في نهاية الشهر الماضي، عبّر الجانب
الإسرائيلي عمّا يفيد بقرب التوصّل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات مع
تركيا بعد ست سنوات من القطيعة الدبلوماسية رفيعة المستوى، ثم تبعه تصريحٌ لمصطفى سيرينج، سفير تركيا لدى السلطة الوطنية الفلسطينية في الأول من هذا الشهر، لم يخف فيه هو الآخر تفاؤله بقرب التوصّل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات مع إسرائيل خلال أقل من شهرين، مشيرا إلى أنّه قد تمّت تسوية معظم ملفات الخلاف العالقة، ولم يبق سوى موضوع الحصار المفروض على غزة.
وكانت المحادثات بين الجانبين قد توقّفت بداية الشهر الماضي نتيجة المشاكل الداخلية التركية، التي طرأت بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة، ثم ما لبثت أن عادت مجددا مع تأليف الحكومة الجديدة، على الرغم من المعلومات التي تشير إلى قرب نقل وكيل وزارة الخارجية فريدون سنيرلي أوغلو من منصبه، على اعتبار أنّه كان قد أشرف خلال السنوات القليلة الماضية على
مفاوضات إعادة تطبيع العلاقات مع إسرائيل، محققا تقدّما كبيرا من واقع خبرته، وحقيقة إنّه سبق له ان عمل سفيرا لتركيا لدى إسرائيل منذ العام 2002 وحتى العام 2007.
وعلى الرغم من أنّه من غير المعروف حتى الآن ما هي انعكاسات مثل هذه الخطوة -إن صحّت بالفعل- على مصير هذه المفاوضات بين الجانبين، إلا أنهما لا يخفيان المنحى التفاؤلي بقرب التوصل إلى اتفاق، وذلك بالرغم من انّ عقدة غزّة لا تزال موجودة وهو ما يطرح تساؤلا حول شكل التسوية التي يسعى كل منهما إليها، فالجانب الإسرائيلي يقول إنّ الجانب التركي لا يزال مصرا على رفع الحصار بشكل كامل عن غزّة بما في ذلك الحصار العسكري، والجانب التركي لم يؤكّد بعد قبول إسرائيل رفع الحصار عن غزّة.
المثير في الموضوع دخول العامل الروسي على الخط، إذ أشارت صحيفة هآرتس قبل يومين إلى أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان قد علّق على المفاوضات الجارية بين إسرائيل وتركيا، خلال استقباله بنيامين نتنياهو بالقول: "نرحب بها وننظر إليها بشكل إيجابي".
لا شك أنّ لكل من الجانب التركي والإسرائيلي دوافعه في هذه العملية، لكن الملاحظ أنّ تراكم التحدّيات الخارجيّة ولاسيما الإقليميّة ذات الطابع الأمني بالنسبة إلى الجانب التركي، جعل موضوع المفاوضات من أجل تطبيع العلاقات أكثر أهميّة من أي وقت مضى، خاصّة أنّ النجاح فيها سيعدّ اختراقا للحلقة المفرغة من التطورات السلبيّة التي تواجه تركيا في الآونة الأخيرة.
على الجانب الإسرائيلي، هناك مصلحة أيضا في ألا تنفجر الساحة الفلسطينيّة في وقت تشهد فيه العلاقة مع الإدارة الأمريكية تدهورا كبيرا، وهو الأمر الذي دفع تل أبيب للتقرب أكثر من روسيا مؤخرا، وفي هذا المُعطى بالتحديد، من الممكن للجانب التركي أن يرى فرصة سانحة في إعادة إصلاح العلاقات التركية- الروسية عبر إسرائيل إذا ما تمّ التوصل إلى اتفاق مع الأخيرة على اعتبار انّ مثل هذا الاتفاق سيعزز أيضا من إمكانية تأدية روسيا دورا أكبر على الساحة الفلسطينية، وهو ما يتوافق مع تطلعات روسيا الخارجية مؤخرا في تأدية دور أكبر في الملفات الكبرى.
على كل حال، لا يزال من المبكّر الحكم على مثل هذا الأمر، لكن وفقا لتصريحات الجانبين التركي والإسرائيلي فأن الاتفاق دخل مرحلته الأخيرة، ومن المتوقع التوقيع خلال فترة شهرين إذا ما تمّ التوصل إلى تسوية فيما يتعلق بموضوع غزّة بالتحديد.