نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" مقالا للكاتب ديفيد غاردنر، يتحدث فيه عن تراجع حلم
الأكراد بإنشاء دولة مستقلة، مشيرا إلى أن أحد أسباب ذلك هو تعجلهم وتجاوزهم الحدود، سواء في
سوريا أو في
تركيا.
ويتوقع الكاتب في مقاله، الذي ترجمته "
عربي21"، ألا يحصل الأكراد على حكم ذاتي من ركام الاضطرابات في منطقة الشرق الأوسط.
ويبدأ غاردنر بالقول إن "القتال المستعر حاليا في شمال سوريا لا يدعو للتعجل والقول إن التطورات الحالية هذا الشهر، والمثيرة للدهشة، مثل التوغل التركي، وهو الأول منذ بداية الحرب، أو تعزيز التحالف الروسي الإيراني، تشكل انعطافة كبيرة في الحرب، التي مضى عليها أكثر من خمسة أعوام، لكنها قد تكون نقطة تحول لسوريا ومناطق الأكراد".
ويضيف الكاتب أن العامين الماضيين شهدا لحظة أمل بولادة الدولة الكردية، حيث استطاع المقاتلون الأكراد كسر الحصار الذي فرضه مقاتلو تنظيم الدولة على مدينة كوباني، ووسعوا من قوتهم في سوريا، وسيطروا على المناطق التي كانت تحت سيطرة الجهاديين".
ويشير غاردنر إلى أن "تفكك سوريا، والتفكك الفعلي للعراق بعد الغزو الأمريكي عام 2003، قدما للشعب الذي لا يملك دولة أملا بقيام دولة له، ومع ذلك، فإن الفرصة الآن تخرج على ما يبدو من أيديهم، حيث بدا كأنهم بالغوا في طموحاتهم".
وتذكر الصحيفة أنه في الوقت الذي أعلن فيه تنظيم الدولة الخلافة منتصف 2014، فإن قوة الأكراد تعززت في المنطقة، حيث ساعد الانفجار التدريجي في سوريا المليشيا الكردية "قوات حماية الشعب"، في السيطرة على مناطق واسعة في شمال شرق سوريا، وفي
العراق سمح انهيار وحدة البلاد لمنطقة الحكم الذاتي بالحصول على رسوم الدولة شبه المستقلة، وفي تركيا، وخلال فترة الهدنة، قام حزب العمال الكردستاني والساسة الأكراد في جنوب شرق البلاد بتحقيق نوع من الحكم الذاتي.
ويستدرك الكاتب بأنه "مع حصول المقاتلين الأكراد على الشرعية التي منحها لهم ظهور تنظيم الدولة، بدأت أجراس الخطر تدق في أنقرة، وتراجع الرئيس التركي رجب طيب
أردوغان، وهو الذي سعى للمصالحة مع الأكراد، في محاولة منه لحل التمرد الذي يقوده حزب العمال الكردستاني، وبعد فوز الحزب المؤيد للأكراد، حزب الشعوب الديمقراطي في انتخابات حزيران/ يونيو 2015، بدأ أردوغان بالتعامل معه بصفته واجهة لحزب العمال الكردستاني".
ويلفت المقال إلى أنه تم استئناف القتال بين قوات الأمن وحزب العمال الكردستاني وقوات الأمن التركية في الصيف الماضي، بعد سلسلة من الهجمات التي نفذها تنظيم الدولة في جنوب تركيا، واتهم حزب العمال وحزب الشعوب الديمقراطية بالتواطؤ مع الجهاديين، إلا أن "بي كي كي" حاول متهورا فرض حكم على المدن في جنوب شرق تركيا، في محاولة لتقليد أكراد سوريا والحزب الشقيق لهم هناك، الذي رسم منطقة حكم ذاتي.
وتبين الصحيفة أنه في الوقت الذي لعب فيه أردوغان على ورقة القومية التركية، فإن "بي كي كي" وقادته العسكريين، الذين تركزوا في شمال العراق، قاموا بتدريب المقاتلين على أساليب جديدة لحروب المدن، التي اجتاحت مناطق جنوب شرق البلاد، ما أدى إلى حجب مبادرة حزب الشعوب الديمقراطي، وتسليم الخيار للبندقية.
ويقول غاردنر إن المواجهات بين المعارضة المدعومة من تركيا، والمقاتلين الأكراد المدعومين من واشنطن، يعرض أهداف الأخيرة للخطر.
ويرى الكاتب أن "حظ الأكراد كان صاعدا عندما أسقط الطيران التركي طائرة روسية في تشرين الثاني/ نوفمبر، وحصل حزب الاتحاد الديمقراطي على رعاية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي كان يريد معاقبة تركيا، إلا أن (بي كي كي) وحزب الاتحاد الديمقراطي وصلا إلى نقطة حرجة بعدما بدأ النزاع السوري بالتحول".
ويفيد المقال بأن الأكراد السوريين استفزوا تركيا عندما تحركوا غرب الفرات، وضربوا تنظيم الدولة في شمال غرب سوريا، وفي الوقت ذاته حاولوا الوصول إلى المناطق الشرقية في الجيب الكردي الغربي عفرين.
وتنوه الصحيفة إلى أنه في الوقت ذاته تصالح كل من بوتين وأردوغان، وشنت تركيا عملية عسكرية، بمساعدة من الولايات المتحدة، ضد قوات تنظيم الدولة في جرابلس، وطلبت واشنطن من الأكراد التحرك نحو شرق الفرات.
ويخلص غاردنر إلى أن "أيا من هذه التطورات لن يساعد الطموح الكردي بإنشاء دولة من ركام الشرق الأوسط المضطرب، حيث تخلت
روسيا عن حزب الاتحاد الديمقراطي، ومالت الولايات المتحدة باتجاه تركيا، وقد تكون هذه التغيرات مؤقتة، فهي تحتاج لما هو أكثر ليتلاشى الحلم الكردي".