يخيم على جبهات الجنوب السوري هدوء لم تشهده من قبل. وفيما يحمّل ناشطون فصائل المنطقة بشكل مباشر مسؤولة هذا الركود، يرى آخرون أن السبب هي الدول الداعمة لتلك الفصائل، والمشكّلة لغرفة عمليات "
الموك"، في حين أن فريقا ثالثا يرجع هذا الهدوء على الجبهات مع النظام إلى انشغال الفصائل بقتال ما يسمى "جيش خالد" المتهم بمبايعة تنظيم الدولة، في ريف
درعا الغربي.
وبالعودة إلى ما قبل أكثر من عام، فقد أفاد مصدر متابع من داخل الجنوب السوري، رفض ذكر اسمه، أنه "منذ فشل عاصفة الجنوب حلت كارثة
حوران، حيث تبعها خسارة مدينة الشيخ مسكين، وخسارة ما تم تحريره في معركة الفتح المبين في القنيطرة.. كلها أسباب فتحت باب ركود الجبهات وبدء الصراعات الداخلية".
ويقول المصدر: "عاصفة الجنوب الفاشلة كلفت
الجبهة الجنوبية قرابة 500 قتيل من قواتها، فيما خسرت العشرات في معركة الشيخ مسكين، ومن ثم تبعها زج فصائل الجبهة الجنوبية في معركة استنزاف مستمرة حتى اليوم مع شهداء اليرموك، كبدت الفصائل حتى اليوم قرابة 400 قتيل".
وإلى جانب ذلك، دخلت مدن حوران في مرحلة من الاغتيالات التي استهدفت قيادات وشخصيات عسكرية في الفصائل، دون معرفة الجهات المسؤولة عن تلك العمليات المجهولة المصدر، يضاف إليها الخلافات الداخلية بين الفصائل، وهذا كلف الجبهة الجنوبية 220 قتيلا من قواتها بحسب بعض التقديرات.
ويؤكد قيادي بارز في جيش اليرموك، لـ"عربي21"، أنه منذ معركة الشيخ مسكين مطلع العام الجاري، وظهور الصورة الحقيقية لحركة المثنى الموالية لتنظيم الدولة؛ "فقد انشغلت الفصائل بمقاومة إجرامها وما قامت به من عمليات خطف وقتل واعتقال، وانشغلت الفصائل في قتالها حتى حصرها في حوض اليرموك مع شهداء اليرموك، وبذلك ضرب المعقل الرئيسي للمبايعين لتنظيم الدولة"، بحسب تعبيره.
وذكر القيادي في جيش اليرموك أن أحد أسباب ركود الجبهات أيضا هو الصراعات الداخلية بين الفصائل؛ التي بدأت تظهر بشكل كبير، معتبرا أن "غرفة الموك لعبت دورا كبيرا في تمييز فصائل عن أخرى في الدعم".
ويقول ناشطون إن الجبهة الجنوبية شهدت صراعات داخلية في صفوفها، كان بعضها يصل لدرجة الاشتباكات المسلحة، ومن ذلك قضية "سعيد المسالمة" الذي قتل في اشتباك بين مجموعته ومجموعة من جيش اليرموك على الشريط الحدودي السوري الأردني، في حزيران/ يونيو الماضي، حيث كان الأول مسؤولا عن نقطة دخول العائدين من الأردن إلى
سوريا. ولطالما اشتكى مدنيون عائدون من الأردن من"سوء معاملة" مجموعة المسالمة لهم واستغلالهم.
وقد نشبت عدة اشتباكات سابقة بين هذه المجموعة التي تتبع لواء توحيد الجنوب بدرعا، وبين فصائل أخرى مثل جيش اليرموك. غير أن القيادي في جيش اليرموك رفض إدراج هذه القضية في نطاق الصراع بين الفصائل، "وإنما هي قضية فردية وتم حلها"، كما قال.
وترفض العديد من قيادات الجنوب التصريح بشكل رسمي بموضوع هدوء الجبهات، وقد اعتذر الناطق باسم الجبهة الجنوبية عصام الريس، والناطق باسم ألوية سيف الشام أبو صلاح الشامي، الإدلاء بأي تصريحات لـ"عربي21" حول المسألة.
وذكر المصدر الذي رفض الإفصاح عن اسمه؛ أن القيادات العسكرية للجبهة الجنوبية أصبحت تأخذ حذرها من أي تصريح يسبب ردة فعل سلبية من قبل غرفة "الموك"، مشيرا إلى أن الجبهة الجنوبية منذ أربعة أشهر محرومة من الدعم من قبل الغرفة بسبب فشلها في القضاء على "جيش خالد" في الوقت المحدد.
غير أن القيادي في جيش اليرموك ذكّر بأن أمريكا اللاعب والمتحكم الأكبر بغرفة الموك، معتبرأ أنها "المانع الأكبر والساعي الأول لإفشال أي معركة ضد قوات النظام في الوقت الحالي، غير أن موقف الأردن والسعودية واضح في دعم الحراك الثوري والمعارك ضد نظام الأسد في الدرجة الأولى"، وفق قوله.
وفيما تحدثت جهات إعلامية في الجنوب السوري عن دور الصراعات الداخلية في إخماد الجبهات، أشارت إلى ما أسمته "انقلابا عسكريا" داخل مدينة بصرى الشام، مطلع الشهر الجاري، ضد قيادة فرقة شباب السنة، وهيمن أكبر فصائل الجبهة الجنوبية، والتي يقودها أحمد العودة. غير أن قيادة الفرقة استطاعت بعد يوم تقريبا من تجميع قواتها من خارج المدينة والفصائل الموالية لها واقتحام المدينة من جديد لاستعادة زمام الأمور. وقد راح ضحية عملية الاقتحام قتيلان وعدد من الجرحى، وفق نشطاء إعلاميين.
وذكر أن هذا "الانقلاب" تم بدعم مباشر من محمد عدل حوران، حيث سيطر المحتجون على مقرات الفرقة في بصرى.
كما تحدثت المصادر الإعلامية المؤيدة للثورة السورية أيضا عن إقدام فوج المدفعية الأول بقيادة "أبو سيدرا" على قتل ثلاثة عناصر من كتيبة كانت قد انشقت عن الفوج قبل مدة، بعد رفض هذه المجموعة قصف مناطق يسيطر عليها "جيش خالد" بحجة وجدود مدنيين فيها.
وذُكر أن الفوج قام بتنفيذ العملية على الطريق الحربي بالقرب من درعا البلد أثناء توجه الكتيبة إلى القنيطرة للمشاركة في معارك في مدينة البعث الأربعاء الماضي.
وقد أثارت الحادثة احتجاجات للأهالي في بلدة الجيزة التي ينتمي إليها القتلى، مطالبين بمحاسبة أبو سيدرا.
وفي ذات السياق، قال مدير الهيئة السورية للإعلام، المنبر الإعلامي للجبهة الجنوبية، إبراهيم جباوي، إنه لا يمكن القول بأن جبهات الجنوب خامدة بشكل تام، حيث أن الجبهة الجنوبية تقوم بالرد على انتهاكات النظام وقصفه للمدنيين، إلا أن الركود بشكل كبير يعود لعدة أسباب، أولها فقدان الثقة بين قيادات الفصائل بعد إلقاء كل واحد منهم اللوم على الآخر في المعارك التي يتم فتحها وتفشل.
وأضاف أن السبب الثاني هو عدم رغبة كثير من الأهالي في المناطق، التي يجب التحرك فيها عسكريا، في فتح أي معركة، خوفا من انتقام النظام. أما عن السبب الثالث، فأشار الجباوي إلى قيام النظام والطيران الروسي باستهداف المدنيين ،والتركيز على إيقاع أكبر عدد من الضحايا. وقال إن "ما يشجع هذه الأفعال هو الصمت الدولي، وهذا ما جعل النظام يرتكب العديد من المجازر في معظم الجنوب السوري".
كما اعتبر الجباوي أيضا أن هذا الركود سببه انشغال الفصائل بقتالها ضد "الفكر المتطرف"، مقرا في الآن ذاته؛ بأن هذا الركود كان له تأثير سلبي على جبهة داريا وجبهات الجنوب السوري.
وفي سياق متصل، ذكر ناشطون يتابعون تحركات النظام في الجنوب السوري، أنه بسبب خمود الجبهات فإن النظام قام قبل حوالي شهر ونصف بسحب أكثر من 30 دبابة و400 عنصر مقاتل و60 آلية عسكرية من درعا لتعزيز قواته التي تحاصر مدينة داريا في الغوطة الغربية.
وتابع الجباوي: "لطالما تحدثنا مع الفصائل بضرورة فتح معارك على عموم الجبهات في سوريا، وذلك يسبب تشتيتا لقوات النظام مهما دعمه الطيران الروسي والمليشيات الطائفية من خارج سوريا".
ويؤكد المحلل العسكري العقيد الركن المتقاعد، محمد جنيد، في حديث لـ"عربي21"، أن لركود جبهات الجنوب السوري دورا كبيرا في تفرغ النظام لجبهات حلب التي تخوض اليوم أعنف المعارك، خصوصا مع خمود جبهات ريف دمشق الشرقي وريف حمص الشمالي المحاصرين.
وأضاف جنيد أن النظام اليوم قادر على نقل قواته بشكل سهل "طالما يمتلك حرية التنقل برا في كثير من المناطق، وجوا في كل المناطق السورية".
وأشار إلى أن القتال اليوم في سوريا مختلف عن سابقه، حيث تم تثبيت خطوط تماس طويلة مع قوات النظام وفتح جبهات واسعة، "ما يصعب مهمة الجيش الحر في ظل اعتماده على العنصر المدني في القيادة، واستبعاد الكادر العسكري المنشق، والذي يمتلك خبرة أكبر في التخطيط لهذه المعارك"، وفق قوله.
واعتبر جنيد أن كثيرا من المعارك اليوم خرجت من نطاق حرب العصابات، "وهذا يتطلب قيادة عسكرية موحدة بين كل الفصائل، لمواجهة جيش النظام المدرب على مثل هذا النوع من المعارك وهو في أعلى جاهزية لها"، بحسب قوله.