تشهد الساحة السياسية بالجزائر، فتورا غير مسبوق، بالتوازي مع قلق رسمي وشعبي عميق، من أن تؤدي
الأزمة المالية و الاقتصادية، في البلاد إلى شعور عام باليأس.
وتسارع
الحكومة الجزائرية إلى إحلال مبادرات إقتصادية ، الواحدة تلوى الأخرى من أجل تعويض الجفاف المالي الناتج عن تدهور أسعار النفط، حيث تعتمد البلاد بصفة كلية على مداخيل النفط في تلبية الحاجات الإجتماعية و الإقتصادية للجزائريين.
وتعلق الحكومة الجزائرية، ولو جزئيا، آمالا بانتعاش أسعار النفط إلى ما فوق 50 دولارا للبرميل، بغرض رفع التجميد عن آلاف المشاريع المجمدة، والتي تتصل في مجملها بحاجيات المواطنين، على غرار المساكن و المستشفيات و المدارس.
ذلك بعد أن توصلت الدول المنتجة للنفط من داخل" أوبك" في الجزائر، الأربعاء، إلى إتفاق وصف بالتاريخي، ويتعلق بخفض الإنتاج بما يقارب المليون برميل يوميا، لإستعادة توازن السوق.
وتلاحقت إنعكاسات الأزمة الإقتصادية بالجزائر على الطبقة المتوسطة، التي تشكل العمود الفقري للدولة، بعد إنتهاج الحكومة الجزائرية خطة تقشف قاسية، وإتخاذها قرار رفع أسعار الكهرباء و الوقود وسائر المواد الإستهلاكية الأساسية بالنسبة للجزائريين.
ويعيش الجزائريون أجواء خوف من الآتي، بوقت تراجعت
المعارضة بالساحة السياسية، بعد شهور عديدة من مطالباتها الحكومة بتصحيح الأوضاع الإقتصادية، على نحو يجنب البلاد، مخاطر الإنزلاق نحو الفوضى، مثلما حصل العام 1988، عندما ثار الآلاف من المواطنين ضد الحكومة فيما عرف بـ"ثورة أكتوبر" عندما عجزت الحكومة الجزائرية على تلبية الحاجيات الأساسية للمواطنين وخاصة ما تعلق بالمواد الإستهلاكية.وقتل بمواجهات بين المواطنين و الشرطة أزيد من 500 شخص.
واستحوذت أحزاب المعارضة بالجزائر، طيلة أكثر من عامين على المشهد السياسي بالبلاد، مقابل حكومة ضعيفة وأحزاب موالاة لم يساعدها الوضع المتأزم على مواجهة الجزائريين، خاصة بسبب مرض الرئيس
بوتفليقة، ومطالبة المعارضة بإعلان شغور السلطة.
وانقلب الوضع سريعا، بعد خروج الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة من مكتبه بقصر المرادية بالعاصمة، إلى تدشين المركز الدولي للمؤتمرات، يوم 14 أيلول/ سبتمبر الجاري، لأول مرة منذ إنتخابه رئيسا للبلاد لولاية رابعة شهر نيسان/ أبريل 2014.
وكان خروج الرئيس بوتفليقة، رسالة للمعارضة، التي طالبت بتنظيم انتخابات رئاسة مبكرة لاستخلافه، إلا أن الزخم السياسي الذي كانت تؤديه أحزاب المعارضة تراجع بشكل لافت، في وقت انشغلت بعض الأحزاب المعارضة بصراعات داخلية.
وصارت حركة مجتمع السلم، أكبر تنظيم سياسي إسلامي معارض بالجزائر، رهينة صراعات بين القيادة الحالية برئاسة عبد الرزاق مقري و القيادة السابقة، التي كان يتولاها الشيخ أبو جرة سلطاني. فالأول يحرص على البقاء ضمن أطر المعارضة، أما الثاني فيسعى إلى التطبيع مع السلطة.
وتعد الحركة رقما فاعلا بتنسيقية الحريات والإنتقال الديمقراطي، التي تتألف من ستة أحزاب معارضة بالإضافة إلى شخصيات سياسية ووطنية بارزة.
وتدب خلافات جوهرية داخل التنسيقية، بعد ثلاث سنوات من الانسجام التام، وزاد من الصراعات بداخلها، ملف الانتخابات النيابية المقررة، شهر نيسان/ أبريل 2017، بين من يدعو لمقاطعتها وبين من يحرص على المشاركة بها.
وقال جيلالي سفيان، رئيس حزب "جيل جديد" وعضو التنسيقية، في تصريح لـ "
عربي21"، الخميس" بالنسبة لنا، فإن الاتجاه الغالب يكمن في مقاطعتنا الإنتخابات، إذ لا يمكننا أن نناقض أنفسنا ونحن بالتنسيقية قلنا مرارا أن الجزائر لم تشهد يوما إنتخابات نزيهة وشفافة".
وتابع سفيان" لم يعد هناك إنسجاما بالمواقف مثل السابق، وقد طلبت من أعضاء التنسيقية إتخاذ قرار مشترك بمقاطعة الإنتخابات، لكن يبدو أن هناك من بين الأعضاء من يرغب بالمشاركة".
وتنتقد المعارضة بالجزائر ما تسميه" أسلوب الترهيب الذي تمارسه السلطة بإحالة الجزائريين على الحاصل في سوريا و العراق من أجل الإبقاء على الوضع القائم"، في المقابل تنتقد السلطة خصومها المعارضين على أنهم يغامرون بالزج بالبلاد في أتون الفوضى.
وقال محمد قيجي، القيادي في التجمع الوطني الديمقراطي، ثاني أحزاب السلطة بالجزائر، إن "مخاوف المعارضة من تزوير الانتخابات مبالغ بها، كما أن المعارضة تتقن جيدا فن التيئيس وتسويد الواقع".