كتاب عربي 21

مؤتمر سيزي وضرورة تقارب الفرق الإسلامية

1300x600
هناك ضرورة عاجلة إلى دعوة الهيئات الإسلامية سواء أكانت مؤسسات أم شخصيات إلى النظر بشكل عميق في المرآة، مرآة العالم الحديث.

في قاعة كانت تعج برجال دين من مختلف الأديان، صعد أحدهم إلى المنصة ليقدم شهادته. وكانت الشهادة تتعلق بمقتل الأب روجيه شوتز مؤسس المجموعة المسيحية في مدينة تيزيه الفرنسية. تم قتل الضحية وهو يصلي بسكين على يد شابين من أصول مسلمة رغم أنه قد تجاوز التسعين عاما، وأقرا بكونهما ارتكبا هذه الجريمة البشعة لمجرد كونه مسيحي.

قال صديقه للحاضرين "عندي ثلاث دعوات، أولها أدعو الله أن يغفر لقتلة الأب روجيه لكونهم لا يعلمون حجم الجرم الذي ارتكباه..وأما الرجاء الثالث فهو موجه لمراجع المسلمين أدعوهم فيه إلى الحوار حول الأضرار التي تلحق بالأديان بسبب الإرهاب".

حصلت هذه الحادثة قبل أسبوع بمدينة "السيسي" الإيطالية بمناسبة المؤتمر الضخم الذي تنظمه سنويا جمعية "سانت جيديو" بهدف تقريب أصحاب العقائد وإشراكهم في حوارات مفتوحة حول أبرز المشكلات التي تواجهها شعوب العالم. وتعتبر هذه السنة الثالثة أو الرابعة على التوالي التي يتم التركيز فيها على ملف الارهاب، ويكون شعاره المركزي يدور حول الدفاع عن السلام.

تمت دعوة عدد لا يستهان به من الفقهاء والأئمة المسلمين للمشاركة في هذه التظاهرة الكبرى، لكن رغم تنوع مذاهبهم وجنسياتهم وأزيائهم وتجاربهم، إلا أن غالبيتهم لم يكونوا مقنعين في أقوالهم وأطروحتهم. قالوا كلاما كثيرا لكن طغى على معظمه التعميم والتهويم وغلبة الألفاظ على المعاني، وقلة الاجتهاد والتجديد، والهروب من مواجهة الأسئلة الحارقة والقضايا المطروحة بإلحاح، وهو ما جعل أثر خطاباتهم محدودا وحجتهم ضعيفة.

لم يشهد المؤتمر خلافات علنية بين الشيعة والسنة، أو بين سعوديين وإيرانيين، لكن الجفاء بين العديد منهم كان ملموسا وواضحا. فالجبهة الداخلية بين شيوخ الدين الواحد كانت مشروخة ولم يكن بإمكانهم إخفاء ذلك، إذ وراء الكثير منهم حكومات لا يستطيعون مخالفة مواقفها واتجاهاتها. فالأوساط الإسلامية هذه الأيام مشغولة بتحديد من هم داخل دائرة الإيمان التي تعرف بـ"أهل السنة والجماعة" ومن هم خارجها. لقد اتسعت رقعة الحرب العقائدية التي أطلقتها بلا هوادة التنظيمات التي وصفت بكونها "جهادية"، في حين تعتبر من قبل الجميع بكونها "تكفيرية"، وبدل أن يتم محاصرتها ضمن هذا المربع الصغير الذي رغم صغره إلا أنها أشعلت النار في أكثر من بلد، تصاعد في المقابل الخلاف الإيراني السعودي، لينتقل بدوره من السياسي إلى الديني، فأعاد العلاقات بين الطرفين إلى نقطة الصفر بعد عشرات السنين من التقارب والحوار بين المذاهب والطوائف.

لقد أصبحت الفجوة المعرفية بين رجال الدين المسلمين عموما وبين نظرائهم في مختلف الأديان والمذاهب واسعة جدا.

كانت جبهة فقهاء المسلمين في السابق ملغومة ومفخخة، أما اليوم فهي متصدعة ومنهارة، وهو ما أثر كثيرا على وزنها ومصداقيتها وزاد من إرباكها على الصعيد العالمي. إذ كيف لهؤلاء أن ينجحوا في إقناع ممثلي الأديان والطوائف الأخرى بأن الإسلام أكثر تسامحا من غيره في حين أن العديد من هؤلاء الفقهاء يكفرون بعضهم البعض، ويتنازعون الشرعية والحقيقة الدينية فيما بينهم.

 في المقابل، قطع الكاثوليك والبروتستانت مسافات هامة لتقريب وجهات نظرهم واحترام مشروعية اجتهادات كل منهم ضمن وحدتهم الدينية. كما تعززت العلاقة بين الكنيستين الشرقية والغربية، وأوقفا الحرب الشرسة التي دامت بينهما لقرون طويلة. لا يعني ذلك أن الفكر الديني لبقية الأديان قد تخلص من جميع عوائقه العقائدية والتاريخية، وأن المصالحة التامة والشاملة قد تحققت بين مختلف المكونات والأطراف، لكن في المقابل حصلت مراجعات ملموسة لا يجوز التقليل من أهميتها، وهو ما سمح لها بأن تؤسس لتعاقد جديد فيما بينها، وهو الأمر الذي بقي متعثرا في السياق الإسلامي، إذ كلما قامت مبادرة أطلقها هذا الطرف أو ذاك إلا وسرعان ما أصابها التعثر وغمرتها الخلافات والحسابات الظرفية فينقلب كل شيء على عقبيه.

لقد تعب الإسلام من صراعات المسلمين ومن تحويلهم له إلى أداة فرقة وانقسام بدل أن يجعلا منه دافعا للتوحد والتعايش. ولهذا السبب بقي الفكر الإسلامي يعيد إنتاج خطاباته القديمة، لا يتجدد ولا يؤثر ولا يبني، يتحرك على الهامش، ولم ينخرط بعد في جهود بناء عالمية جديدة وإنسانية.