رفض
أطباء في المناطق المحررة في
سوريا؛ الإحصائية التي خرج بها النظام السوري قبل أيام وتقول إن نحو 20 في المئة، فقط، من أطباء سوريا خرجوا من البلاد، مشددين على أن الواقع الميداني يشير إلى أن نسبة الأطباء الذين ما زالوا في سوريا لا تتجاوز 10 في المئة.
فإحصائية النظام السوري التي تحدثت عن عودة نحو ألف طبيب خلال العام الماضي، من مجمل 7 آلاف طبيب غادروا البلاد، لا تشمل سوى المناطق الخاضعة لسيطرته، وفق ما يقول أطباء في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.
ويؤكد عدد من الأطباء في تلك المناطق أن النسبة التي خرج بها النظام تخالف الواقع، خاصة أن النظام قال إن عدد أطباء سوريا كان يبلغ 33 ألفا في عام 2011، واليوم انخفض إلى نحو 26 ألفا، وهو رقم يبدو أنه متفائل جدا.
يقول الطبيب عبد الرحمن المسالمة، مسؤول الأطباء في مديرية
الصحة التابعة للحكومة السورية المؤقتة، بمحافظة درعا: "كان عدد الأطباء بدرعا عام 2011 نحو 1150 طبيبا، لكن اليوم لا يتجاوز العدد في مناطق المحافظة المحررة سوى 100 طبيب أغلبهم غير اختصاصيين. وإذا ما تم حساب الأطباء الذين ما زالوا في مناطق النظام، فإن العدد أقل بكثير من 100".
وأضاف: "يمكن أن نخرج بنتيجة تقريبية أن 90 في المئة غادر البلاد؛ لأسباب منها الخوف من الاعتقال من النظام السوري، أو البحث عن حياة أفضل".
وحول تغطية نقص الأطباء في المشافي أكد المسالمة الذي يدير أحد المشافي الميدانية في درعا؛ أنه "كان لطلاب الطب الذين اضطروا لترك الجامعة بسبب ملاحقتهم من النظام السوري دور فاعل في رفد المشافي، فهم تعلموا على مدى خمس سنوات ما لا يمكن للجامعة أن تعلمهم إياه"، وفق تعبيره.
وأشار المسالمة، في حديث لـ"عربي21"، إلى أن المشفى الذي يعمل فيه، يوجد فيه طالبا طب، وهما الآن يقومان بعمليات جراحة عظمية وفتح البطون وغيرها".
وأوضح المسالمة أن "المشافي في مناطق سيطرة المعارضة السورية تطورت خلال العامين الماضيين بعد أن كانت مجرد نقاط طبية بسيطة، ويتم فيها إجراء العمليات المعقدة جميعها، باستثناء العصبية والأوعية، وبعض العمليات الدقيقة التي تحتاج لبعض الأجهزة التي ما تزال غائبة عن المشافي".
وفيما يخص الأطباء الاختصاصيين في درعا، أكد المسالمة أن عدد من بقي فيها لا يتجاوز 20 طبيبا، لافتا إلى أن المحافظة تعاني من نقص شديد من الأطباء الاختصاصيين، بسبب مغادرة الغالبية العظمى منهم البلاد.
وعن دور الحكومة المؤقتة في دعم المشافي، أكد المسالمة أن "دورها معنوي وتنظيمي، فيما الاعتماد على تزويد المشافي بالأدوية والمعدات بقي على المنظمات الإنسانية والإغاثية وهو أيضا شحيح، لا سيما أن الاحتياطي في حده الأقصى لا يتجاوز الأسبوعين"، وفق قوله.
بدوره، يقول الطبيب أنس الشامي، مدير أحد مشافي الغوطة الشرقية بر يف دمشق: "فيما يخص إحصائية النظام، يبدو أن فيها الكثير من الكذب، حيث إن أطباء الغوطة الذين هجروها يبلغون 85 في المئة إن لم يكن أكثر، خاصة في السنتين الأخيرتين، وزادت (
الهجرة) بعد تدخل روسيا، حيث يئس الكثيرون من تحسن الأوضاع"، كما قال.
أما عن أعداد الأطباء الموجودين في الغوطة، يقول الشامي في حديث مع "عربي21": "لا توجد عندي إحصائية، لكن أظن أن العدد 40 طبيبا فقط، أقل من نصفهم مختصون والباقي طلاب طب أو في طور الاختصاص"، مشيرا إلى أن "تنوع الاختصاصات الموجود في الغوطة غير موجود في أي منطقة سورية محررة".
وفي ما يخص وضع المشافي الميدانية في الغوطة، أكد الشامي أنها تقوم بإجراء بعض العمليات المعقدة، لكنها لم تصل للمستوى المطلوب، مُرجعا السبب وراء ذلك للقصف المستمر واستهداف المشافي خلال السنوات الماضية، وهو ما جعل بعضها تخرج من الخدمة بعد تدمير الأجهزة الموجودة فيها، التي لا يمكن تعويضها أو إصلاحها بسبب الحصار المفروض من النظام السوري على الغوطة، حيث يمنع دخول أي شيء حتى ما هو طبي أو إنساني".
كما لفت الشامي إلى أن هجرة الأطباء أتت كهجرة باقي الكفاءات السورية، مشيرا إلى أن "نسبة المثقفين وأصحاب الكفاءات الذين هجروا سوريا، ونحن بأمس الحاجة لهم، يوازي أو يزيد على نسبة الأطباء المهاجرين"، وفق تقديره.
ويبدو أن نزيف الكفاءات في سوريا مستمر، في حين أن هجرة الكفاءات لا تقتصر على الأطباء وحدهم، بل غادرت البلاد شرائح واسعة من مختلف التخصصات.
لكن تبقى شريحة الأطباء الأكثر أهمية وتأثيرا، فسوريا التي اشتهرت بكثرة أطبائها وتميزهم، يوجد اليوم نحو 1500 منهم في ألمانيا بعد أن لجأوا إليها، فيما بلدهم في أَمَسِّ الحاجة لهم.
ويقول الطبيب مسالمة: "نعمل برواتب متواضعة وفي ظروف صعبة.. بالنهاية مهنتنا إنسانية وشعبنا بحاجة ماسة إلينا هذه الأيام، إن لم نكن معهم في هذه الظروف الصعبة متى نكون؟".