كتاب عربي 21

"شعب الله المختار"!

1300x600
من التشوهات التي أنتجها الانقلاب العسكري، ظهور جماعة "شعب الله المختار"، التي ترى نفسها أنها الثورة، وأن من عداها ينتمون للثورة المضادة، وأن كل من وقفوا مع الانقلاب وضد الشرعية ولو بشطر كلمة، لا تقبل منهم توبة، ولا يرتجى منهم عدلا، وكل من يعارض السلطة القائمة الآن منهم هو نتاج مؤامرة، وكل خلاف معها هو مخطط يستهدف قبول المعارض الجديد في معسكر الشرعية!

هذا الفريق يعطي نفسه أكبر من حجمه، لدرجة أنه يتعامل على أنه مركز قبول التوبة، وأن أي معارض لأهل الحكم في مصر، ولو في قرار أو تصرف، فهو يعمل كل جهده لكي يكون مقبولا عند هذا الشعب، باعتباره من يقبل التوبة ويعفو عن السيئات!

وإذا كنا قد تجاوزنا الخطاب الشهير عن الذين "باعونا في محمد محمود"، والذي كان يرفعه بعض المنتمين لقوى الثورة، في مواجهة الإخوان الذين كانوا منحازين للعسكر عند نشوب هذه الأحداث، ولم يشاركوا فيها، ولم ينددوا بإجرام المجلس العسكري في مواجهة شباب الثورة، فقد صرنا أمام خطاب جديد هو الذين باعونا في رابعة والنهضة، والذين فوضوا على الدم، مع أن كثيرا من هؤلاء -وإن أيدوا الانقلاب- لم يفوضوا، ولهم كلام مهم ضد إراقة الدماء التي تمت بتعليمات من قائد هذا الانقلاب!

"شعب الله المختار" يبحث عن النقاء الثوري، فلا بد للثائر ألا يلبس ثوريته بظلم. وبضعهم لم يشارك في ثورة يناير، ومنهم من يرى أنها مؤامرة، وأن الثورة الحقيقية هي التي بدأت منذ وقوع الانقلاب العسكري، وكل من لم يكن فيها منذ اليوم الأول سيبعث يوم القيامة وقد كتب على جبينه "آيس من رحمة الله".

البعض يرى أن هذا الشعب ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين، وهناك من وصفهم بأنهم من شباب الجماعة، الذين تحرضهم ضد كل من يفكر خارج الصندوق، فيشبعونه سبا وردحا على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن فات هؤلاء أن هذا الشعب هو من أنصار الجماعة، وليس من أعضائها، وصار قادة التنظيم يعملون له ألف حساب باعتباره من يمثل الرأي العام ورأي الشارع، فيحول هذا دون أن يفكروا بصوت مسموع، أو يعلنوا ما في أنفسهم، حتى صرنا أمام شيوع لمبدأ التقية، الذي عُرف من المذهب الشيعي بالضرورة، وهو أن يظهر المرء خلاف ما يبطن!

فبعض الذين تجاوزوا مسألة الشرعية، ومبدأ عودة الرئيس محمد مرسي، يعلنون في وسائل الإعلام خلاف هذا، وعندما تستمع للفريقين المتنازعين في جماعة الإخوان، سوف يستقر في وجدانك والمعلن واحد، هو الانحياز للثورة والعمل على عودة الرئيس المختطف، أن الخلاف هو على المواقع القيادية داخل الجماعة، وهذا ليس صحيحا أو للدقة، ليس دقيقا! وخطورة الاعتقاد الباطني أنه يحول دون وضع النقاط فوق الحروف، ليقول كل فريق رأيه صراحة، فلا ينظر الثوار على الأرض إلى توجيهاته التي تميت الثورة وتطفئ الحراك، على أنه منحرف لقتال أو متحيز لفئة، في حين إنه في الواقع قد ولى الأدبار.

"شعب الله المختار"، لديه يقين لا يتزعزع بأنه يمثل قوة يعمل الجميع على خطب ودها، وأن الذين يهاجمون سلطة الانقلاب الآن ممن كانوا معها في السابق، هم يخطبون ودهم ويعملون على الاصطفاف معهم، وهو غرور لا أعرف دوافعه، فقد تحول الحراك الثوري إلى فعاليات، جرى اختزالها في مسيرات نسائية من العشرات في الشوارع الضيقة، فليسوا مركزا لقبول التوبة أو العفو عن السيئات!

هناك فريق من العائدين من معسكر الانقلاب، لا يتخيرون عن "شعب الله المختار"، عندما يطلبون كشرط للاصطفاف معهم أن يتخلى تيار الشرعية عن قضيتهم، ويتنازلوا عن شعاراتهم، وهو ما يقابل من الممثلين الرسميين لقوى الشرعية بخضوع في القول يطمع على أثره الذي في قلبه مرض، من الباحثين عن وظيفة عند معسكر الثورة ورفض الانقلاب، يحصلون عليها بسيف الابتزاز، وكأنهم يملكون الوصفة السحرية لإسقاط الانقلاب، وكأن أوباما لا ينام الليل إلا بعد أن يطمئن على قيام الناشط بشرب كوب اللبن الذي أعدته له السيدة "ميشيل أوباما"!

انتهازيون وقد التقوا معا، ويعرفون كيف يبتز بعضهم بعضا، فالجناح الرافض للانقلاب في تعامله مع هؤلاء، ليسوا من "أهل الغفلة"، وليسوا "مختومين على أقفيتهم" ليعلموا أن وجود هؤلاء ضد السيسي سيدفع بالقوى الدولية لإسقاطه، غاية ما في الأمر أنه يريد أن يتحلل من تبعات النضال ليضع رأسه بين الرؤوس، كما يقول المثل، فليس مكلفا وحده من قبل الرأي العام بإسقاط الانقلاب.

الذين أقصدهم في هذه السطور، هم الذين هم ضد السلطة الحالية في مصر، ولكن لا يهدفون للتقرب من القوى الرافضة للانقلاب، أو يبحثون عن مكانة لديه، وبالتالي، لا يحق لشعب الله المختار أن يفرض شروطه لقبولهم؛ لأنهم لم يأتوا إليه أصلا أو يرفضوا استقباله؛ لأنهم لم يطرقوا أبوابه.

ولعل الذي حول "شعب الله المختار" إلى حالة إنسانية تستدعي العلاج النفسي، هو دورانهم حول أنفسهم، فيتصورون أنهم محور الكون، وأن ما عداهم هم خونة ومأجورون وألعوبة أمنية، وجزء من خلاف معسكر الانقلاب، وأنهم خدم للعسكر، وهو الكلام الذي كان يقال على التيارات الإسلامية قبل الانقلاب، فالثورة المصرية تعيد تدوير قمامتها وخطابها الذي أنتجته نفوس مشوهة وعقول تعرف الضبة وتنكر المفتاح.

هناك حالة تمحور حول الذات لشعب الله المختار، تمنعه من استغلال قضايا مهمة، تصلح للاحتشاد الوطني، لإسقاط الانقلاب، ومن أول انتفاضة الأطباء بقيادة شخصية نسائية ومسيحية هي "منى مينا" ضد اعتداء الشرطة على أطباء مستشفى المطرية، وقضية "هشام جنينة"، التي تحتاج لتضافر الجهود وللتأكيد للرأي العام أن السلطة الحالية الآن تحمي الفساد وتطيح بالرجل الذي وقف في وجه القطاعات الفاسدة في الدولة، وانتهاء بقضية جزيرتي " تيران وصنافير"، التي جعلت كثيرين ممن أيدوا الانقلاب العسكري يسحبون تأييدهم ويستخدمون ألفاظا خشنة في الهجوم على قائد الانقلاب، وقد دخلت أحزاب وشخصيات مهمة على الخط، وتوج هذا ببيان الفريق أحمد شفيق، الذي قالوا إن غضبته لأنه البيع كان للسعودية وليس للإمارات، وقد تراجع، فلم يقولوا ربما تعرض لضغوط من حكام الإمارات دفعته للعدول عن أقواله. كما قالوا إن رفضه البيع هو مخطط مدروس لتخليق "بديل" للسيسي، ولم يذكروا سيرة للمخطط بعد أن تبين انه لا مخطط ولا بديل!

وهذا كله لا يقبله "شعب الله المختار"، فقضيتهم واحدة، وهي عودة الرئيس محمد مرسي، وهذا الحضور لشخصيات كجنينة وشفيق في المشهد، يمكن أن يحول دون تحقق هذا المطلب، وتبدو لي أن فكرة عودة الرئيس مقدمة عن الحفاظ على الوطن وصيانة استقلاله والحيلولة دون خطر التقسيم الذي أضيف له خطر جديد هو التجزئة!

فجلب المنافع عندهم مقدم على دفع المخاطر، وعودة الدكتور محمد مرسي للحكم هي كل الأمر وذروة سنامه، ولو عاد ليحكم "خرابة"، لدرجة أنني أتصور لو استيقظنا يوما على وفاة الرئيس، مع الدعاء له بطول العمر، لانصرفوا ليسوا معنيين بثورة أو وطن!

إن "شعب الله المختار" هو تعبير عن حالة نفسية وليس عن قيمة ثورية.