كان الحكم الذي أصدره القضاء الإداري معلنا أن اتفاق ترسيم الحدود غير قائم، وأن الجزيرتين
صنافير وتيران مصريتان، كان هذا الحكم في حقيقة الأمر بصرف النظر عمن صدر عنه صفعة قوية لنظامٍ فرط في الأرض وباعها وتنازل عنها، تصور البعض أن هذا النظام يمكن أن يقوم بأي شيء إلا أن يبيع الأرض ويفرط في الأمن الاستراتيجي للوطن، متمثلا في الجزيرتين المهمتين.
وبدت الحيثيات ناطقة بكل ما من شأنه أن يشير بأن منظومة الانقلاب وحكومتها وأجهزتها الرسمية قد فرطت من غير مسوغ في تلك الأرض، بل أكثر من ذلك فقد أشارت حيثيات الحكم إلى أن القَسَمَ على الدستور الذي يشكل أهمية خاصة في هذا المقام كان يتضمن في ما يتضمن أن يحافظ على الوطن وسلامة أراضيه، مثل هذا الحكم بشكل أو بآخر تأشيرات لا بأس بها على خيانة بالتنازل عن الأرض لا يمكن إنكارها، كان هذا هو المشهد الأول.
المشهد الثاني؛ تعلق بموقف الحكومة من بعد ذلك بهذا الحكم الذي كان قاطعا مانعا يشير بشكل واضح وبقول صريح، بدت الحكومة متلعثمة وبدت تتحدث عن إمكانية الطعن على هذا الحكم، ثم أعلنت أنها قد طعنت عن طريق محاميها الذي يمثلها من قضايا الدولة.
إلا أن الفضيحة الكبرى تمثلت في تلك العريضة التي تقدمت بالطعن، فاشتملت على أربع جهات شاركت للأسف الشديد في طعن الوطن بهذا الطعن المريب، وكان على قائمة الطعن رئيس الجمهورية ممثلا في المنقلب، ورئيس الحكومة الذي تورط في هذا الاتفاق مأمورا، ورئيس البرلمان الذي يعد تدخله تدخلا مفضوحا بما يمثل الشعب ومصادرة على إمكانية عرض هذا الاتفاق على البرلمان.
ورغم أننا نعلم أن تلك المؤسسات الانقلابية لا شرعية لها، وهزلية أدوارها، إلا أن الفُجر البادي والبجاحة المنقطعة النظير تمثلت في انضمامه لجهة تنفيذية قامت بإبرام هذا الاتفاق ضاربا بعرض الحائط أي اختصاص يتعلق بمهمته الرقابية وهو أمر شديد الخطورة يعبر عن استخفاف شديد بكل ما يتعلق بشأن الوطن عرضه وأرضه.
إلا أن المفاجأة الخطيرة في قائمة هؤلاء الطاعنين كان وجود وزير الدفاع بصفته بين هؤلاء، هذه هي الكارثة الكبرى، كيف يمكن لوزير الدفاع أن يتدخل ويتورط في هذا الطعن باعتباره جهة المسؤولية عن القوات المسلحة التي من أهم مهماتها الحفاظ على الوجود وعلى الحدود، وصنافير وتيران هي من الحدود المؤكدة التي تشكل بوابات استراتيجية لمصر الوطن وأمنها القومي..
يشهد على ذلك خرائط القوات المسلحة وهؤلاء الشهداء الذين يعدون بالعشرات دفاعا عن جزر
مصر في تيران وشدوان، وتعبيرا في حقيقة الأمر عن شرف العسكرية المصرية، حينما تنتفض للدفاع عن حدود الوطن وعن شرف هذه الأمة.
هذا كان هو المفروض، إلا أن تدخل وزير الدفاع كأحد الطاعنين والمثبتين لسعودية الجزر والتنازل عنها إنما يشكل سابقة خطيرة حينما يتنازل جيش مصر عن أرض مصر، مشهد كارثي يورط القوات المسلحة في أسوأ مشهد من الخيانة المفجعة.
المشهد الثالث؛ يتمثل في جلسة طعن حددت على استعجال بعد أيام من صدور الحكم وصَاحب ذلك مجموعة من التصريحات الغبية التي تورطت في الإشارة من كل طريق إلى محاولتهم طبخ حكم قادم بسعودية الجزر، فهذه تصريحات لوزير الشؤون البرلمانية يعبر فيها عن هذا المطبخ السري لهذا الحكم القادم، بالإضافة لأعضاء محكمة أحاطت بهم الشبهات، وهو أمر حدا بالدفاع إلى أن يقوم ضمن استراتيجيته برد المحكمة.
عبّر ذلك المشهد عن خيانة فاضحة وعن خيابة واضحة، غباء من اللون الفاقع يعبر عن جهل بالشأن القضائي رغم أنهم جميعا ينتمون إلى مؤسسة القضاء، ولكن مكر هؤلاء عبّر عن خيبتهم الشنيعة من جراء الدفاع عن باطل فتعجلوا أمرهم وانفضح مكرهم.
في زاوية هذا المشهد، سترى محامي الدولة يلقي مرافعته المهينة فلا يجد من الأسانيد ما يبرر بها دفاعه عن التنازل عن الجزيرتين والتفريط فيهما، إلا أن يقول إن مصر لم تكن إلا "دولة احتلال" لهذه الجزر.
لعمري ماذا يقول هذا الخائن. يقول إن "هذه ليست أرضي وإنني دولة احتلال وردّت مناطق محتلة إلى أصحابها"، هل يعقل هذا؟ لو كان المحامي سعوديا لقلنا إن هذا من حقه أن يقول، ولكنه كان مصريا يعبّر عن الدولة، ولم نكن نعرف عن أي دولة يعبّر عن
السعودية أم عن المصرية، عبّر ذلك المحامي بهذه السقطة الكبرى عن خيانة أخرى حتى يدفع أمر التنازل أو البيع الذي حدث.
ورغم أن التقارير قد أشارت وبطرق مختلفة ومتواترة عن أن بيعا قد حدث نتيجة تلقي أموال، إلا أن هذا المحامي الأغر أراد بمدافعته ومرافعته أن يثبت أن مصر دولة احتلال.. يذكرنا ذلك بمشهد تاريخي في دنشواي حينما كان ممثل النيابة مصريا والقاضي مصريا وحُكم على فلاحِ مصر بالإعدام لمصلحة المستعمر آنذاك، ماذا يمكن أن تقول عن ذلك، إلا أنها صفحات من الخيانة في حق الوطن إن كان في دنشواي أو في صنافير وتيران؟
كانت تلك هي المشاهد التي تعبّر عن الخيانة الفاضحة والخيابة الواضحة، وهو أمر يؤشر على خيانات قادمة يعبر عنها كلام خطير عن جريدة معاريف تتحدث عن تقرير فاضح في الصفحة الأولى في النشرة الشهرية باللغة الإنجليزية عن مركز بيغن-السادات للدراسات الاستراتيجية مقترحات وطن بديل للفلسطينيين في سيناء- بقلم الميجر جنرال الإسرائيلي المتقاعد جيورا إيلاند رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي من 2004 إلى 2006، ونشره المركز المشار إليه في منتصف يناير 2010 وحظيت ورقة المقترحات بتغطية إعلامية واسعة في العالم وفي مصر، وتضمن التقرير بنودا رئيسة لاتفاق مقترح والمكاسب التي تعود على الأطراف المختلفة وإمكانيات التنفيذ والسيناريوهات المتوقعة لقبوله أو رفضه.
وتبع ذلك تصريحات هنا أو هناك يشار فيها إلى قبول نظام الانقلاب لمثل هذا المقترح، وفي ظل هذا الوضع الخطير بالتنازل عن تيران وصنافير، فإننا لا نستبعد بأي حال من الأحوال أن تقوم المنظومة الانقلابية ذاتها ببيع أراض جديدة في سيناء لأي غرض كان؛ وهو تحذير نسوقه منذ الآن قد يأتي بالخراب على مصر الوطن في ظل هذه الطغمة الانقلابية.
هكذا ضمن هذه المشاهد الكارثية للمنظومة الانقلابية سياسات خيانة تارة وأعمال تدعي عدم الاختصاص تارة أخرى بكون مصر "دولة احتلال" أو أن ذلك من "أعمال السيادة"، وعلى حد قول الحكيم البشري، المستشار طارق البشري، فإنه "ليس من أعمال السيادة التنازل عن السيادة"، إنها الخيانة الفاضحة ببيع الأرض والخيابة الواضحة بتبرير هذه الخيانة..
لك الله يا مصر.