عاصفة من الأسئلة عقبت إلقاء القبض على منفذ ما عرف بـ"
عملية مكتب مخابرات
عين الباشا والبقعة"، التي راح ضحيتها خمسة من منتسبي جهاز المخابرات العامة في الأردن، فجر الاثنين، من قبيل "كيف دخل المنفذ -حسب صور الكاميرات المثبتة- الى داخل مبنى المخابرات؟ وكيف قتل جنديين وسيطر على سلاحيهما، وقتل ثلاثة آخرين ثم لاذ بالفرار؟ وأين تلقى التدريب لتنفيذ عملية بهذه الاحترافية كذئب منفرد؟".
وبحسب مصادر أمنية أردنية؛ فإن "المشتبه به لديه سجل أمني في دائرة المخابرات الأردنية، حيث كان معتقلا في وقت سابق بتهمة الانتماء لتنظيمات متشددة"، بينما أظهر تقرير الطب الشرعي أن الجنود الأردنيين تعرضوا لإصابات قاتلة في الرأس، ما يدل على أن المنفذ شخص غير مبتدئ.
وقرأ محللون أمنيون وخبراء في الجماعات الجهادية، العملية من زوايا عديدة، أبرزها عودة التنظيمات الجهادية إلى ما يسمى "الأسلوب الكلاسيكي" أو "
الذئاب المنفردة" في قتال الأنظمة العربية وأجهزتها الأمنية، بعد تراجع نفوذ هذه التنظيمات في سوريا والعراق.
وقال المحلل الأمني والاستراتيجي عامر السبايلة: "إننا أمام سيناريو (داعش2) المتمثل بضربات في أماكن حساسة بشكل منفرد، وذلك بعد انحسار قدرة التنظيم على العمل في الرقة، وقبلها تدمر وحلب، وتقدم الجيش العراقي باتجاه الفلوجة".
وأضاف لـ"
عربي21" أن هذه التنظيمات تستهدف أماكن حساسة وجديدة؛ من أجل الشحن المعنوي، والتخفيف من الضغط في أماكن الصراع الرئيسة، ولا شك أن الأردن إحدى المحطات التي تشكل هذه المواجهة".
وتوقع السبايلة "تنفيذ عدة عمليات بنفس الأسلوب المنفرد في عدة دول، منها أوروبا، ما سيقلل من نشوة النصر لدى التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، بعد مقدرة
داعش على ضرب أجهزة المخابرات في معاقلها".
وظهر مصطلح "الذئاب المنفردة" في وسائل الإعلام وعلى ألسنة المحللين؛ بعد الدعوة التي أطلقها الناطق باسم
تنظيم الدولة، أبو محمد العدناني، في عام 2014، عندما دعا إلى "استنفار أي مقاتل أو نصير أو موحّد، استعدادا لمواجهة التحالف الدولي"، ويعني هذا المصطلح أن منفذي العمليات يقومون بها من خلال خلايا صغيرة، دون وجود تسلسل قيادي كما هو معمول به داخل التنظيم.
بصمات تنظيم الدولة
من جهته؛ قال الباحث في شؤون الجماعات الجهادية، مروان شحادة، إن "عملية
البقعة تحمل بصمات تنظيم الدولة، من حيث أسلوب إطلاق النار، والمواجهة الشخصية".
وقال لـ"
عربي21" إنه "من غير المستبعد أن يكون المنفذ من الذئاب المنفردة التي تحمل أفكار داعش، حيث يقوم هؤلاء الأشخاص بالتخطيط والتنفيذ، دون أن يتبنى التنظيم العملية رسميا، ومثال ذلك أن داعش لم يتبنّ عملية إربد؛ لا من قريب، ولا من بعيد".
وأضاف أنه "بالرغم من التهديدات والعداء الذي يكنه تنظيم داعش للأردن؛ فإنه لم يقم بتنفيذ عملية تستهدف الأجهزة الأمنية بطريقة معهودة، كاستخدام السيارات المفخخة، حيث إنه يلجأ إلى ما تسمى (الذئاب المنفردة)".
وحول توقيت العملية في الساعات الأولى لبداية شهر رمضان؛ أوضح شحادة أن "التوقيت فيه رسالة عنيفة للأجهزة الأمنية، مفادها أن هذا التنظيم في حرب مع هذه الأجهزة، وأنهم يستهدفون أمن البلاد واستقرارها".
الزج بالمخيمات الفلسطينية
وأثارت محاولة ربط العملية بمخيم البقعة للاجئين الفلسطينيين، ردود فعل وُصفت بأنها "تروج لخطاب الكراهية". ونقلت وسائل إعلام أردنية أن مكتب المخابرات الذي وقعت فيه الحادثة هو داخل حدود مخيم البقعة، بالرغم من أنه يبعد عدة كيلومترات عن حدود المخيم، ويدعى رسميا بـ"مكتب مخابرات عين الباشا والبقعة".
وزادت حدة "خطاب الكراهية" بحق المخيمات في الأردن، بعدما تردد في وسائل التواصل الاجتماعي أن المنفذ يسكن مخيم البقعة، وأنه أردني من أصول فلسطينية، حيث تعالت أصوات تدعو إلى ضرورة "تطهير المخيمات، واعتبارها بؤرا إرهابية" كما وصفها عدد من الصحفيين والناشطين على مواقع التواصل.
وواجه هذا الخطاب ردة فعل مغايرة من قبل نشطاء مؤسسات مجتمع مدني وصحفيين ومواطنين؛ طالبوا بعدم تحميل المخيمات مسؤولية "فكر متطرف" ينتشر في مدن أردنية، ولا يقتصر على بقعة جغرافية محددة.
وحذر الخبير الأمني والاستراتيجي عامر السبايلة، من "تسويق هذا الطرح العنصري الذي تسعى له التنظيمات المتطرفة، وتهدف من خلاله إلى وضع الدولة الأردنية في سيناريوهات مخيم نهر البارد وعين الحلوة واليرموك، حيث عملت هذه التنظيمات على تفكيك هذه المخيمات، وطرد الناس منها، وخلق صدامات مع الدول المضيفة"، بحسب قوله.
وذهب السبايلة إلى القول بأن "الدولة الأردنية أوعى من أن تنساق وراء هذا السيناريو، بدليل عدم وجود مظاهر أمنية داخل مخيم البقعة" على حد قوله، "بالإضافة إلى دور أهل المخيم كجزء من المنظومة الأمنية في الحفاظ على الأمن".
وأضاف أن "من اختار مكتب
مخابرات البقعة؛ كان يهدف إلى ضرب هيبة الدولة؛ من خلال ضرب مكتب المخابرات، ثم الانتقال إلى سيناريو مواجهة الدولة الأردنية داخل المخيمات، في وقت يتحدث فيه العالم عن تصفية القضية الفلسطينية، وإسقاط حق العودة".
من جانبه؛ توقع شحادة أن تشهد المرحلة القادمة اعتقالات كثيفة في صفوف أنصار التيار السلفي الجهادي الذين يتعاطفون مع تنظيم الدولة، متوقعا أن "تزداد الحملات الأمنية بحق المنتسبين للتيارات المتشددة صلابة، لتشمل متعاطفين مع تنظيمات أخرى كالقاعدة وجبهة النصرة".
وتشير الأرقام الرسمية الأردنية، بحسب تقديرات وزارة الداخلية، إلى وجود سبعة آلاف سلفي جهادي في المملكة، منهم ألفا جهادي متعاطف مع تنظيم الدولة، و1300 انضموا إلى القتال مع جبهة النصرة والتنظيمات الأخرى، بينما يرى خبراء وقيادات في الجماعات السلفية أن العدد يفوق ذلك.
إقرأ ايضا: سلفيو الأردن يواجهون الـ"سلفي فوبيا" بسبب تنظيم الدولة