نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرا للكاتب دان دي لوتش، تحدث فيه عن الخطط
الإيرانية في معركة
الفلوجة، متسائلا عما إذا كانت الولايات المتحدة قادرة على كبح جماح
المليشيات الشيعية أم لا.
ويذكّر دي لوتش في البداية بـ"قواعد تكريت"، وهي عبارة عن اتفاق غير رسمي مع المليشيات المدعومة من إيران، بعدم الاقتراب من المدن السنية التي تتم استعادتها، بعد طرد
تنظيم الدولة؛ لئلا يؤدي ذلك إلى إثارة النعرات الطائفية، مشيرا إلى أن هذه القواعد تتعرض اليوم لامتحان كبير في الفلوجة، حيث تقوم القوات
العراقية المدعومة من عدد من المليشيات الشيعية بطرد قوات التنظيم من المدينة السنية.
ويقول الكاتب إن الوضع في الفلوجة يشبه ذلك الذي نشأ في تكريت العام الماضي، حيث قامت المليشيات الشيعية المدعومة من إيران بحملة عسكرية لاستعادة المدينة الواقعة شمال بغداد، دون استشارة قادة الجيش العراقي، لافتا إلى أن العملية كانت من وراء ظهر وزارة الدفاع العراقية والمستشارين الأمريكيين، الذين صدموا من الأنباء.
ويستدرك التقرير بأن "العملية فشلت، واضطرت الحكومة العراقية للطلب من الطيران الجوي الأمريكي كسر جمود الساحة القتالية، ورفض القادة العسكريون الطلب، وأخبروا الحكومة العراقية أنهم لن يشنوا غارات جوية، أو يقوموا بجولات استطلاع، إلا في حالة انسحاب المليشيات التي تعرف بالحشد الشعبي، ولهذا قام الجيش العراقي بقيادة العملية، وبمشاركة من الوحدات التي تلقت تدريبا أمريكيا".
وتنقل المجلة عن مسؤول بارز في الإدارة الأمريكية، قوله: "قلنا إننا لن نفعل ذلك، إلا إذا بقيت المليشيات المدعومة من إيران خارج المدينة"، مشيرة إلى أنه مع الحشود التي احتشدت حول الفلوجة، قال الأمريكيون إن الشروط هي ذاتها، و"هي القوانين التي تستخدم هنا ذاتها"، بحسب مسؤول أمريكي امتنع عن ذكر اسمه.
ويجد دي لوتش أن المشكلة هي عدم التزام المليشيات بالقوانين، حيث عانى السنة، الذين استطاعوا الفرار من المدينة، من الضرب، واختفى بعضهم، فيما تم إعدام البعض بشكل فوري، لافتا إلى أن منظمة "هيومان رايتس ووتش" أوردت شهادات "موثوقة" عن الانتهاكات التي ارتكبت في تقرير صدر يوم الخميس.
وينقل التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، عن رئيس بعثة مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في العراق برونو غيدو، قوله إن تصرفات المليشيات "غير مقبولة مطلقا"، وأضاف أنه تم "التأكد من الانتهاكات عبر عدد من المصادر، حيث إن التقارير التي تلقيناها أظهرت أن المليشيات قامت بالتعذيب".
وتعلق المجلة بأن الانتهاكات خطيرة من ناحية أمنية وإنسانية؛ لأنها قد تقود السنة الخائفين إلى دعم تنظيم الدولة، أو أي من الجماعات المسلحة من أجل الحماية، مشيرة إلى أن الخوف واضح على طرفي الانقسام الطائفي، حيث إنه بعد سلسلة من العمليات الانتحارية التي نفذها تنظيم الدولة في بغداد، تزايدت الضغوط على رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي للتركيز على تأمين الفلوجة.
ويشير الكاتب إلى أن روايات التعذيب حول الفلوجة أدت إلى مخاوف وقلق في البيت الأبيض، حيث عبر المسؤولون المدنيون والعسكريون عن مخاوفهم من الدور الذي تؤديه المليشيات في التحريض على العنف الطائفي، مبينا أنه "ليس من الواضح عما إذا كان لدى الحكومة الأمريكية ذلك التأثير القوي على الحكومة في بغداد، ولن يكفي التهديد بسحب الغطاء الجوي للتأثير في المليشيات التي تأتمر بأمر إيران".
ويفيد التقرير بأن الحكومة الأمريكية، التي تعرف عن تقارير التعذيب والانتهاكات، أكدت رفضها لتلك الانتهاكات، حيث شعرت بالثقة من تصريحات العبادي، التي شجب فيها الانتهاكات، وتوعد بمعاقبة الذين ارتكبوا هذه الممارسات، حيث قال المسؤول البارز: "بدرجة أو بأخرى، فإن هذه الانتهاكات صحيحة، ومن المهم أن يظهر العبادي حزمه، ليس بالأقوال فقط، ولكن بالأفعال، من خلال اعتقال المسؤولين عنها ومحاكمتهم".
وتستدرك المجلة بأنه رغم القلق داخل دوائر الإدارة الأمريكية من الانتهاكات، إلا أنها لم تهدد بوقف الغطاء الجوي عن عملية الفلوجة؛ نظرا لتعهد العبادي بقيادة القوات العراقية لها، مشيرة إلى أنه عندما سئل عما إذا كانت الإدارة تفكر بوقف الدعم الجوي، أجاب: "لم نصل عند هذه النقطة بعد".
ويبين دي لوتش أنه رغم التصعيد في الغارات الجوية، إلا أن المسؤولين الأمركيين أكدوا أن هذه الغارات من أجل دعم القوات العراقية في جنوب المدينة، وليس المليشيات المتمركزة في شمالها، مشيرا إلى أن المتحدث باسم القوات الأمريكية في بغداد العقيد كريس غارفر، قال إن الطيران الأمريكي شن 30 غارة على الفلوجة منذ الأسبوع الماضي، وزادت وتيرتها يوم الأربعاء، حيث دمر طيران التحالف الدولي، الذي تقوده أمريكا، 23 موقعا تابعا لتنظيم الدولة.
ويورد التقرير نقلا عن المحلل السابق في "سي آي إيه"، والباحث في معهد "أمريكان إنتربرايز" ماثيو ماكينس، قوله إن الحشد الشعبي لا يريد تكرار حادثة تكريت، حيث وقفت المليشيات متفرجة، وكان "أمرا محرجا لها" أي المليشيات، لافتا إلى أنه منذ تلك الحادثة، فإن عناصرها تلقوا تدريبا جيدا، وحصلوا على أسلحة متقدمة، بما في ذلك صواريخ مضادة للدبابات روسية الصنع.
ويضيف ماكينس للمجلة: "قضى الإيرانيون وقتا طويلا من أجل تحسين قدراتهم"، مشيرا إلى أن قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني زار الجبهة حول المدينة الشهر الماضي؛ نظرا للأهمية التي تمثلها الفلوجة للإيرانيين.
وينوه الكاتب إلى أن إيران تعتمد على ثلاث مليشيات لممارسة تأثيرها في العراق، التي سبقت ظهور تنظيم الدولة، وشاركت اثنتان منها في عمليات ضد الأمريكيين، في الفترة ما بين 2003 و2011، لافتا إلى أن منظمة بدر هي الأكبر والأقدم، التي أنشئت في طهران عام 1982، ويقودها هادي العامري، الذي يتحدث لغة فارسية بطلاقة، ويحمل جواز سفر إيرانيا، ومتزوج من إيرانية.
وبحسب التقرير، فإن المليشيا الثانية هي عصائب أهل الحق، التي أنشئت عام 2016 لمهاجمة القوات الأمريكية، مشيرا إلى أنها مثل منظمة بدر، أقسمت الولاء لولاية الفقيه الإيراني.
وتورد المجلة أن المليشيا الثالثة هي كتائب حزب الله، التي تحصل على معاملة إيرانية خاصة، من ناحية التمويل والسلاح، حيث يعد زعيمها أبو مهدي المهندس، الذراع الأيمن لسليماني في العراق، وهو نائب رئيس الحشد الشعبي.
ويكشف دي لوتش عن أن الشهود الذين فروا من الفلوجة، ذكروا كلا من منظمة بدر وكتائب حزب الله في شهاداتهم، حيث وثقت منظمة "هيومان رايتس ووتش" تلك الشهادات، وقالت المنظمة إنها تلقت تقارير موثوقة عن إعدامات فورية، وضرب رجال عزل، واعتقال وإخفاء قسري، ارتكبتها المليشيات والشرطة الفيدرالية.
ويستدرك التقرير بأنه رغم هذه القصص كلها، إلا أن الحكومة العراقية طلبت من سكان الفلوجة مغاردتها قبل دخول القوات العراقية إليها، لافتا إلى أن 1600 شخص على الأقل استطاعوا الفرار منذ 3 أيار/ مايو، حيث استخدمت العائلات عجلات السيارات والثلاجات للعبور بها من نهر الفرات إلى الجانب الآخر، بحسب مفوض اللاجئين في العراق غيدو.
وبحسب المجلة، فإن من بقي في المدينة ظل تنظيم الدولة "جوعى لا يستطيعون الحصول على الطعام"، ويقومون بطحن التمر القديم للحصول على الخبز، مستدركة بأنه رغم دعوات المرجعية الدينية الشيعية آية الله السيستاني لضبط النفس، والتزام البعض بدعوته، إلا أن عنصرا في كتائب حزب الله قدم تبريرا للعنف الطائفي ضد السنة في الفلوجة، قائلا في 1 شباط/ فبراير إن "80%" من سكن الفلوجة مؤيدون لتنظيم الدولة.
ويعلق الكاتب بأن قادة المليشيات المدعومة من إيران يعترفون بأنهم لا يستطيعون السيطرة على الفلوجة بأنفسهم، ولا يرحبون بفكرة السيطرة على مدينة سنية، وفي الوقت ذاته يريدون دورا في المعركة؛ من أجل الحصول على حضور دائم في الطريق المؤدي إلى بغداد، وتقديم "تحرير" الفلوجة على أنه إنجاز لهم.
وتختم "فورين بوليسي" تقريرها بالإشارة إلى أن قول باتريك مارتن من معهد دراسات الحرب: "بأي طريقة تمت فيها إدارة العملية، فإنهم سيحاولون نسبتها إلى أنفسهم".