نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا، قالت فيه إن اليمين الفرنسي يحاول الاستفادة من
استفتاء البريطانيين للخروج من
الاتحاد الأوروبي، الذي جرأ عددا من الأحزاب القومية عبر القارة الأوروبية للتحدث بشكل مفتوح، والقول إنها ترغب بفرصة لأن تصوت ضد بيروقراطية بروكسل.
وتقول الصحيفة: "من هولندا والدانمارك والنمسا إلى فنلندا، يتحدث اليمين عن فكرة ناد يلومونه على خسارة السياسة والأزمة الاقتصادية وتدفق المهاجرين، ولا يوجد بلد يهدد فكرة الاتحاد الأوروبي أكثر من
فرنسا، حيث تتقدم فيها الجبهة القومية الوطنية في استطلاعات قبل عام من عقد الانتخابات الرئاسية".
ويعلق التقرير بالقول إن "هذا جزء من التحديات التي تواجه قادة الاتحاد الأوروبي، حيث يجتمعون يوم الثلاثاء في قمة غير مسبوقة؛ للحديث عن خروج
بريطانيا منه، حيث إن السماح بخروج بريطانيا بشروط محببة لها قد يثير طاقة الأحزاب المعادية، عندما تشعر أن رحيل بريطانيا تم دون ثمن كبير، لكن أي رد قاس قد يترك تداعيات على القارة بشكل يؤدي إلى ركود يدفع الناخبين الغاضبين إلى أحضان الأحزاب الشعبوية".
وتبين الصحيفة أنه ليس واضحا أي من الأحزاب اليمينية في أوروبا سيكون أول من سيقود المطالب باستفتاء كذلك الذي نظم في بريطانيا، مستدركة بأن هناك ملامح من الهجوم على قوة الاتحاد الأوروبي، حيث شعر قادة أوروبا بالصدمة من نتائج الاستفتاء البريطاني، وعبروا عن الرغبة بإعادة النظر في السياسات وإجراء إصلاحات.
ويشير التقرير إلى أنه في فرنسا، عبرت زعيمة الجبهة القومية مارين لوبان عن فرحها بنتائج الاستفتاء البريطاني، وقالت إنه يثبت أن أفكارها تعبر عن التيار الرئيسي وليست ثانوية، مستدركا بأن رحيل فرنسا، بالإضافة إلى ألمانيا، سيطرح أسئلة حول التحالف الأوروبي، ما سيحطم مشروعا كان حجر الأساس لترتيبات ما بعد الحرب العالمية الثانية، وكان منبر وحدة غربية في عالم مليء بالفوضى والتهديدات الجديدة.
وتنقل الصحيفة عن لوبان قولها بعد إعلان النتيجة إن "الشعب البريطاني أعطى الشعوب الأوروبية، وكل الشعوب في العالم، درسا مضيئا في الديمقراطية"، وأضافت: "آمل أن تؤدي هذه المبادرة إلى مبادرات مشابهة في أنحاء العالم كله"، مشيرة إلى أن الحركة نحو نهاية الاتحاد الأوروبي قد بدأت.
ويلفت التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن التحرك البريطاني أدى إلى كوميديا سوداء بين الداعمين لفكرة أوروبا، مشيرا إلى أن من بين هذه التنبؤات واحدة نشرها الاقتصادي جاستين وولفيرز، الذي توقع نسخا من "البريكست" البريطانية "ديبارتوغال"، و"إيتاليف" (إيطاليا)، و"تشيك أوت" (التشيك).
وتذكر الصحيفة أن استطلاعا أجراه معهد "بيو"، وجد أن الموقف المتشكك من الاتحاد الأوروبي ليس مقتصرا على بريطانيا وحدها، حيث قالت نسبة 61% من الفرنسيين إنها لا تدعم الاتحاد الأوروبي، وهي نسبة أكبر من بريطانيا، بالإضافة إلى أن غالبية اليونانيين يوافقون على هذا الرأي، وكذلك الإسبان، لافتة إلى أن الجميع يشتركون بضرورة استعادة بعض القوة من بروكسل.
ويجد التقرير أنه بتراجع شعبية الرئيس الفرنسي الحالي فرانسوا هولاند، فإن الأجواء جاهزة لصعود مرشحة مثل لوبان، حيث تأتي في الاستطلاعات في المرتبة الأولى في الدورة الأولى من الانتخابات، لكنها تتراجع للمرتبة الثانية عندما تتنافس في الجولة الثانية التي تضيق فيها قائمة المشاركين، مستدركا بأن هناك الكثير من الفرنسيين ممن لا يثقون بماضي حزبها، وعلاقته بالنازيين الجدد، وهو فصل تقول لوبان إنها أغلقته.
وتنوه الصحيفة إلى أنه بناء على موقع لوبان الجديد في الفضاء السياسي الفرنسي، فقد تمت دعوتها للنقاش حول مرحلة ما بعد "البريكست"، وهو اجتماع دعا إليه الرئيس هولاند في قصر الأليزيه، حيث تقدمت بمطلب الاستفتاء، ووجدت فكرتها صدى لدى عدد من المسؤولين في التيار الرئيسي، مشيرة إلى أن تحقيق النصر في تأييد أوروبا ليس مؤكدا، حيث إنه في عام 2005 صوتت نسبة 55% من الناخبين الفرنسيين ضد الدستور الأوروبي.
ويورد التقرير نقلا عن برونو لوماري، المؤيد للاتحاد الأوروبي، الذي خدم في حكومة نيكولاي ساركوزي، قوله: "يجب أن تكون هناك معاهدة جديدة، ويجب التصويت عليها، من خلال استفتاء بصفته خيارا للشعب الفرنسي"، لافتا إلى أن لوماري يأتي في المرتبة الثالثة في الجولة الأولى لقيادة الحزب الجمهوري يمين الوسط، وأضاف لوماري أن "سياسة الوضع القائم لن تؤدي إلا إلى موت الاتحاد الأوروبي".
وتلفت الصحيفة إلى أن زعيما من يسار الوسط دعا يوم السبت إلى استفتاء، ما يشير إلى الضغوط التي يتعرض لها الساسة للحصول على تفويض مؤيد للاتحاد الأوروبي من ناخبيهم.
وينقل التقرير عن وزير الاقتصاد الفرنسي إيمانويل ماكرون، قوله: "لم تكن لدى القادة الشجاعة الكافية لطلب استفتاء أوروبي حقيقي"، مشيرا إلى أن ماكرون يعد من النجوم الصاعدين في يسار الوسط، بالإضافة إلى أنه مرشح محتمل لانتخابات الرئاسة، حيث يقول إن فكرته تقوم على عقد استفتاء واسع على الاتحاد الأوروبي؛ من أجل رؤية جديدة.
وتعلق الصحيفة بأن الرسالة المعادية للاتحاد الأوروبي لها داعموها من القوى السياسية، سواء كانت الجبهة الوطنية، التي تريد منع دخول اللاجئين وإغلاق الحدود الفرنسية، أو تيار يسار الوسط، الذي ينتقد الاتحاد الأوروبي، الذي يسيطر عليه كبار أصحاب المال.
ويورد التقرير نقلا عن أستاذ الفلسفة إيمانويل بيهو، قوله: "ما يحدث في إنجلترا هو أول امتحان حقيقي"، وأضاف: "لو وجدت دولة لديها العزيمة والمصادر لعمل هذا الأمر فهي بالتأكيد بريطانيا".
وتستدرك الصحيفة بأنه رغم اتحاد الطرفين في هدف مشترك، إلا أنهما ليسا مستعدين للعمل معا، ما يضعف من أي حملة محتملة لمواجهة الاتحاد الأوروبي، حيث يقول غيلبر كولارد، وهو واحد من نائبين في البرلمان عن الجبهة الوطنية في البرلمان: "لسنا بحاحة للقتال معا، ويمكن لكل منا القتال من جانبه دعما للهدف المشترك".
وبحسب التقرير، فإن هناك من يخشى في فرنسا من أن يؤدي التصويت البريطاني إلى اندفاع الكثيرين نحو
اليمين المتطرف، حيث يرى الخبير في شؤون اليمين المتطرف في مؤسسة "جين جوري" جين يوفيس كامو أنه "يمكن أن تسهم حملة الخروج بزيادة أصوات الجبهة الوطنية".
وتفيد الصحيفة بأن "الاستفتاء البريطاني ترك آثاره في أنحاء القارة، حيث إن الأحزاب اليمينية غالبا ما انتقدت العملة الموحدة والهجرة، إلا أنها ركزت في الأشهر الأخيرة نقدها على الاتحاد الأوروبي ذاته، ومن هنا فإن نتائج الاستفتاء البريطاني تعطيهم ذخيرة لمواجهة قادتهم، ومساءلتهم عن سبب غياب الجرأة لديهم لطرح قضية الاتحاد الأوروبي على الاستفتاء العام".
ويكشف التقرير عن أن غالبية الهولنديين ترغب باستفتاء على الاتحاد الأوروبي، بحسب ما ورد في فيديو لليميني المتطرف غيرت ويلدرز، الذي علق فيه قائلا: "اليوم هو بداية النهاية للاتحاد الأوروبي"، مشيرا إلى أن حزب الشعب في الدانمارك، الذي يعد الأكبر في البرلمان، طالب باستفتاء على الاتحاد الأوروبي.
وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى أن أحزاب اليمين المعارضة للاتحاد الأوروبي تستفيد من كل يوم يمضي، ويقول أندرياس مور من جامعة إنزبرك في النمسا: "إنهم يستفيدون من كل يوم يمضي، دون أن يعرفوا ما سيحدث بعد".