تراجع مستوى الرعاية الصحية في
سوريا، ولا سيما الوقائية منها، بعد مرور خمس سنوات على الأحداث الدامية في البلاد، فيما يعد مرض
اللشمانيا أبرز
الأمراض الجلدية التي تعاني منها المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.
وظهر المرض في محافظة
الحسكة (شمال شرق سوريا)، بداية صيف 2014، حيث لم تحاول أية جهة محاصرته والقضاء عليه في المهد.
ويقول الناشط الإعلامي "أبو علي" من الحسكة: "منع النظام الأطباء في مناطق سيطرته من معالجة المرضى في المناطق الخارجة عن سيطرته، ناهيك عن ندرة أطباء الجلدية، وفقدان الأدوية، وغلاء العلاج إن وجد".
وما زاد المعاناة غياب أي دور للمنظمات الصحية الدوليّة. ويوضح أبو علي أن "المنظمات الدولية تستطيع إجبار النظام والقوات الكردية على إدخال اللقاح، لكنها لم تحرك ساكنا".
ولجأ الأهالي للطرق البدائية البسيطة لتجنب اللشمانيا أمام غياب اللقاحات أوعمليات الرش بالمبيدات.
ويقول أبو رامي من أهالي الحسكة، لـ"
عربي21": "نجبر الأولاد على لبس الثياب بأكمام طويلة، ونستخدم الناموسية أثناء النوم حيث تنشط ذبابة الرمل من الغروب إلى الشروق".
من جانبه، يوضح الطبيب حسن الحمود، من ريف حلب الشرقي، أن "مرض اللشمانيا مرض طفيلي، تسببه حشرة أصغر من البعوضة تسمى ذبابة الرمل، ولا يقتصر أثر اللشمانيا على التشوهات الجلدية، فهناك لشمانيا تصيب الأعضاء الداخلية، كالكبد ونخاع العظم والطحال.. قد يحصل للمريض تضخم بالكبد، وبالغدد اللمفاوية"، كما يقول الطبيب الحمود لـ"
عربي21".
ويتابع: "وما يزيد من خطر اللشمانيا الجلدية أنها لا تظهر إلا بعد عدة أسابيع على لسعة الحشرة، وتظهر على شكل حبوب حمراء على الجلد، ولها أسماء شعبية عدة كحبة حلب، وحبة السنة".
ولا توجد إحصائيات دقيقة، لكن المرض بات ملحوظا بمجرد السير في الشارع في محافظة الحسكة. وحاول بعض الناشطين القيام بإحصائيات اعتمدت على المجهود الشخصي، وهي إحصائيات تثير المخاوف مقارنة مع عدد السكان في الحسكة، البالغ 1.3 مليون نسمة.
فبحسب ما يقوله الناشط الإعلامي عبد الله، من محافظة الحسكة وكانت الإحصائية على الشكل التالي: مدينة الحسكة 1532 حالة، القامشلي 2800، الريف الجنوبي 4499، الريف الغربي 2170، الريف الشمالي 1123، الريف الشرقي 1876، فيما يرى ناشطون، ومنهم الناشط الإعلامي، أبو رياض من الحسكة، أنه "ربما هذه الأرقام مبالغ فيها، ولكن هذا لا ينفي أن المرض أصبح ظاهرا للعيان".
وبرزت عوامل إضافية ساعدت على انتشار المرض، ولعلّ أبرزها، كما يؤكد ناشطون، وهي وسائل تكرير النفط البدائية، والجثث المتفسخة، وتردي خدمات ترحيل القمامة.
وترك المرض قصصا مؤلمة، ومن ذلك ما يرويه الناشط المدني محمود، من الحسكة، عن إصابة عائلة في الشدادي، حيث يقول: "أربعة أخوة، ثلاث بنات وطفل، والله إن حالتهم صعبة جدا؛ لأن الحبة حفرت وجوههم بعمق، وهناك تشوهات حقيقية في وجوههم".
وتترك اللشمانيا آثارا نفسية عميقة، ولا سيما عند الفتيات والأطفال. ويقول الأخصائي النفسي عدنان محمد، من ريف حلب الشرقي: "تسبب اللشمانيا أحيانا عقدة نفسية، وخاصة حينما يتعرض الطفل أو الفتاة للسخرية من الزملاء، وما يزيد المعاناة ارتباط المرض في أذهان كثير من الناس بقلة النظافة".
وتزداد احتمالات تفشي المرض هذا الصيف، ولا سيما أن اللقاح شبه مفقود. ويقول الناشط الإعلامي أبو علي، من الحسكة: "يكلف اللقاح حاليا حوالي 200 دولار في حال وجد، ومعظم المواطنين ليس بمقدورهم دفع هذا المبلغ من أجل الوقاية".
وما يفاقم الوضع سوءا هذا العام غياب المنظمات التي تقوم بعمليات رش البيوت بالمبيدات. ويقول الناشط الإعلامي سامي من الحسكة: "سمح تنظيم الدولة سابقا للمنظمات الدولية (منظمة بريطانية) برش المبيدات في مناطق تواجده، ولكن برنامجها حينها لم يشمل الحسكة وريفها. أما اليوم فلا توجد أية منظمة عاملة في كل مناطق تنظيم الدولة والوحدات الكردية نتيجة للظروف الأمنية الصعبة".