بهذه النتائج للانتخابات
البرلمانية الأردنية، يصبح المراقب لتطورات الأوضاع في المملكة الأردنية أمام خارطة سياسية جديدة، ربما تكون مفاجئة للبعض وطبعيية لدي البعض الآخر، لكنها في كل الأحوال تحتاج وقفات للتأمل من داخل الوطن وخارجه.. ومن داخل الحركة الإسلامية علي امتدادها والحركة السياسية من المحيط إلي الخليج.
جرت
الانتخابات (20 أيلول/ سبتمبر 2016م) والحركة الإسلامية في وضع لا تحسد عليه، فقد تلقت من الضربات السياسية والأمنية ما أثخنها بحق، وتزامن ذلك مع الحملة الوحشية التي تشن على الحركة الإسلامية في مصر.
تعرض
الإخوان المسلمون في الأردن لهزة من الخلافات اشتعل لهيبها بما أصاب الحركة ببعض الشقوق، فخرج البعض في ثلاثة تكتلات: "حزب الوسط" الذي استقل عن الإخوان في العام 2001 م وأمينه العام مدالله الطراونة و"جمعية الإخوان المسلمين" بقيادة عبد المجيد الذنيبات، المراقب العام الأسبق للإخوان المسلمين، والتي تأسست في آذار/ مارس 2015م، وحصلت على اعتراف رسمي بملكيتها لعقارات الإخوان في العاصمة عمان، حيث السفارة الصهيونية، ومدينة العقبة على الحدود مع العدو الصهيوني، وقد ترشحت على قائمة "مبادرة زمزم"، وهي مجموعة من النشطاء الذين خرجوا من الجماعة.
وبقيت الجماعة الأساسية تمارس عملها، رغم سحب بعض مقراتها الكبرى، وظل ذراعها السياسي "حزب جبهة العمل" منطلقا في عمله، رغم اعتقال زكي بن أرشيد نائب المراقب العام للأردن في 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2014م.
في تلك الأجواء المحلية والإقليمية والدولية غير المواتية بالنسبة لجماعة الإخوان حول العالم، قررت جماعة الإخوان في الأردن المشاركة في الانتخابات البرلمانية إلى جانب 20 قائمة أخرى تضم 1292 مرشحاً.
وجاءت النتائج كما تابعنا جميعا.. بفوز قائمتهم دون بقية القوائم، إذ أصبح حزب جبهة العمل الإسلامي (الإخوان المسلمين)، هو الكتلة البرلمانية الوحيدة في البرلمان، بينما لم تتمكن بقية الكتل من تحقيق أي مقعد، سواء كانوا إسلاميين أو يساريين أو علمانيين.
وهنا وقفتنا أمام الناخبين الذين صوت 25 في المئة منهم للإخوان المسلمين.. ناخب يبحث عن مرشحه الذي يثق فيه، ويري فيه الأمل للإصلاح، ناخب ينقب بين أنقاض الحالة السياسية وشظايا العمل السياسي الفسيفسائي حتى يحصل علي مرشحه، ناخب لم تهزه الافتراءات والتخويفات وشيطنة الآخر... ناخب كهذا هو ناخب من نوع فريد يؤشر على أن وعي الأمة ما زال متشبث بالمشروع الإسلامي الأصيل.
ولا شك أن ذلك منح الإخوان المسلمين بارقة مهمة من رد الاعتبار واستعادة الثقة بالنفس في أجواء الحملة المتواصلة ضد المشروع الإسلامي، وهي حملة كفيلة بأن تهد الجبال، ولكن أصحاب العقيدة الواثقين بربهم، والعاملين للتمكين لدينه، مضحين بكل غال، أثقل رسوخا من الجبال الرواسي بفضل الله... وتلك نعمة تستوجب السجود لله شكرا وعرفانا: "قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ " (58) يونس.
لقد زرت الأردن مرتين من شماله إلي جنوبه، وأعتقد أن القوائم العشرين التي لم توفق في الانتخابات فيها من الكفاءات والخبرات السياسية الوطنية ما يستفاد بها، ولذلك أتمني أن يجعل الإخوان المسلمون في الأردن من تلك النتائج الجيدة لهم، جسرا لمد أواصر التواصل مع الجميع خاصة مخالفيهم في الفكر والمعتقد، ومخالفيهم من إخوانهم الذين ارتضوا العمل بطريقة أخرى، كما أتمنى أن تقدم الجماعة نموذجا يحتذى في التوافق والتآلف والانطلاق بالأردن ذي الجوار اللصيق بفلسطين المحتلة نحو المستقبل... كل يعمل في مربعه الذي اختاره لنفسه دون تهوين أو عرقلة أو شيطنة للآخر.
إن نموذج الشعب الواحد الملتف حول الوطن، طلب ملح في مواجهة العواصف القادمة، فعاصفة الفوضى الخلاقة، تجتاح جوارهم في سوريا والعراق، ولا أمان لتلك الفوضي الخلاقة علي أي قُطر، فليس للمستعمر أخلاق، ولا تاخذه في خلق الله رحمة أو شفقة أمام نهم مصالحه.
وفي الأخير فإن تعامل الدولة الأردنية مع مشاركة الإخوان ومع النتائج التي حصلوا عليها، كان تعاملا واقعيا، يقر بحق الجميع في المشاركة، دون تعويق أو مطاردة، ويعترف لمن فاز بحقه في الفوز. ولعل رسالة الملكة رانيا التي رحبت بذلك؛ تمثل بادرة تفتح الطريق لمزيد من الاستقرار والانطلاق نحو المستقبل.