرفين، مما دفعهم لبناء "حواجز حماية سياسية"، بحسب تعبير برئيل.
وعليه، فعندما يتحدث جعفري عن أن "الاستعدادات العسكرية هي ضد أعمال عسكرية من شأنها أن تمس بنا، وليس لأهداف سياسية أو دبلوماسية"، فهو لا يوجه حديثه فقط إلى الولايات المتحدة أو لزعماء دول الخليج، بل يشير إلى الرئيس روحاني بأنه من الأفضل له أن ينسى "استراتيجية الحوار".
شوكة في حلق روحاني
ويمثل برنامج الصواريخ والتجارب البالستية "شوكة في حلق" روحاني، بحسب برئيل، إذ إن الرئيس الإصلاحي الذي كان يريد أن ينفذ برامجه الاقتصادية التي تصطدم بعقوبات، وإن لم ترتبط مباشرة بالاتفاق النووي، لكن المشكلة الأكبر في ما وصفه الرئيس الأمريكي باراك أوباما بأنه "انتهاك لروح الاتفاق"، وهي الصواريخ التي أطلقتها إيران، والقادرة على أن تحمل رؤوسا متفجرة نووية، وتشير برأي أوباما إلى نوايا إيران العسكرية.
ويمنع هذا التفسير إيران من التجارة بالدولار، وذلك لأن العقوبات التي ما تزال سارية المفعول تحظر على الدولة العمل عبر المنظومة البنكية الأمريكية، ولهذا السبب لا يمكن لإيران أن تنفذ صفقات بالدولار مع شركات خارج الولايات المتحدة، وذلك لأن كل تبديل للعملة المحلية إلى الدولار تمر عبر الولايات المتحدة، وهذا يبين التضارب بين سياسة واشنطن بعد الاتفاق النووي والقيود التي وضعتها الإدارة في الماضي.
ويعتقد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بأنه يجب السماح لإيران بالتجارة بالدولار، بل والعمل مع المنظومة البنكية الأمريكية، ولكن المحافظين في الكونغرس في واشنطن يحرصون على ألا تمنح الإدارة مزيدا من التنازلات لإيران، وتسمح لها بعقد الصفقات بالدولار، بحسب برئيل.
ويمثل هذا، من ناحية طهران، خرقا للاتفاق النووي، ودليلا على سوء نية الولايات المتحدة، والأسوأ من ذلك هو أن هذه رصاصة في ساق روحاني، إذ إنه بينما يمكن للحرس الثوري أن يواصل التسلح بلا قيود تقريبا، فإن برامج إعادة البناء الاقتصادي الإيراني بالذات كفيلة بأن تعلق، مما يعني إفشاله في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، وهو ما يدركه أوباما وكيري، مما دفعهما إلى سلسلة استعراضات تقوم بها وزارة المالية في الولايات المتحدة للشركات ورجال الأعمال، تشرح فيها كيف يتدبرون أمورهم في متاهة العقوبات وكيف يمكن تجاوز بعض من العوائق.
تهديد متراجع
واعتبر برئيل أن دور إيران وتهديدها الإقليمي آخذ في التراجع في وسائل الإعلام العربية، مشيرا إلى أن الصراعات السياسية في إيران وحوارها مع الغرب لا تؤثر على حجم تدخل طهران في الساحات المختلفة في الشرق الأوسط.
وأشار برئيل إلى الإعلان الإيراني مؤخرا بإرسال مستشارين عسكريين إلى سوريا، بعد أن كانت أغلبية قواتها قد خرجت منها، على خلفية انسحاب القوات الروسية، وحسب الناطقة بلسان الناشطة الإيرانية المعارضة، مريم رجاوي، فقد أرسلت طهران بستين ألف جندي لحسم المعركة.
كما أن إيران ما تزال تتدخل في ما يجري في اليمن، وهي تمول وتدرب المليشيات الشيعية في العراق، الكفيلة بأن تشارك في الحرب على تحرير مدينة الموصل من أيدي تنظيم الدولة، ومع ذلك، فرغم تدخلها في الساحات المختلفة، فإن ظهور إيران في العناوين الرئيسية آخذ في التقلص، بحسب برئيل.