أصدر رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي، قرارا جمهوريا حمل الرقم 281 لسنة 2016، ونشرته الجريدة الرسمية للبلاد، الأحد، بإحالة 17 وكيلا بجهاز
المخابرات العامة (نواب لمدير الجهاز) إلى المعاش بناء على طلبهم، دون أن يوضح القرار أسباب طلبهم عدم الاستمرار في العمل بالجهاز.
وقال ناشطون إن القرار يأتي في إطار حملة إحلال وتجديد لقيادات الجهاز بقيادات من المخابرات الحربية، في محاولة للهيمنة على المخابرات العامة، وإخضاعها لتوجهات السيسي، مما يعكس حجم الصراع داخل الجهاز وعدم الاتفاق على صواب التوجهات السياسية لرئيس الانقلاب، لاسيما بعد التنازل عن السيادة
المصرية على جزيرتي "تيران وصنافير" لصالح السعودية.
وتكررت مطالب
التقاعد إلى المعاش في جهاز المخابرات العامة المصرية مرات عدة، منذ تسلم السيسي السلطة في 8 حزيران/ يونيو 2014، عقب انتخابات صورية، وتوالى صدور قراراته بإحالة وكلاء للجهاز إلى التقاعد، ونقل عدد كبير للعمل في وظائف مدنية بالوزارات المختلفة خلال عامي حكمه.
وصدر قرار رئاسي بإحالة 13 وكيلا للمخابرات العامة إلى المعاش بناء على طلبهم في كانون الأول/ ديسمبر 2015.
وسبقه في حزيران/ يونيو 2015 قرار بإحالة 11 وكيلا بالجهاز ذاته للتقاعد للسبب نفسه.
كما صدر قرار سابق على هذين القرارين بإحالة 14 وكيلا للتقاعد في تموز/ يوليو 2014، للسبب ذاته.
ونصت المادة الثانية من القرار الجديد على أن ينشر في الجريدة الرسمية، ويعمل به اعتبارا من السبت 2 تموز/ يوليو 2016.
وذكر القرار أن المحالين الجدد للمعاش هم كل من: حازم السيد حسن حسنين، وعادل عبده شلبي الكيال، وعبد العزيز وجدي المناوي، وإيهاب أسعد إسماعيل يسري، وخالد السيد أحمد السعدي، ومحمد محمود علي سليمان، وأحمد محمود عبد الفتاح جودة، وأشرف شاكر محمد عفيفي عبد الله، وأحمد إسماعيل بكري أمين، وأكرم محمد صلاح الدين عزت وأحمد حسن محمد، وماجد مصطفي المناديلي، وعادل لطفي حسني علي، وإيناس مصطفي عبد الفتاح، وهاني محمد رجائي، وأحمد عبد الحميد نعماني، وتامر حامد فهمي.
وفي السياق نفسه، أصدر السيسي قرارا آخر بنقل 6 من العاملين بالمخابرات العامة للعمل بوزارات وجهات أخرى، وهم: سامح فكري وزارة السياحة، ومحمد سعيد أحمد صالح، وزارة الاستثمار، وخليفة أحمد خليفة، وزارة الطيران المدني.
ونصت المادة الثانية من القرار على نقل كل من: أمين أحمد إلى وزارة الكهرباء، وأحمد دياب إلى وزارة الاتصالات.
بينما نصت المادة الثالثة على نقل "نصر الدين عزت صابر" من الدرجة الرابعة "وظائف معاوني خدمة" من المخابرات العامة إلى وزارة الكهرباء.
وكانت مصادر عسكرية مطلعة، كشفت لـ"
عربي 21" – في 25 كانون الثاني/ يناير الماضي - أن "السيسي"، قام بالإطاحة بأكثر من 1500 ضابط من مواقعهم في الجيش المصري والمخابرات، ضمن ما وصفوه بمحاولاته المستمرة والدؤوبة عقب انقلاب 3 تمّوز/ يوليو 2013، للسيطرة ولضمان خضوع تلك المؤسسات له، وخوفا من دعمها للثورة المصرية أو انقلابها على ممارساته "الانقلابية".
وأوضحت المصادر ذاتها في تصريحات خاصة لـ"
عربي21" -وطلبت عدم ذكر اسمها- أن تلك المحاولات تتم بشكل سري وقليل منها معلن، وأن بعضها تمثل في عزل بعض الضباط، من خلال إقالتهم المباشرة أو إحالتهم للتقاعد أو من خلال حركة تنقلات داخلية تقضي بنقل هؤلاء الضباط من مواقعهم الاستراتيجية أو المهمة أو الميدانية إلى مواقع أخرى لا شأن أو تأثير لها، سواء كانت أعمالا فنية أم إدارية.
ووصفت المصادر ما يقوم به السيسي من تغييرات بأنه شبيه بالمحاولات التي اتبعها سلفه الرئيس الراحل أنور السادات، في إطار ما كان يسميه "ثورة التصحيح"، لمحاولته القضاء على نفوذ ما عرفت بـ"مراكز القوى"، إلا أن المصادر قالت إن السيسي "تجاوز ما كان يقوم به السادات بمراحل".
اقرأ أيضا: مصادر عسكرية: السيسي يطيح بـ1500 ضابط من مواقعهم بالجيش
من جهته، قال الناشط الحقوقي هيثم أبو خليل، مدير مركز ضحايا لحقوق الإنسان، إنه من المستغرب الزعم بأن قرارات الإحالة للتقاعد كانت جميعها "بناء على رغبة أصحابها، فهذا أمر جديد ولم يكن معتادا في السابق، فأصغر طفل في بلادنا يعلم الكم الهائل من الامتيازات والنفوذ لرجل المخابرات، فكيف يطلبون ذلك؟!".
وأشار "أبو خليل" في تصريح لـ"
عربي 21" إلى أنه لم تُتخذ أي خطوة مماثلة داخل جهاز المخابرات الحربية على الإطلاق، بحسب ما هو معلن، متسائلا: "هل جميع من يريدون الإحالة للمعاش كلهم من المخابرات العامة ولا يوجد شخص واحد فقط يرغب في هذا الأمر من المخابرات الحربية".
وأضاف: "ربما يكون هذا الأمر تكتيكا بائسا جديدا من تجليات جمهورية الموز العسكرية، حتى لا تصل رسالة سلبية لأعضاء جهاز المخابرات العامة أنفسهم أن السيسي يمكن أن يطيح بهم في أي لحظة، كما أنها رسالة للشعب أيضا أنه مجرد تغيير طبيعي وليس انقلابات مصغرة تجري في كل مؤسسات البلد".
جدير بالذكر أن قناة "مكملين" الفضائية، أذاعت تسريبا صوتيا من مكتب اللواء عباس كامل، مدير مكتب السيسي، يكشف بشكل غير مباشر وجود خلافات بين المخابرات العامة وقيادات المجلس العسكري.
وظهر في التسجيل، عباس كامل وهو يتحدث مع السيسي بخصوص منسق العلاقات الليبية المصرية سابقا، أحمد قذاف الدم، وضرورة مقابلته والتنسيق معه بشأن الأوضاع داخل ليبيا، وقال له نصا - متحدثا عن علاقة "قذاف الدم" بجهاز المخابرات العامة المصرية- : "هو بيتعامل يا فندم مع العامة (المخابرات العامة) واحنا إيدنا والأرض من العامة في كل حاجة، إيدنا والأرض في كل حاجة".
وقال يحيى حامد، وزير الاستثمار الأسبق في عهد الرئيس مرسي، إن "كل الأجهزة لا ترضى عما حدث من انقلاب، سواء اتفقت هذه الأجهزة مع الإخوان أم لم تتفق، لكن يبقى أن هناك جزءا من الضمير داخل هذه المؤسسات يريد أن يحافظ على تراب الوطن".
ولفت- في تصريحات صحفية سابقة- إلى أن هناك محاولة من السيسي للتغول على مهام المخابرات العامة لصالح المخابرات الحربية، مضيفا: "وربما ينظر الكثيرون للأخيرة على أنها الأقوى، لكن هذا غير صحيح، فالمخابرات العامة أكبر وأكثر تخصصا في ملفاتها، وقد كانت أقوى جهاز معلومات وتحليل في مصر والمنطقة، بما لديها من وسائل كبيرة داخل مصر وخارجها".
وتابع "حامد": "وهو ما جعل السيسي يحاول أن يحجم دور المخابرات العامة، وذلك ضمن أهدافه ومشروعه لتقزيم دور مصر، وللأسف استطاع في الفترة الأخيرة الاستغناء عن أغلب قيادات الجهاز، واستبدال الكثير منهم بالمخابرات الحربية، وبالتالي أصبح التعامل مع الحالة الأمنية والمعلوماتية في أدنى مستوياته".
وأُنشئ جهاز المخابرات العامة بعد ثورة تموز/ يوليو 1952 لكي ينهض بحال الاستخبارات المصرية، حيث أصدر الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر (1954 - 1970) قرارا رسميا بإنشاء جهاز استخباري حمل اسم "المخابرات العامة" في عام 1954، وأسند إلى زكريا محي الدين مهمة إنشائه بحيث يكون جهاز مخابرات قوي لديه القدرة على حماية الأمن القومي المصري.
وينقسم الهيكل التنظيمي للمخابرات العامة المصرية إلى عدة مجموعات، بحيث يرأس كل مجموعة أحد الوكلاء ممثلا لرئيس الجهاز.
ويقع المقر الرئيسي للجهاز بضاحية حدائق القبة بالقاهرة، وهو مركز محصن نتيجة لوجود قصر القبة في الجهة الشرقية، ومستشفى وادي النيل (التابعة للجهاز) في الجهة الغربية، وإسكان الضباط في الجهتين الشمالية والجنوبية، فضلا عن الحراسة المشددة عليه والكاميرات التلفزيونية المسلطة على المنطقة المحيطة ليلا ونهارا، ويحيط بالمبنى سور يبلغ ارتفاعه خمسة أمتار.