قد يبدو التمني غريبا، بل مستفزا ومفجعا حتى! كيف لكاتب يكتب في موقع "
عربي21" الرائد في التزامه الحضاري والمبدئي بقضايا المنطقة وتطلعات شعوبها نحو الحرية، وفي انفتاحه التعددي الديمقراطي المسؤول، أن يتمنى فوز المرشح العنصري المتطرف المعادي بوضوح للعرب والمسلمين، دونالد
ترامب، برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية؟!
بكل مضض، وبدون مواربة لهذا السبب بالذات أولا وأخيرا أتمنى فوز ترامب لأنه يعلن معاداته لي على المكشوف، وبالتالي أليس أفضل التعامل معه بدلا من الذي يعادي تطلعاتك باطنيا وأحيانا ظاهريا، لكنه يجمل ذلك بنفاق وتقية ديبلوماسية مثلما هو الشأن مع المرشحة الديمقراطية، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون ومدعمها الرئيس الذي تنتهي ولايته، باراك حسين أوباما، كما يحب أن يسميه باسمه الكامل دونالد ترامب؟
فوز هيلاري كلينتون برئاسة أمريكا سيكون استمرارا لسياسة أوباما للخداع وبيع الأوهام والكلام للمنطقة والتواطؤ "الواطي" ضد تطلعات شعوبها مثلما اتضح وانفضح جليا في كثير من القضايا، وأولها القضية الفلسطينية، التي ستبقى القضية المركزية في المنطقة، مهما حاول "عمهم سام" وربيبته إسرائيل وحلفاؤها المخدوعون (وإن اكتشف بعضهم ذلك خاصة بعد الاتفاق النووي مع إيران!). وفي هذا الملف بالذات فإن تهافت "العمة هيلاري" في دعم الربيبة إسرائيل، وبحكم سجلها المعروف، سيكون أكثر من "العم باراك حسين أوباما"، الذي يتظاهر أحيانا بزجر الولد الصهيوني المشاغب نتنياهو!
برغم أن ما يصرح به ترامب، في حملته، هو الجنون بعينه، ولكن مثلما يقول المثل الشعبي، فأحيانا تؤخذ الحكمة من أفواه المجانين، وهناك "بعض الحكمة" وجزء من الحقيقة فيما صرح به مؤخرا من أن أوباما زرع الفوضى في منطقة الشرق الأوسط، وأسس "داعش" ومعه "المحتالة هيلاري"، فالغزو الأمريكي وسياسة أوباما بعدها في العراق ودعم نظام المالكي الطائفي المحرك من إيران ساهمت فعلا في ميلاد مسخ الأنابيب المخبري "داعش" في المناطق السنية المثخنة والمحتقنة بسياسات المالكي الطائفية، ثم حبا الوليد المسخ بما فيه من جينات بعثية عراقية، واستغلال للواجهة الدينية المتطرفة الجاذبة، ليتوالد ويتماسخ بتلك السرعة المريبة في أحضان نظام البعث الأسدي، الذي لم يكن يحاربه عمليا، بل وكان متواطئا معه في وقائع موثقة، وبدا أن المسخ الداعشي كان مكلفا بمهمة تشويه الثورة السورية واستهدافها، وقد نجح في خدمة نظام الأسد ومعه وليته إيران وتقديم الصورة التي أصبح يروج لها حتى "باراك حسين أوباما"، مثلما حدث في حواره مؤخرا مع مجلة "أتلتنيك" الأمريكية، عن وجود خطر واحد هو "الإرهاب والتطرف السني التكفيري السلفي"، بينما تعامى الرئيس الأمريكي عن تطرف وإرهاب الميليشيات الطائفية الشيعية المدعومة من إيران سواء في سوريا أو العراق، حيث تحارب مع القوات الأمريكية في خندق واحد أو في "سرير" واحد، مثلما لخص كاريكاتور مجلة "ذي ويك" مؤخرا المشهد، عندما وضع العام سام والجنرال الإيراني قاسم سليماني في سرير واحد!
أما في سوريا فإن تقريرا موثقا لصحيفة "لوموند" الفرنسية في مايو (آيار) الماضي كشف أن الجيش السوري الحر أبلغ المخابرات الأمريكية عن أماكن تجمع "داعش" لما كان في بداياته لكن أمريكا لم تحرك ساكنا، تماما مثلما حصل في العراق، عندما خلص تقرير برلماني نشرته صحيفة "الإندبندنت" البريطانية إلى أن مسؤول المخابرات العراقية في الموصل أبلغ كم من مرة المالكي ومعه أمريكا عن تحرك مريب لجماعات مسلحة فيها مزيج من الضباط السابقين في جيش صدام ومسلحين "ملتحين" في منطقة على مشارف الموصل، وأنهم يحضرون شيئا، لكن لا المالكي ولا الأمريكان حركوا ساكنا، فهاجمت مجموعة قدرت بـ 800 مقاتل الموصل، ثاني أكبر مدن العراق، واستولت عليها في ظرف وجيز، وفر منها (أو أمروا بذلك) نحو 35 ألف جندي حكومي عراقي تاركين أسلحتهم ومعداتهم!
وفي سوريا دائما، وبرغم الترويج المتهافت لممانعي بشار الأسد عن المؤامرة الأمبريالية الأمريكية، فإن شهادة شاهد من أمريكا نفسها تغني عن الشرح والتدليل فالكاتب نيكولاس كريستوف يكتب قبل أيام في مقال له بالصحيفة أنه في الوقت الذي ترتكب فيه الحكومتان الروسية والسورية جرائم حرب، وتقصف المستشفيات وتعمل على تجويع المدنيين، فإن أوباما والعالم لم يفعلا شيئا.
ويؤكد الكاتب أن أسوأ أخطاء الرئيس الأمريكي باراك أوباما فداحة هي سماحه للحرب الأهلية في سوريا بالاستمرار، في وقت كان بإمكانه القيام بأعمال أقل من التدخل العسكري الأمريكي هناك لردع بشار الأسد، ويشير الكاتب مثلا إلى أنه كان عليه فرض مبكرا مناطق حظر طيران. وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان طرح هذه الفكرة، لكن أمريكا رفضتها، قبل أن تنكشف بعدها أجندتها بإطالة المأساة في سوريا و دعم الميليشيات الكردية.
"الانفضاح" الأمريكي في تركيا اتضح أيضا بما بدا موقفا مرحبا من السفارة الأمريكية في أنقرة بمحاولة الانقلاب العسكري على الشرعية في تركيا، حيث سارعت، في تغريدة، في وصف محاولة الانقلاب بانتفاضة شعبية، وعدم مسارعة وزير الخارجية جون كيري إلى إدانة محاولة الانقلاب على الديمقراطية "العزيزة" من المفروض على أمريكا، بل صرح بأنه يتمنى "عودة الأمور وليس "الشرعية" لطبيعتها"! ولم يتغير الموقف الأمريكي ويطل أوباما إلا بعدما أفشل الشعب بانتفاضته الحقيقية وبدعم من المخلصين في الجيش والشرطة محاولة الانقلاب وحموا الشرعية.
لحسن الحظ فشلت محاولة الانقلاب، الذي لا يتردد الأتراك في اتهام أمريكا علنا بأن لها دورا ما فيها، لأنه لو نجح الانقلابيون في انقلابهم، لكان أوباما تعامل معه، مثلما تعامل مع الانقلاب الدموي للسيسي على الشرعية في مصر، الذي يطل بوجهه البشع مرة أخرى هذه الأيام بذكرى مذبحة "رابعة".
لهذه الوقائع، وقائع أخرى يضيق المجال لذكرها عن أوباما، الذي باعنا كلاماً وأوهاما عند انتخابه.. لهذه الوقائع لا أريد أن يستمر مسلسل تحايل أوباما، على المنطقة، عبر "المتحايلة" هيلاري كلينتون، كما يصفها ترامب.. لهذه الوقائع أتمنى أن يفوز ترامب، الذي ربما سيهتم أكثر بالداخل الأمريكي، ويسحب أنف العم سام المحشور في المنطقة، وليس إعجابا بالمرشح الجمهوري، كما صرح مالك أوباما الأخ غير الشقيق للرئيس باراك أوباما، الذي عبر عن عدم رضاه عن أداء أخيه الرئيس، وأكد أنه سيصوت لترامب!