أثمرت الجهود التي بذلها رجال دين ودعاة على مدى شهرين متتاليين؛ عن عودة
جيش الفتح إلى ساحة العمل العسكري في شمال
سوريا، لا سيما في ريف
حلب الجنوبي، بعد اعتزاله بشكل شبه كامل إثر خلافات حادة مع الفصائل الأخرى حول حجم الانخراط في الجانب السياسي، إضافة لتراكم خلافات إدارية.
وتحدث مصدر مسؤول في الفصائل المقاتلة، لـ"
عربي21"، عن تشكيل غرفة عمليات مشتركة ضمت عدة فصائل؛ استطاعت في "اليوم الأول من عملياتها القتالية تحرير قرى الخالدية، وخان طومان، وتلة الدبابات ومناطق أخرى انتزعتها من جيش النظام الذي خسر العشرات من جنوده إضافة إلى عدد من الإيرانيين وعناصر حزب الله الذين وقع عدد منهم بالأسر بيد الثوار" في ريف حلب الجنوبي. وتوقع المصدر تحقيق المزيد من التقدم خلال الأيام القادمة، بما "سيترك أثرا على معادلة الصراع في سوريا"، بحسب تعبيره.
وتأتي العمليات القتالية هذه، "بعد أن تأكد جيش الفتح والفصائل المؤتلفة معه من عدم جدية النظام في الالتزام بالهدنة مع الفصائل"، بحسب قول المصدر الذي أوضح أن "جيش الفتح منح الفصائل الفرصة للعمل في المسار السياسي إلى جانب ما يقوم به من عمل عسكري".
وكانت مجموعة رجال الدين والدعاة قد استطاعت "إنقاذ جيش الفتح من التفكك بعد إقناع بعض مجموعاته من العودة إليه"، على حد قول المصدر.
وأوضح أن تشكيلي"جند الأقصى وكتيبة التركستان رفضا العودة إلى ائتلاف جيش الفتح، مفضلين العمل بشكل مستقل وإدارة شؤونهما الأخرى باستثناء التنسيق الميداني مع جيش الفتح".
يذكر أن اتفاقا تم التوصل إليه يعطي كل فصيل "استقلالية القرار العسكري واختيار المنطقة التي يريد التمركز فيها بالتنسيق مع الفصائل الأخرى، فيما لم تعد الفصائل الكبيرة تتحكم بقرارات الفصائل الصغيرة بعد الآن"، حسب قول المصدر لـ"
عربي21".
ولفت المصدر إلى "أن جبهة النصرة عارضت قبل شهرين الانضمام إلى ائتلاف يضمها إلى جانب جيش الفتح"، وتحدث عن "تناسٍ من قبل الفصائل بمطالبة قائد جبهة النصرة، أبو محمد الجولاني، فك الارتباط مع تنظيم القاعدة".
وقال إن فصيلا كبيرا رفض عودة جيش الفتح للعمل العسكري "في هذا التوقيت بالذات"، دون أن يفصح عن اسم الفصيل الذي يخشى "أن يكون الإعلان عن ائتلاف جيش الفتح والفصائل الأخرى محاولة للتفرد بالقرار والخروج عن التوجه العام للثورة السورية، التي اتخذت مسار جنيف كمسار يؤدي إلى حل الأزمة السورية".
وكشف المصدر عن توزيع الجبهات على الفصائل التي عادت إلى العمل تحت مسمى جيش الفتح، مثل جبهة النصرة والتركستان وجند الأقصى في جبهة خان طومان، علما أن تنظيم جند الأقصى لم يعد بشكل كامل لجيش الفتح، بل مجرد مشاركة في العمل العسكري حتى هذه اللحظة.
أما منطقة برنة، في ريف حلب الجنوبي أيضا، فكانت ضمن مسؤولية جبهة النصرة ولواء الحق، بينما قاد فيلق الشام عددا من الفصائل الأخرى في جبهة زيتان، واستلمت أحرار الشام وأجناد الشام منطقة شرق العيس، بحسب قول المصدر الذي أشار إلى أن "جيش الفتح هذه المرة لم يُشكل بدعم خارجي أو ضغوطات، لكن بجهود أطراف حريصة على إنقاذ الثورة وما حققته في الماضي"، وفق تعبيره.
من جهته، قال الناطق باسم حركة أحرار الشّام، أبو يوسف المهاجر، لـ"
عربي 21"، إنّ ما يميز الجيش الجديد عن سابقه، هو عودته بأعداد أكبر، والخبرة القتالية، والتكتيك العسكري في المعارك، منوها إلى أنّ إعادة تفعيل جيش الفتح جاء بعد فترة من ترهل العلاقة بين الفصائل.
وقال المتحدث باسم الحركة، وهي إحدى الفصائل الفاعلة في جيش الفتح، إنّ التنسيق الحالي هو في أعلى مستوى، بفضل وجود قائد عسكري واحد، وغرفة عمليات مشتركة، فضلا عن جمع كل فصائل الجيش في قطاع واحد.
ويرى المهاجر أنّ الضامن لعدم تهلهل العلاقة بين فصائل الجيش من جديد، هو وجود هيئة شرعية عليا كمرجعية لجيش الفتح، وهي مخوّلة بفض النزاعات والخلافات بين تشكيلات الجيش، مع المنع التام لاستخدام أي مظهر عسكري تحت طائلة المسؤولية والمحاسبة الشرعية، وفق قوله لـ"
عربي21".
ويتعهد القائمون على جيش الفتح، بحسب المهاجر، بعدم التدخل في الإدارة المدنية لمدينة إدلب التي يبسط سيطرته عليها، وبأن تكون علاقة الفصائل مع الجيش علاقة إشراف فقط.
وأكد المهاجر أنه "لن يتدخل جيش الفتح في مكونات الإدارة المدنية، إلا بحدود وجود بعض الكفاءات المنتمية لفصائل الجيش، لكن الأصل أن يتم تسليم المسألة للمدنيين"، لافتا إلى أنّ العلاقة مع المدنيين أرهقت كوادر الجيش، إذ تحتاج متابعة شؤون الناس إلى متابعة يومية، وهو ليس هدفا لفصائل جيش الفتح؛ "التي تتركز أهدافها على قتال النظام، ويضع الجيش حلب بريفيها الشمالي والجنوبي، في الوقت الراهن على سلم أولوياته"، قبل أن يستدرك بأنّ "الجيش لن ينسى جبهات الساحل".
ويمثل غياب فصيل "جند الأقصى" عن التشكيل الجديد، واستبداله بـ"حزب التركستان الإسلامي" تطورا في دائرة التحالفات بين الفصائل الإسلامية، وانعكاساتها على الأرض، لكن الناشط الإعلامي معاذ العباس يقلل من شأن هذا الأمر، ويقول لـ"
عربي 21" إنّ تنظيم الجند وفصائل الجيش تقاتل إلى جانب بعضها في كافة المعارك على الأرض.
واستبعد العباس في الوقت ذاته عودة جند الأقصى إلى غرفة عمليات جيش الفتح في المدى المنظور على الأقل، موضحا أنه تم استبدال حند الأقصى بـ"حزب التركستان"، بعد رفض الأول الانضمام له، مع الحفاظ على التنسيق بين الجانبين في المعارك.
ويشير العباس، في حديث لـ"
عربي21"، إلى أنّ عودة جيش الفتح جاءت بعد "جهود من طلبة العلم"، وفي مقدمتهم الداعية السعودي عبد الله المحيسني، و أيمن الهاروش.
ويرى العباس أنّ جيش الفتح اليوم هو "النواة الحقيقية" لاجتماع الكلمة بالشمال السوري، بعدما فسح تشتت الفصائل المجال للنظام السوري والمليشيات التحالف معه؛ للتقدم في بعض المواقع ولا سيما ريف حلب الجنوبي، بهدف فتح طريق للفوعة، قبل أن تطلق الفصائل عملية عسكرية مفاجئة الأسبوع الماضي، سيطرت خلالها على مناطق استراتيجية في المنطقة، وخصوصا خان طومان والعيس.
وأُعلن عن تشكيل جيش الفتح للمرة الأولى في أواخر آذار/ مارس 2015، بهدف السيطرة على مدينة إدلب ومدن أخرى في محافظة إدلب، لكنه سرعان ما أصيب بترهلات عديدة تمثلت بانسحاب جند الأقصى منه، بعد خلافات مع حركة أحرار الشام، إثر الإعلان عن معركة السيطرة على حماة، ومن بعدها قامت جبهة النصرة، المكون الرئيسي فيه، بتعليق عملها، تضامنا مع الجند.
وفي سياق متصل، يبدو أن حركة أحرار الشام لا تولي اهتماما للمحاولات الحثيثة من قبل الروس والإيرانيين لوضعها على لائحة الإرهاب، وخاصة بعد تحالفها الأخير مع النصرة والتركستان، من خلال غرفة عمليات جيش الفتح، إذ يعلق الناطق العسكري باسم الحركة أبو يوسف المهاجر على الأمر، بالقول: "عصا الإرهاب، يلوح به الروس منذ زمن بعيد، فنحن بسوريا، ولسنا خارجها، وما يهمنا هو دحر العدو الصائل، وتحرير سوريا".
وأضاف لـ"
عربي21": "إن كان هذا مدعاة لتصنيفنا على لائحة الإرهاب، فهذا الأمر لن يثنينا عن التحالف مع القوى الفاعلة على الأرض التي يمكن أن تكون صاحبة شوكة في رد العدو الصائل، وهم يريدون من ذلك تصفية الحركة وإنهاءها".