تساءل مراسل الشؤون الأمنية في صحيفة "الغارديان"، ومؤلف كتاب "جون الجهادي: صناعة إرهابي" روبرت فيركك، عما إذا كانت
بريطانيا تخوض حربا غير قانونية في الشرق الأوسط.
ويقول الكاتب إن مقتل 62 جنديا من جنود النظام السوري في دير الزور يثير أسئلة حول نشاطات بريطانيا داخل
سوريا، مشيرا إلى أن الاعتراف المضر بأن بريطانيا اشتركت بـ"القتل الخطأ" للجنود السوريين، كشف الحقيقة، وهي أن بريطانيا انجرت إلى حرب دموية لا منتصر فيها، وربما أعطت رئيس النظام السوري بشار
الأسد وحلفاءه أرضية لتقديم اتهامات لبريطانيا بارتكاب جرائم حرب.
ويضيف فيركك، أنه "بناء على دروس تحقيق تشيلكوت حول الحرب في العراق، فإنه من الواضح أننا نقوم بتكرار أخطاء الحرب الكارثية هناك، عن غير قصد، مع أن البرلمان عندما صوت في العام الماضي فإنه صادق على عمل عسكري محدد في سوريا، وقيد النواب الغارات الجوية ضد مواقع
تنظيم الدولة فقط".
ويتابع الكاتب قائلا إن "دم معركة نهاية الأسبوع سبق القصف المروع لقافلة المساعدات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة من قوة لم تحدد بعد، (أمريكا وبريطانيا تعتقدان أن روسيا تقف وراء القصف، والأخيرة تنكر)، وقد منح مقتل الجنود السوريين الأسد الفرصة لقلب الطاولة على دول التحالف، واتهام بريطانيا والولايات المتحدة باستهداف قواته بشكل مقصود، وهو اتهام يضع بريطانيا مرة أخرى عرضة لخطر خوضها حربا غير شرعية في الشرق الأوسط".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى مزاعم الأسد، الذي يقول إن الهجوم على قواته لم يكن عن طريق الخطأ، حيث ستقوم روسيا، حليفة سوريا، بمراجعة الحادث في مجلس الأمن، لافتا إلى أن المندوب الدائم لروسيا في الأمم المتحدة فيتالي تشيركين وصف توقيت الحادث بأنه "مثير للشك"، قائلا إنه لا يبدو أنه ناتج عن خطأ غير مقصود، وزعم الأسد أن قواته كانت تقاتل تنظيم الدولة، وأنها هي المقصودة بالعملية.
وتذكر الصحيفة أن وزارة الدفاع البريطانية نفت استهداف قوات الأسد بطريقة مقصودة، وقالت إنها ستقوم بتحقيق شامل في الحادث، وتقول: "لو قامت عائلات الجنود بتقديم دعاوى في المحكمة الجنائية، فإن هذا سيكون محرجا لبريطانيا، فالولايات المتحدة لن تتأثر بالدعاوى؛ لأنها لم توقع على معاهدة المحكمة الجنائية الدولية، ولهذا ستجتهد بريطانيا، شريكة واشنطن في التحالف، لرفض الاتهامات".
ويلفت فيركك إلى أن "لاهاي هي المكان الذي يأمل الكثيرون بأن ينتهي إليه الأسد (الذي لم يوقع هو الآخر على معاهدة المحكمة الجنائية الدولية)، كي يواجه اتهامات بجرائم الحرب، وفي هذا الأسبوع كثف وزير الخارجية بوريس جونسون ومحامية حقوق الإنسان أمل كلوني من جهودهما؛ لجمع أدلة ضد كل من اتهموا بارتكاب جرائم في سوريا، بمن فيهم قوات الأسد".
ويقول الكاتب إن "الكثير من بين الـ223 نائبا الذين صوتوا ضد المشاركة في عمل عسكري العام الماضي، يعرفون أن الصراع في سوريا لا يشبه أي نزاع آخر، وأنه يهدد القوات البريطانية بأن تصبح محاصرة في المشاركة في حرب أهلية خطيرة وغير واضحة".
وينوه التقرير إلى أن من صوتوا لصالح العمل العسكري اعتقدوا أنهم فعلوا ما يكفي لتقييد العمل العسكري بشروط حددت تنظيم الدولة عدوا، مشيرا إلى أن رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون قال للبرلمان في نقاش قبل التصويت على التحرك العسكري، إنه راغب بإنهاء الغموض الذي يمنع الطائرات البريطانية من ملاحقة إرهابيي تنظيم الدولة في كل من العراق وسوريا، وأضاف أن "الأهداف ستكون (قادة مجموعة الموت ذاتها)، ومعسكرات التدريب، ومراكز الاتصالات، ومن يقومون بالتآمر ضدنا".
وتكشف الصحيفة عن أن الأرقام تظهر أن المقاتلات البريطانية لم تحلق فوق سوريا في غارات سوى 79 مرة، لافتة إلى أن طائرات "تورنيدو" و"تايفون" قامت بدعم طائرة الاستطلاع "ريثيون سينتل آر1"، لتسقط 100 قنبلة ضخمة من نوع "بيفوي"، و23 صاروخا من صنع بريطاني، بالإضافة إلى أن أعدادا من القوات البريطانية الخاصة المرابطة في كل من الأردن والعراق شاركت بعمليات قتل عشرات من مقاتلي تنظيم الدولة.
ويستدرك فيركك بأن نشر أسطول سلاح الجو البريطاني، المكون من عشر مقاتلات دون طيار "ريبر"، ربما ورط بريطانيا في حرب غير قانونية، منوها إلى أنها الطائرات ذاتها التي شاركت في العملية الخطأ، التي قتلت 62 جنديا سوريا، وهددت الهدنة الهشة.
ويفيد التقرير بأن استخدام مقاتلة "ريبر"، التي يتم إطلاقها عبر جهاز تحكم في بلدة وادينغتون في مقاطعة لينكونشاير، ضد مقاتلي تنظيم الدولة، ممن يحملون الجنسية البريطانية، أدى إلى فتح تحقيق، وأكدت الحكومة أن مقاتلات "ريبر" شاركت في عمليات اغتيال جهاديين بريطانيين في تنظيم الدولة في سوريا، الذين قالت إنهم يمثلون خطرا مباشرا على بريطانيا، مشيرا إلى أن الطائرات شاركت في إحدى هذه الهجمات قبل تصويت البرلمان على المشاركة المحدودة في كانون الأول/ ديسمبر 2015، وقتلت رياض خان (21 عاما) من مدينة كارديف، الذي ظهر في شريط فيديو للتجنيد بثه تنظيم الدولة، وقتل نتيجة لعملية بريطانية أمريكية مشتركة في آب/ أغسطس، مع روحول أمين (26 عاما) من مدينة أبردين، الذي كان مسافرا معه في السيارة ذاتها.
وبحسب الصحيفة، فإنه في عملية مشتركة أخرى في تشرين الثاني/ نوفمبر، قتل جنيد حسين (21 عاما)، الذي ظهر في أشرطة دعائية لقتل السجناء لدى التنظيم، وقتل في الشهر ذاته محمد إموازي الملقب بـ"الجهادي جون".
ويذكر الكاتب أن لجنة حقوق الإنسان في البرلمان قامت بالتحقيق في العمليات، وقالت إن استخدام الطائرات دون طيار لتنفيذ عمليات قتل مستهدف تركت الطيارين البريطانيين عرضة لاتهامات بالقتل، ولاحظت اللجنة غموضا في القرارات التي قدمتها الحكومة لشن هجمات قاتلة في محاور الحرب.
ويورد التقرير أن الحكومة رفضت حتى الآن نشر النصيحة القانونية، التي تدعم موقفها من القتل، وأنها تقوم بالدفاع عن نفسها، لافتا إلى أنها حتى لو نشرت ردا كاملا على تقرير لجنة حقوق الإنسان، فإنه من المستبعد أن يوافق الوزراء على فكرة أن الحكومة قامت بخرق القانون الدولي.
وتختم "الغارديان" تقريرها بالقول إنه "مع مرور كل شهر، فإن بريطانيا تجد نفسها متورطة أكثر في المستنقع السوري، وكلما زدنا من عدد الجنود والمعدات في العمليات، التي يقودها الجيش الأمريكي، فإن مخاطر ارتكاب أفعال غير قانونية تزيد".