كتاب عربي 21

أزمة السيولة من جديد وغياب الحل المركزي

1300x600
كتبنا في مقال سابق عن مشكلة السيولة والحل المطروح وهو طباعة كمية إضافية من العملة المحلية، وتطرقت للجدل الذي دار حول صلاحية العملة التي أشرف على طباعتها المصرف المركزي بمدينة البيضاء، حيث أصبح لكل برلمان وحكومة مصرفهما المركزي.

بعض الجديد هو تضارب المعلومات وتغير المواقف، ففي زمن كتابة المقال السابق كان موقف المجلس الرئاسي هو رفض العملة التي طبعها المصرف المركزي التابع للبرلمان، والحجة هي أن مركزي البيضاء لم يلتزم بما تم الاتفاق عليه خلال اجتماع  تونس شهر أبريل الماضي، حيث أكد المجلس والمصرف المركزي طرابلس أنه قد اتفق على أن يسلم مركزي البيضاء عينة من النقد المطبوع في روسيا، وأن يتم الاتفاق على سياسة التوزيع، ويبدو أن محافظ البيضاء لم يقم بما اتفق عليه فكانت ردة الفعل اعتبار العملة المطبوعة في حكم المزورة.

بعض الجديد الآخر هو عودة المجلس الرئاسي إلى خطاب أقل تشددا، بل أعلن أنه في اتجاه معالجة الأزمة وقبول النقد المطبوع في روسيا، لكن مركزي طرابلس استمر حتى هذه اللحظة على موقفه الرافض للعملة، وكان لرفض مركزي طرابلس تبعاته حيث رفضت مصارف تجارية كبرى، خاصة التي مقرها العاصمة، قبول العملة، الأمر الذي أربك سياسة توزيع العملة الجديدة. فالمطروح حتى الأمس هو أن يستلم مصرف تجاري واحد نحو 75% من العملة المطبوعة من بين ست مصارف تجارية كبرى، وهو ما يشكل عقبة أمام وصول النقد إلى مستحقيه كافة، وهم أغلبية الليبيين.

الجدل الدائر يتمحور حول نقطتين أساسيتين: الأولى هو جدل الصلاحيات حيث يؤكد الرافضون للعملة أنها طُبعت مِن قبل مَن لا صلاحية له، فمركزي البيضاء في نظرهم هو فرع لمركزي طرابلس، ووفقا لقانون المصارف الصادر في العام 2005 ، فإن المركزي المعترف به مقره طرابلس ولا شرعية لأي قرار صادر من البرلمان ما لم يتم تعديل القانون، ثم إن قرار المحكمة العليا الذي حل البرلمان أبطل كل القرارات الصادرة عنه.

النقطة الثانية، وهي منصرفة عن النقطة الأولى، وتقوم على إخلال محافظ البيضاء بما تم الاتفاق عليه في تونس كما سبق الإشارة، الأمر الذي عزز من شكوك الرافضين بسبب تجاهل الاتفاق، ومن ضمن هذه الشكوك فساد محتمل باعتبار أن دولة الطباعة روسيا، أيضا تحدث البعض أن تملص محافظ البيضاء إنما يؤكد ما يقال حول التخطيط لدفع جزء من النقد المطبوع لخليفة حفتر لإنجاز مهامه العسكرية.
المشكلة المحورية التي يبدو أن المجلس الرئاسي قد تيقظ لها، لكنه ما يزال غير حازم في معالجتها من خلال الترتيب والتنسيق بين المركزيين في طرابلس والبيضاء حول العملة المطبوعة، هي الاحتقان في الشارع الليبي جراء النقص الكبير في السيولة، والطوابير الطويلة على المصارف وعودة معظم المواطنين خاليي الوفاض، أو بقليل من المال الذي لن يسد الحاجات الأساسية، فكيف بغيرها من الحاجات وشهر رمضان الفضيل على الأبواب!

ما يتخوف منه خبراء الاقتصاد والسياسات النقدية، هو ما يترتب على تداول كميات إضافية من العملة المحلية من مضاعفة الضغوط التضخمية، وهو أمر مؤكد؛ فالمتداول من النقد المحلي بإضافة العملة المطبوعة سيقترب من 30 مليار دينار، وهو رقم كبير ويتجاوز المسموح به وفق النظريات الاقتصادية التي تضبط حجم النقد المتداول، بنسبة لا تتعدى 15% من إجمالي الودائع تحت  الطلب البالغة نحو 75 مليار دينار ليبي، وأن النقود الجديدة ستنضم إلى المليارات المكتنزة خارج المصارف لتستمر أزمة السيولة بل تشتد.

لكن التحدي الكبير هو المعاناة الشديدة ثم حالة الفوضى المحتملة، وذلك إذا لم يتحصل المواطن على ما يكفيه من المال خلال شهر رمضان والعيدين الفطر والأضحى، فالنقد الذي وصل وتم الاتفاق على تمريره وفق مقررات اجتماع تونس، يمكن أن يُتفق من جديد على توزيعه كحل مؤقت حتى يتم معالجة جذور أزمة السيولة، أو تعتمد سياسات آنية أكثر فاعلية لاحتوائها، وذلك بعد استيفاء الاشتراطات التي تم الاتفاق عليها.

فهل يستوعب صناع السياسة النقدية أن التحدي كبير، وأنه يمكن معالجة أي مخاوف وآثار سلبية تتعلق بالعملة المطبوعة لاحقا، أم إن الدوافع أكبر من مجرد تخوفات اقتصادية ونقدية أو حتى قانونية؟!