بعد يوم من أشد الهجمات دموية في العاصمة
العراقية هذا العام، نزل أنصار رجل الدين الشيعي البارز مقتدى
الصدر إلى شوارع بغداد، الخميس، لإدانة الحكومة على فشلها في حمايتهم، ما يصعد المواجهة السياسية التي يمكن أن تقوض الائتلاف الحاكم.
وقتلت هجمات انتحارية، الأربعاء، 80 شخصا على الأقل، وأصابت أكثر من 110 آخرين، ما بين مدنيين وقوات أمنية. كما أسفر تفجيران آخران أعلن تنظيم الدولة مسؤوليته عنهما، الخميس، عن مقتل شرطيين بغرب بغداد.
وسقط أغلب القتلى في مدينة الصدر، وهي معقل مقتدى الصدر، الذي يتمتع بنفوذ كبير. وقاد الصدر احتجاجات في بغداد منذ شباط/ فبراير؛ لمطالبة رئيس الوزراء حيدر العبادي باستبدال الوزراء المنتمين لكتل سياسية بآخرين من المستقلين التكنوقراط.
وشارك المئات من المتظاهرين في احتجاجات في مدينة الصدر، الخميس، حاملين لافتات تدين العبادي ونوري المالكي الذي سبقه في رئاسة الوزراء وشخصيات سياسية بارزة أخرى، وقالوا إن الطبقة السياسية المحصنة تركتهم دون حماية.
وقال متظاهر يدعى على المحمداوي (28 عاما): "هناك حاجة لموقف جاد ضد كل القادة الأمنيين الفاشلين والفاسدين، الذين لم يتمكنوا من حماية المدنيين الأبرياء وممتلكاتهم... إنهم يحمون ويحصنون المنطقة الخضراء، ولا يحمون أبناءهم".
وتحسنت الأوضاع الأمنية إلى حد ما في العاصمة في السنوات الأخيرة، حتى مع سيطرة مقاتلي تنظيم الدولة على مساحات من البلاد واقترابهم من الوصول إلى مشارف بغداد.
لكن مذبحة هذا الأسبوع زادت احتمالات عودة بغداد مرة أخرى إلى أيام كانت فيها
التفجيرات الانتحارية تودي بحياة العشرات أسبوعيا، ما يزيد من الضغط على العبادي لحل
الأزمة السياسية، وإلا فإنه يخاطر بخسارة السيطرة على أجزاء من العاصمة، حتى مع قتال الجيش لتنظيم الدولة في باقي المحافظات.
ضغوط على العبادي
ويقول أنصار الصدر إن النظام السياسي الفاسد قوض القتال ضد "المتشددين الإسلاميين"، ودعوا إلى تسلم الجماعات المسلحة داخل الأحياء المهام من الشرطة للقيام بدوريات في هذه المناطق.
بل إن أحد النواب عن التيار الصدري ذهب إلى حد الإشارة إلى أن أطرافا فاسدة في الحكومة مسؤولة بشكل ما عن تفجيرات الأربعاء لعقاب المواطنين على التظاهر.
وقال حكيم الزاملي في بيان، الأربعاء، إن التفجير الذي استهدف المواطنين في مدينة الصدر يعكس صحة مطالبهم المشروعة بالإطاحة بالفاسدين والمتحزبين ومن يريدون التشبث بمناصبهم.
واتهمت وزارة الداخلية الزاملي بنشر الأكاذيب، وقالت إن أنصار الصدر يساهمون في زعزعة الأمن بالمظاهرات التي تشتت قدرات الشرطة.
وأضافت الوزارة في بيان أن أنصار الصدر يعرضون أمن الناس للخطر، ويتسببون في إثارة قلقهم بشكل يومي، ما يجبر قوات الأمن على حشد جزء كبير من مواردها.
وينتمي وزير الداخلية لمنظمة بدر، وهي إحدى الجماعات الشيعية النافذة في البلاد، التي زاد نفوذها من خلال المساعدة في القتال ضد الدولة، لكن يتهمها الصدر بأنها تتلقى أوامرها من إيران، وتدافع عن مصالح سياسية حزبية.
وتعهد العبادي الذي تولى السلطة عقب اكتساح مقاتلي الدولة لمناطق سنية من البلاد في هجوم مباغت، في 2014، بأنه سيحد من نفوذ الأحزاب السياسية الطائفية، بما يشمل الأغلبية الشيعية التي ينتمي إليها. لكنه يعتمد على ائتلاف من الأحزاب الشيعية القوية للاحتفاظ بالسلطة.
وعرض العبادي على البرلمان حكومة من التكنوقراط، لكن البرلمان لم يوافق عليها. ووقعت مشادات بين النواب داخل قاعة البرلمان قبل شهر، ولم يتمكنوا من عقد جلسة منذ اقتحم المتظاهرون من أنصار الصدر مبنى البرلمان بعدها بأسبوعين.
ومقتدى الصدر هو سليل عائلة من رجال الدين الشيعة النافذين، وسمي حي شيعي يغلب عليه الفقر في العاصمة على اسم والده وحميه، وكلاهما كان مرجعا شيعيا، قتلا إبان حكم صدام حسين. واكتسب الصدر نفوذه الشخصي بعد سقوط صدام متحدثا مفوها معارضا للاحتلال الأمريكي.
كما عاود الظهور بقوة مؤخرا معارضا للأحزاب السياسية الرئيسية، التي ينبثق أغلبها من جذور طائفية، وقسمت السلطة فيما بينها منذ انسحاب القوات الأمريكية في 2011.
وعودة مثل هذه الهجمات الدموية للعاصمة يعزز حجة الصدر القائلة بأن الفصائل الحاكمة لا تحكم قبضتها على الأوضاع في البلاد.
وقال أحمد الشريفي، وهو محلل في بغداد: " بالأمس فرضت الأخطاء الأمنية ضغوطا، ليس فقط على العبادي، بل على العملية السياسية برمتها... كل الأطراف مسؤولة وعرضة للمحاسبة على ما يجري".
دور كبير للفصائل المسلحة
وقال موفق الربيعي، وهو عضو شيعي بارز في البرلمان، ومستشار سابق للأمن الوطني، إنه يتوقع أن تدفع الفصائل الشيعية المسلحة في اتجاه لعب دور أكبر في تأمين بغداد بعد التفجير، ما يضعف من هدف العبادي على المدى الطويل، بإعادة المزيد من السلطة إلى يد الجيش والشرطة.
ولدى سؤاله عما إذا كان يعتقد أن الفصائل ستؤدي بصورة أفضل من قوات الأمن العراقية، أجاب الربيعي بأنهم على الأرجح سيكونون أفضل.
وقال حاتم أبو الغنايمة، وهو قائد في جماعة الصدر المسلحة، إن المناطق المختلفة يجب أن تحميها جماعات محلية، ليس فقط في مدينة الصدر، ولكن يجب أن تكون في كل بغداد والمحافظات الأخرى، التي تشهد أوضاعا أمنية متدهورة.
كما أن نشر مقاتلين إضافيين من الفصائل المسلحة في بغداد يزيد من احتمالات نشوب اشتباكات بين الجماعات المتنافسة.
ويصيب الصراع مؤسسات الدولة بالشلل، ويهدد بتقويض الجهود المدعومة من الولايات المتحدة لهزيمة الدولة، وكذلك الجهود الدولية لتجنيب العراق -وهو عضو أساسي في أوبك- الإفلاس وسط تدني أسعار النفط.
ودعا رئيس البرلمان سليم الجبوري الأحزاب السياسية إلى التوحد بعد هجمات الأربعاء، وقال إن أمن العراق أهم من الاعتبارات السياسية والمصالح الشخصية.
ومنذ 2014، أجبرت القوات العراقية المدعومة بضربات جوية تقودها الولايات المتحدة الدولة على التراجع داخل محافظة الأنبار في غرب البلاد، كما تعد القوات العراقية لهجوم لاستعادة مدينة الموصل في الشمال. وقال متحدث باسم الحكومة الأربعاء إن الدولة خسرت ثلثي المساحات التي سيطرت عليها في 2014.
لكن التنظيم ما زال قادرا على شن هجمات خارج المناطق التي يسيطر عليها.
وتساءل الربيعي عمن يجب أن يحاسب عن أحداث الأربعاء، وقال إن القوات العراقية تحارب مسلحي الدولة، وتعرف أنهم العدو، "لكن ماذا عنا؟ ماذا فعلنا؟