كتبت الصحفية المعروفة جانين دي جيوفاني تقريرا في صحيفة "الغارديان"، عن عملية
الفلوجة، مشيرة إلى أنها قد تؤدي إلى تقديم نصر دعائي لتنظيم الدولة.
وتتساءل الكاتبة قائلة: "كم تستطيع هذه المدينة المدمرة التحمل؟ في الوقت الذي يعاني فيه سكان الفلوجة، فإن
تنظيم الدولة سيحاول تأطير هذه العملية بأنها محاولة من
الشيعة لسحق السنة وإبادتهم".
وتقول دي جيوفاني: "ذكرياتي عن الفلوجة هي الطرق التي تؤدي إلى المدينة، والسهول التي تمتلئ بأشجار النخيل المتمايلة، التي أخبرني صديقي
العراقي ثائر مرة أنها تمثل روح الشعب العراقي، وقال: (إنها رمز الحلم والأمل)، مشيرا إلى سهول خصبة على طول الفرات، كان هذا في رحلة قمنا بها وقطعنا العراق من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه، في نهاية شتاء عام 2003، وكانت قبل أن يسحق الغزو الآمال والأحلام كلها".
وتضيف الكاتبة أن "الفلوجة تتعرض منذ أسبوع لهجوم القوات العراقية المدعومة من الطيران الأمريكي، وتبدو الرحلة وكأنها حدثت في زمن بعيد وأرض بعيدة كان اسمها العراق، فالطريق المؤدي إلى شمال الفلوجة هو طريق حرب كئيبة، قنابل هاون وصواريخ ورصاص، وهو بني اللون، ومليء بالحفر، وتتخلله الأنفاق، التي بناها تنظيم الدولة خلال احتلاله للمدينة قبل عامين، وأخبرني مزارع أسترالي جاء إلى بغداد عام 2010، حيث كان يقوم بتنظيف يديه من الطين الذي علق بهما، أن الأرض (مريضة)؛ بسبب الحرب، وتحتاج إلى جيلين كي تنتج الثمار".
وتتابع دي جيوفاني قائلة: "في الوقت الذي تقوم فيه القوات العراقية المدعومة من الولايات المتحدة، وبمشاركة من المليشيات الشيعية المدعومة من
إيران، بالضغط على تنظيم الدولة داخل الفلوجة، فإن الحياة الزراعية أو أي نشاط إنساني عادي تلاشى، وإلى جانب تنظيم الدولة هناك 500 ألف مدني عالقون في مركز المدينة، الذين قد يتحولون بـ(العبارة الرهيبة) إلى ضرر جانبي".
وتشير الكاتبة في تقريرها، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن "هؤلاء عرضة لقنابل الهاون والهجمات الصاروخية والإرهاب، حيث تقول تقارير إن فرق موت شيعية تتجول في الشوارع، تعيد للذهن ذكريات عملية عسكرية (عملية تنظيف) في تكريت عام 2015، عندما هرب الكثير من المدنيين من بيوتهم، فيما تمت محاصرة مواقع تنظيم الدولة وتم قصفها".
وتجد دي جيوفاني أن "ما يحوم في الأفق هو كارثة إنسانية جديدة، حيث قال مجلس اللاجئين النرويجي إن حوالي 867 من سكان الفلوجة استطاعوا الوصول إلى مخيمات النازحين منذ 21 أيار/ مايو، وقال مدير الفرع العراقي ناصر المفلحي إن المجلس لديه الماء ليقدمه إليهم عندما يصلون بسلامة إلى المخيمات، ويتساءل: (كيف سنواجه سكان الفلوجة إن تخلينا عنهم في حالة وصولهم إلى المخيمات)".
وتتساءل الكاتبة قائلة: "لا ماء، وقصف وخوف وانتقام، وقتل لا يتوقف، إلى متى سيتحمل الشعب العراقي هذا كله؟ في أثناء حرب الخليج الأولى عام 1991، عانى سكان الفلوجة أعلى نسبة من الضحايا، بحسب منظمة (هيومان رايتس ووتش)، وقبل عقد من الزمان قاتل المارينز الأمريكي، الذين كانوا يتجولون في الشوارع، ويركلون البيوت بأقدامهم، لقتل المتمردين (معظمهم مقاتلون أجانب)، وقتل الآلاف، وأصبح اسم الفلوجة في حد ذاته مرادفا للفشل".
وتعود دي جيوفاني للتساؤل مرة أخرى: "ماذا عن الأثر طويل الأمد لهذا النزاع المرعب؟ فكل طفل ولد فيما بعد عام 2003، ونجا في هذه العشرة أعوام كلها، بما فيها العيش تحت ظل تنظيم الدولة، سيحمل دون شك في داخله الحقد والانتقام والأسى".
وترى الكاتبة أنه على المستوى الجيوساسي، فإن معركة الفلوجة ستزيد من الانقسام العرقي والإثني، الذي يتردد صداه أبعد من محافظة الأنبار، وتقول: "في رحلة قريبة لإيران، وهي الأولى التي يسمح لي بها منذ 15 عاما، شعرت للوهلة بالأمل، وشعرت بسذاجة الفكرة التي تفيد بأن إيران فيما بعد رفع العقوبات ستتقدم التصالح والانسجام مع جيرانها السنة، خاصة السعوديين، وكان هذا شعورا مثاليا، فالحرب الدموية في سوريا، التي يشارك فيها مقاتلو حزب الله المدعومين من إيران لدعم بشار الأسد ضد المعارضة السورية المدعومة من قطر وتركيا والسعودية، بالإضافة إلى الدور الذي تؤديه إيران في العراق، لن تؤدي بالتأكيد إلى رأب جراح العلاقات، حيث أشارت الصحف العربية في الفترة القريبة إلى أن قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني، هو الذي يقود العملية إلى جانب المليشيات المدعومة من طهران".
وتفيد دي جيوفاني بأن "السكان السنة المحرومين في الفلوجة، وفي كل العراق، هم في تضاد مع الحكومة العراقية وقوات التحالف الدولي، ويقوم تنظيم الدولة باستغلال وضعهم، وتقديم رواية بديلة، مفادها أن العمل الذي يقوده الشيعة يهدف إلى محو السنة".
وتلفت الكاتبة إلى ما كتبه حسن حسن من "تشاتام هاوس" في لندن، حيث قال إن الحملة على الفلوجة تلعب على وتر أيديولوجية تنظيم الدولة، الذي يقدم نفسه بصفته "حارسا للسنة"، وتقدم في هذه الحالة هدية لهم "كانوا ينتظرونها منذ مدة"، حيث إن عملية تطهير تكريت، مسقط رأس صدام حسين، في آذار/ مارس، خلفت شكا وعدم ثقة وغضبا بين السنة، وستزيد معركة الفلوجة الوضع سوءا.
وتجد دي جيوفاني أن "عملية (تطهير) فوضوية وشرسة قد تنفر السنة أكثر من الدولة العراقية، حيث حطم التحالف، الذي قادته الولايات المتحدة، العراق عندما لم يقض الوقت الكافي لحل مشكلات البلاد وتشكيل حكومة جديدة، وترك الشعب العراقي يتعفن خارج المنطقة الخضراء، التي يعيش فيها من لديهم المال من السفراء ومسؤولي الأمم المتحدة والنخبة السياسية، أما المنطقة الحمراء فهي التي يعيش ويعمل فيها الناس الحقيقيون".
وينقل التقرير عن الجنرال ميك بدنيرك، الذي خدم في بغداد في الفترة ما بين 2013 إلى 2015، قوله: "يظل هناك قلق حول حدوث انتهاكات حقوق إنسان ضد السكان السنة في الفلوجة في أثناء المعركة"، ويضيف: "الوضع حساس، ولو ظلت المليشيات الشيعية في ضواحي الفلوجة، فإن هناك فرصة لتحقيق نجاح دون تداعيات سياسية".
وتورد الصحيفة نقلا عن الجنرال سكوت مان، وهو من أصحاب الخوذ الخضر، الذين عملوا في العراق، قوله إنه من الضروري تطهير الفلوجة والمناطق الأخرى من تنظيم الدولة، مستدركا بالقول: "إلا أننا نستخدم استراتيجيات مكافحة التمرد الفاشلة قبل 15عاما، التي أسهمت في تدهور الوضع"، حيث يعتقد مان أن "عملية الفلوجة ستكون مهلة قصيرة الأمد من خطر تنظيم الدولة، لكنها على المدى البعيد ستكون كارثة، والرابح الوحيد في هذه اللعبة هو تنظيم الدولة، فهي تلعب لصالح خطتهم، لديهم خطة واحدة، أما نحن فلسنا كذلك، وخطتهم تقوم على الترويج لفكرة أن السنة يواجهون خطرا وجوديا بسبب الشيعة، ويجب ألا ننسى أن إثارة العنف بين السنة والشيعة كانت دائما جزءا من استراتيجية تنظيم الدولة، ومنذ تنظيم القاعدة، الذي سبقه، حيث دمر مساجد الشيعة عام 2006."
وتعلق الكاتبة بالقول: "نعرف وحشية تنظيم الدولة، وكيفية استخدامه الناس الأبرياء والمدنيين العالقين في الفلوجة؛ من أجل نشر رسالته الرئيسية، وتصعيد ما يطلق عليها مان رسالة (الدعوة الجهادية لحمل السلاح)".
وتعتقد دي جيوفاني أن "العراق لا يقام إلا عبر العمل بجهد مع السنة، وبمساعدة من عمليات خاصة، تبدأ من القاع إلى القمة، ونحن بحاجة إلى إعادة النظر في الاستراتيجيات ذات الآثار السلبية، التي عفا عليها الزمن، ونحن بحاجة لتحمل المسؤوليات، واليوم الذي سيظهر فيه توني بلير وجورج
بوش الندم هو اليوم الذي سنبدأ فيه من جديد".
وتنقل الكاتبة عن الجنرال بدنيرك، قوله: "الموضوع الأصعب هو ماذا بعد؟ ويجب أن نعطي شرطة الفلوجة المحلية والقبائل هناك الفرصة للحفاظ على الأمن الهش، وإعادة الإدارة، وتقديم الخدمات للناس"، مشيرا إلى أن "الدمار الذي أصاب البنية التحتية كبير جدا".
وتقول دي جيوفاني: "في الأيام التي تلت سقوط الموصل عام 2014، تجولت في شوارع بغداد، وتحدثت مع المجندين المتحمسين من الشيعة، الذين سكنتهم الرغبة بسحق تنظيم الدولة ومعاقبة السنة على جرائم صدام حسين".
وتضيف الكاتبة: "لم يمض وقت طويل على سقوط الموصل، حتى بدأت بزيارة مشارح بغداد، حيث كنت أذهب هناك لأحدد طبيعة المسار الذي يتخذه النزاع والحرب، وكنت أشاهد ضحية شيعيا على يد متشدد سني، أما الآن فإن الطبيب الشرعي يريني الضحايا السنة واحدا تلو الآخر، الذين قتلوا على يد الشيعة، وأخبرتني امرأة وجد شقيقها مقتولا بعد تعذيبه، ورميت جثته قرب حديقة، أن المليشيات جاءت إلى البيت وأخذته، وتقول: (صرخوا بأن هذا نتيجة ما فعلنا في الموصل)، وتؤكد المرأة أنها لم تزر الموصل في حياتها".
وتختم دي جيوفاني تقريرها بالقول: "قال بوش مرة، وهو مهندس الدمار في العراق: (سيكتب العراقيون تاريخهم بأنفسهم، ويعثرون على طريقهم)، لكن الحملة في الفلوجة لن تقود إلى الطريق الصحيح، ومع مرور الأيام وتعرجها في الطرقات، لا أزال أحن إلى الرحلة في الأيام الأخيرة من العراق مع صديقي ثائر، وتبدو كأنها بعيدة جدا".