كتب المعلق المعروف في صحيفة "نيويورك تايمز" روجر كوهين، تقريرا يقارن فيه بين عمدة
لندن الجديد صادق
خان والمرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة دونالد
ترامب.
ويقول الكاتب إن "أهم حدث في الأسابيع الماضية لم يكن ظهور ترامب بصفته مرشحا مفترضا للجمهوريين في
انتخابات الرئاسة الأمريكية، بل كان انتخاب نجل سائق الحافلة صادق خان عمدة للندن".
ويضيف كوهين أن "ترامب لم يفز بعد بأي منصب سياسي، لكن المرشح العمالي خان سحق مرشح المحافظين زاك غولدسميث، ليتولى قيادة واحدة من أعظم مدن العالم، فهي مدينة حية تسمع فيها لغات العالم كلها، وفي خطاب النصر ضد الافتراءات التي حاولت ربطه بالمتطرفين الإسلاميين، وقف خان مدافعا عن الانفتاح ضد العزلة والاندماج ضد المواجهة، ومنح الفرصة ضد العنصرية وكراهية النساء، وكان معاديا لترامب".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن خان قبل انتخابه أخبر ستيفن كاسل، من الصحيفة ذاتها قائلا: "أنا لندني وأوروبي، أنا بريطاني وإنجليزي ومسلم الديانة، آسيوي الأصل ومن تقاليد باكستانية، وأنا والد وزوج".
ويعلق الكاتب هنا قائلا إن "عالم القرن الحادي والعشرين سيتم تشكيله بشخصيات متعددة الوجوه، ومن خلال المدن المزدهرة، التي تحتفل بالتنوع، وليست المدن التي يسيطر عليها بلطجية ومتهورون ومتعصبون ورجال بيض يرفعون شعار (أمريكا أولا) ويريدون بناء جدران".
ويقول كوهين إنه "بناء على الدعوة إلى منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة، فإنه لن يسمح لخان، كونه مسلما، من زيارة الولايات المتحدة"، ويبدو أن كوهين كتب تقريره قبل أن يقول ترامب في تصريحات صحافية إنه سيتثني خان من الحظر على المسلمين.
ويعلق كوهين قائلا إنه "لو منع خان، فبحسب عبارة ترامب فإن المنع سيكون (كارثة كاملة)، وسيجعل من أمريكا (مسخرة) في عيون العالم، الذي يشعر بالقرف من صعود المرشح الأمريكي".
ويرى الكاتب أن "انتخاب خان مهم؛ لأنه يكذب الكلام السطحي الذي يتحدث عن سيطرة الجهاديين الإسلاميين على أوروبا، بل إنه يؤكد حقيقة أن الأفعال الإرهابية تخفي وراءها الملايين من قصص النجاح داخل المجتمعات المسلمة في أوروبا".
وتلفت الصحيفة إلى نشأة خان، الذي كان واحدا من سبعة أطفال لمهاجر جاء من باكستان، حيث نشأ في بيت من مساكن البلدية، ودرس ليصبح محامي حقوق إنسان ووزيرا في الحكومة، وحصل على أكثر من 1.3 مليون صوت في انتخابات لندن، مشيرة إلى أنه تفويض لم يحصل عليه أي سياسي في التاريخ البريطاني.
ويؤكد كوهين أن "انتخاب خان مهم جدا؛ لأن الأصوات الفاعلة ضد الإرهاب الإسلامي تخرج من بين المسلمين، وخان من الذين عبروا عن استعدادهم لرفع أصواتهم، حيث قال في خطاب له بعد هجمات باريس العام الماضي، إن على المسلمين (أداء دور خاص) لمواجهة الإرهاب (ليس لأننا مسؤولون أكثر من غيرنا، كما زعم البعض مخطئين، لكن لأننا سنكون أكثر فاعلية في مهاجمة المتطرفين من غيرنا)".
وينوه التقرير إلى أن خان بنى جسورا مع اليهود البريطانيين، وتبرأ بشدة من العداء للسامية الزاحف في صفوف حزب العمال، الذي أدى الشهر الماضي إلى تعليق عضوية عمدة لندن السابق كين ليفنغستون.
وتنقل الصحيفة ما كتبه جورج إيتون في مجلة "نيوستيتمان" قائلا: "سيكون خان شخصية ذات أهمية دولية، ويعد انتخابه تقريعا للمتطرفين من الألوان كلها، من دونالد ترامب إلى أبي بكر البغدادي، الذين يؤكدون أن الدين لا يمكنه التعايش بسلام مع الآخرين".
ويصف الكاتب ترامب بأنه نتاج للخوف والغضب الأمريكي، مشيرا إلى طرد طالب مسلم يدرس في جامعة كاليفورنيا- بيركلي من طائرة؛ لأنه تحدث باللغة العربية، فيما أخرج اقتصادي إيطالي، لون بشرته زيتية وشعره مجعد وخريج من جامعات النخبة الأمريكية؛ لأنه كان يكتب معادلة رياضية رأت فيها الجالسة إلى جانبه في الطائرة مدعاة للشك.
ويورد التقرير وصف الباحث في العلوم السياسية نورم أورنستين لترامب بأنه "الشخص الذي لا يشعر بالأمن، والأكثر أنوية في البلد كله"، وبأنه المتحدث باسم أمريكا الخائفة، التي ترى تهديدا في كل مكان "حتى في عالم رياضيات إيطالي".
ويعلق كوهين بأنه "عندما يعلن ترامب أن (أمريكا أولا هي الموضوع الرئيسي والأكثر إلحاحا لإدارتي) يستمع بقية العالم ويقول إن هذه أمة غاضبة تستعرض عضلاتها".
وتقارن الصحيفة مع هذه الأمة الغاضبة، التي أنتجت شخصيات مثل ترامب، قائلة إن "صعود خان هو قصة انتصار مختلفة، انتصرت على الخوف الذي تولد فيما بعد 11/ 9، وانتصاره يعد تقريعا لأسامة بن لادن، وتنظيم الدولة، والأيديولوجية الجهادية بكل ألوانها، ولكل مثيري الكراهية من السياسيين مثل ترامب، الذي اختار لعبة التخويف من المسلمين".
ويفيد التقرير بأن خان ناقش ضرورة الاندماج، قائلا إن "هناك الكثير من المسلمين البريطانيين الذين ينشأون دون معرفة أي شخص من عرقيات أخرى".
ويستشهد كوهين بما قاله المحلل النفسي سيغموند فرويد، الذي قال: "من المستحيل تجاوز المدى الذي بنيت فيه الحضارات على فكرة التخلي عن الغريزة"، وكتب ترامب قائلا، "لقد تعلمت الاستماع لمشاعري، وهي من أهم الناصحين المهمين لي"، وأضاف: "علينا كأمة أن نكون مزاجيين".
ويجد الكاتب أنه "عندما نجمع ما بين أنوية وبلطجة وقوة لا حد لها ومذاق مدفوع بالمشاعر والمزاج، فإننا سنحصل على خليط قد يعرض الحضارة للخطر، فالأصابع الصغيرة (لترامب) ستتحكم بالزر النووي في حال انتخابه".
ويخلص كوهين إلى القول: "في هذا السياق، يمثل انتخاب خان تطمينا، لأنه يمثل تيارات في العالم، التي تدعو إلى الكرامة الدولية والاندماج، والتي ستثبت مع مرور الزمن أنها أقوى من قبلية ومحلية ترامب".