نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية تقريرا للكاتب ديفيد غاردنر، قال فيه إن جهاديي
تنظيم الدولة يعانون من ضغوط كبيرة.
ويشير التقرير إلى أن معقل تنظيم الدولة الغربي في الفلوجة في
العراق، يبدو على وشك السقوط، في الوقت الذي بدأت فيه بغداد بمساعدة الطيران الأمريكي في محاولة استعادة الموصل، التي استولى عليها التنظيم قبل عامين، في اختراق حدودي خاطف عبر الحدود السورية، حيث قام بربط الأراضي التي أعلنها أراضي "الخلافة" فيما بعد.
ويقول غاردنر إن "قوات التحالف الذي تقوده أمريكا تدفع جنوبا باتجاه الرقة في
سوريا، وتهدد آخر متنفس للعالم الخارجي على الحدود التركية غرب الفرات، فهل بدأت الخلافة بالتصدع؟ وهل سينجح الرئيس أوباما في طرد تنظيم الدولة من الرقة والموصل قبل انتهاء ولايته؟".
ويعلق الكاتب قائلا: "تبدو هذه التطورات من ناحية عسكرية ممكنة، لكنها بعيدة، حيث إن هناك قوى كثيرة، لها أهداف مختلفة، وأثبت تنظيم الدولة قدرته على توجيه ضربات قوية حتى في حالات التقهقر، وحتى لو تمت هذه العمليات كلها بنجاح، فإن السياسات في الميدان وخارجه ليست واعدة، ولذلك يصعب تخيل هزيمة أكيدة لتنظيم الدولة، لقد شاهدنا هذا الفيلم من قبل".
وتلفت الصحيفة إلى أن تنظيم القاعدة، الذي سبق تنظيم الدولة، وصل إلى مرحلة اقتربت من الانتهاء، بعد الحملة التي قادتها أمريكا عامي 2007 و2008 في العراق، مستدركة بأن الجهاديين عادوا وبشكل أقوى بعد خمس سنوات، حيث كان السلاح الذي حسم المعركة حينها هو الصحوات، التي تألفت من تحالف من المقاتلين السنة، بلغ عددهم 100 ألف، ثاروا ضد تنظيم القاعدة لاستيلائه على صلاحيات العشيرة.
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن الصراع في سوريا ولد شعورا لدى الأكثرية السنية بفشل الغرب في تقديم الدعم للثوار الرئيسيين ضد نظام بشار
الأسد، حيث إنه خلق الفراغ المثالي بالنسبة لتنظيم الدولة، لإعادة التجمع ثم القفز إلى العراق، لافتا إلى أن السنة في كلا البلدين دُفعوا دفعا لتأييد تنظيم الدولة والتنظيمات الإسلامية الأقل تطرفا، التي تدعمها السعودية وتركيا.
ويتساءل غاردنر: "ما هو الوضع الآن؟ في الوقت الذي تستمر فيه القوات العراقية بالتعمق أكثر في الفلوجة، يُطحن المدنيون السنة الفارون بين حجرين، حيث إن تنظيم الدولة يقتل من يحاول الفرار، ومن ينجح في الفرار يقع في يد المليشيات الشيعية، التي تشكل الطوق الخارجي في حصار الفلوجة، ويعذب للاشتباه بكونه متعاطفا مع تنظيم الدولة، وفي سوريا يخشى السنة من أطماع المليشيات الكردية، وهي الأداة الأمريكية الأنجع ضد تنظيم الدولة، وفي الرقة يقوم تنظيم الدولة بالإعدامات بالجملة، لأولئك الذين يشك في ولائهم، كما أن قوات الأسد المدعومة من إيران وروسيا تتجه نحو الرقة، وإن كان تركيزها الرئيسي يبقى على القضاء على الثوار السنة الآخرين".
وتنوه الصحيفة إلى أن "هناك مئات الآلاف من السنة العاديين العالقين بين الديكتاتورية والإرهاب، بين طائفية دمشق وبغداد ووحشية تنظيم الدولة، هذا هو الحال بشكل مبسط، فالوضع القائم هو ساحة معركة يتغير شكلها، وتتغير التحالفات فيها، لكن دون وجود خطاب سياسي شامل لتغيير هذا الحال، وهذا ينذر بالهزيمة؛ لأن أي محاولة للقضاء على تنظيم الدولة تحتاج إلى استراتيجية لتعبئة السنة وضمان تغيير مشاعرهم ضده".
وينقل التقرير ما كتبه فابريس بلانتشي من معهد واشنطن في بحث حديث له، حول تعقيدات الانتماء القبلي، قائلا: "حتى لو جعلت القوى المختلفة من تنظيم الدولة هدفا لها، فإنها تحتاج إلى رفض السكان المحليين للتنظيم كي تهزمه تماما".
ويبين الكاتب أن "هذا يقابله من ناحية التعقيد تفاعل القوى الخارجية، حيث قامت
روسيا بالإمساك بزمام المبادرة في سوريا الخريف الماضي، عندما بدت بقايا دولة الأسد على وشك السقوط، لكن هدفها الأساسي من التحرك هو استعادة أهليتها بصفتها قوة عظمى، ولا تزال إيران، بالرغم من الفرصة التي توفرت لها بالعودة للانضمام للأسواق والمجالس الدولية، بعد الاتفاقية النووية العام الماضي، تتصرف وكأن الأولوية لديها هي تقوية المحور الشيعي العربي من العراق إلى سوريا إلى لبنان".
وبحسب الصحيفة، فإن تركيز الولايات المتحدة، التي ضعف نفوذها إقليميا بعد الإخفاق الدموي الذي تبع غزو العراق عام 2003، وقرار أوباما عام 2013، بعدم فعل شيء بعد تجاوز نظام الأسد للخط الأحمر الذي رسمه، واستخدامه غاز الأعصاب ضد منطقة للثوار، يبدو مقتصرا على الجهود العسكرية ضد تنظيم الدولة، لافتة إلى أن
تركيا، أحد حلفاء أمريكا الإقليميين الرئيسيين، مهووسة بمنع تحقيق أكراد سوريا مكاسب جديدة، بينما الهم الأول والأخير للسعودية هو مواجهة النفوذ الإيراني الإقليمي.
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن "تنظيم الدولة قد يفقد أراضيه، لكن ما لم تتوصل كل من أمريكا وروسيا من الخارج والسعودية وإيران وتركيا من المنطقة إلى خطة سياسية معا، يصعب تخيل القضاء على تنظيم الدولة".