مع تصاعد تدفق الجيوش و العصابات الإيرانية في العمقين العراقي و السوري، وتهديدات المليشيات الطائفية الوقحة والإرهابية المرتبطة بالنظام الإيراني و مؤسساته الداعمة للإرهاب الإقليمي، تبدو الصورة في المنطقة متشابكة بشكل مرعب، كما تبدو مخاطر حقيقية لتصعيدات خطرة آتية في صراعات دموية بلغت الذروة بعد وصول الأوضاع لحالات حرب أهلية تدميرية حقيقية في الساحات السورية والعراقية و اليمنية، مع سيوف التهديدات الإيرانية المرفوعة دائما والموجهة ضد أمن وسلامة ووحدة وانتماء مملكة البحرين ! وحشية الإرهاب الإيراني تجاوزت كل الحدود مع إصرار طهران الراسخ على تعميق تدخلاتها في المنطقة ومحاولة بناء مجال حيوي إمبراطوري معمم يريد الاستحواذ الواضح على المنطقة وشعوبها ليضعها تحت إبط نظام الولي الفقيه البائس! وليس ثمة شك في أن تلكم المغامرات الإيرانية لا يمكن أبدا أن تجد فرصتها من النجاح في ظل المقاومة الحيوية للشعوب الحرة وإنزالها الخسائر الجسيمة بالآلة العسكرية العدوانية الإيرانية التي تعاني اليوم من نتائج حرب استنزاف دموية مرهقة ستترك نتائجها الحتمية على طبيعة وهيكلية النظام الإيراني السائر في طريق التضعضع والانهيار الحتمي، فالطموحات حدود ستنتهي بكوارث حتمية.
بعد ذلك ليس من الغرابة في شيء أن يرتفع من جديد صوت ثعلب السياسة الإيرانية وقطبها الكبير حجة الإسلام هاشمي رفسنجاني، وهو يحدد بوضوح وبلغة لا تنقصها الخبرة الديبلوماسية والميدانية الواسعة مكامن الخلل في السياسة الإيرانية الراهنة التي دخلت ضمن وضع استنزافي مرهق تم استدراج النظام الإيراني إليه، وهو يحاول تنفيذ مخططاته التبشيرية والانقلابية القديمة منتهزا فرصة الظروف الشاذة الراهنة التي تعانيها عدد من دول المشرق العربي المجاور، وخصوصا في العراق وسورية تحديدا، وحيث تدور رحى معارك استنزافية كبرى وشاملة وجد النظام الإيراني فيها نفسه وهو يلعب أدورا مركزية في حلقاتها المتصاعدة فالرئيس الإيراني الأسبق ورئيس مصلحة تشخيص النظام الحالي الشيخ رفسنجاني ليس مجرد مسؤول سياسي عادي في نظام سياسي معين، بل انه من جيل القادة المؤسسين، ومن الذي تركوا بصماتهم الواضحة وما زالوا في بنية النظام الديني القائم هناك وله دور قيادي مركزي وتاريخي في قيادة عمليات الحرب الشرسة ضد العراق (1980/1988)، كما أن لموقفه ورؤيته الدور الواضح والمؤثر في وقف العجلة الدموية لتلك الحرب في أغسطس 1988 والتي اضطر وقتذاك الخميني لإيقافها معتبرا ذلك بمثابة تجرع لكؤوس السم الزعاف وخلال تلك السنوات تقلد رفسنجاني مختلف المناصب و المسؤوليات متنقلا بين رئاسة مجلس الشورى، ومن ثم رئاسة الجمهورية، وكان له الفضل الأكبر في ترشيح وتعيين علي خامنئي كخليفة للخميني بمنصب الولي الفقيه رغم عدم وصوله لمرحلة الاجتهاد، ولكنها كانت ظروف تأمين النظام الثوري في الزمن الصعب.
بعد ذلك جرت في إيران مياه ودماء عدة تحت كل الجسور، وانكفأ النظام الإيراني على ذاته لتعزيز صفوفه الداخلية بل تعامل مصلحيا مع عدوه القديم نظام الرئيس الراحل صدام حسين، وزار رفسنجاني شخصيا العراق كاسرا الفتور والتوتر الكبير في العلاقات، ويسجل للرجل مواقفه الانفتاحية وروحه البراغماتية أيام رئاسته للجمهورية وانفتح أيضا على الرياض والمحيط الخليجي وأرسل رسائل سلام لدول المنطقة، ولكن الخطوط الأخرى في النظام الإيراني هي التي فرضت سياستها في نهاية المطاف، وخصوصا جهاز الحرس الثوري الذي تم بناؤه تحت ظلال صواريخ الحرب مع العراق ليكون بديلا عن الجيش النظامي الذي لا يطمئن له النظام حتى ابتلع الحرس الدولة و أضحى الآمر الناهي في تقرير استراتيجية الدولة وتحرك النظام وتراجع دور رفسنجاني للصفوف الخلفية رغم تاريخه وولائه وأفضاله على النظام القائم، وهو اليوم حينما يحذر من اتساع مساحات التورط والانغماس في مشكلات المنطقة، ويشير للخسائر الكبيرة التي يتعرض لها النظام ومؤسسته العسكرية التي خسرت الكثير من قادتها الميدانيين والمؤسسين فهو إنما يشير ويحذر لحالة انهيار آتية لا محالة فالنظام الإيراني اليوم على عداء ليس مع أنظمة المنطقة فقط، بل مع شعوبها، فهو يضرب الشعب السوري واللبناني، وله القدح المعلى في انهيار الأوضاع العراقية ووصولها للحالة الكارثية بعد أن أسس ومول وخطط وقاد لمليشيات طائفية متوحشة، تغولت كثيرا وهي تعمل حاليا بنشاط وأجندة واضحة لربط العراق بأسره بالنظام الإيراني. وهي حالة غير مسبوقة في التمدد دون تجاهل ما تقوم به إيران في جنوب الجزيرة العربية في اليمن وفي مملكة البحرين، وأمور وملفات أخرى لعل أهمها إن حالة الاستنزاف الإيرانية القائمة ستنتقل مؤثراتها المباشرة للشارع الإيراني قريبا وبما يهدد بنشوء أوضاع شبيهة بتلك التي انطلقت خلالها شرارة الربيع الإيراني العام 2009.
ورغم أن التبرير الإيراني للتمدد والانتشار العسكري الواسع والممتد من أفغانستان وحتى بيروت ومضيق باب المندب أيضا هو لحماية العمق الإيراني عبر القتال في الخارج بدلا من انتظار العدو المفترض في الداخل!؟ إلا أن ذلك التبرير المفتعل لا يصمد أبدا أمام ضرورة توفير الموارد لدعم البنية الداخلية وليس لتحقيق أهداف و تطلعات خارجية ويبدو أن هاشمي رفسنجاني في تحذيراته العلنية يعي جيدا طبيعة الأزمة الداخلية التي تهدد بانفجار الأوضاع الداخلية، رفسنجاني هو أكثر القادة الإيرانيين الذين يعرفون توقيتات الهجوم والانسحاب! وهو بتحذيراته يستبق كارثة محتملة قادمة؟ فهل سيستمع الإيرانيون لصوت العقل ويستفيدون من الخبرة التراكمية لقطب مؤسس من أقطاب نظام ما زال محتارا في تحديد مجالاته الحيوية.
عن صحيفة السياسة الكويتية