وُلد بطرس باشا نيروز غالي في بلدة الميمون بمحافظة بني سويف بصعيد
مصر عام 1846، وكان والده نيروز غالي بك ناظرا للدائرة السنية لشقيق
الخديوي إسماعيل في الصعيد. كان
بطرس غالي هو أول من يحصل على رتبة الباشوية من الأقباط، عندما قامت الثورة العرابية كان من أنصارها ومن المنادين بالتفاوض مع الخديوي، لذلك اختير ضمن وفد التفاوض مع الخديوي باسم العرابيين، وصعد نجمه سريعا فتولى نظارة المالية عام 1893 في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني، في نظارة رياض باشا التي استمرت نحو عام واحد، ثم ما لبث أن أصبح ناظرا للخارجية في نظارة مصطفي فهمي باشا الذي كان يعتبر رجل الإنجليز في مصر، ووصفه الإنجليز بأنه "إنجليزي أكثر من اللازم، ومصري أقل من اللازم".
واستمر بطرس باشا غالي في نظارة الخارجية 13 عاما (من تشرين الثاني/ نوفمبر 1895 حتى تشرين الثاني/ نوفمبر 1908) وهي أطول فترة يشغلها ناظر في هذا المنصب الكبير..
وقّع بطرس غالي على اتفاقيتي الحكم الثنائي للسودان في 19 كانون الثاني/ يناير 1899، بالنيابة عن الحكومة المصرية، باعتباره وزير خارجيتها، مع اللورد كرومر بالنيابة عن الحكومة البريطانية، وبموجب تلك الاتفاقية أصبح لإنجلترا رسميا حق الاشتراك في إدارة شؤون الحكم بالسودان ورفع العلم الإنجليزي إلى جانب العلم المصري، بل وتعيين حاكم عام للسودان بناء علي طلب الحكومة البريطانية. هذه الاتفاقية جعلت لبريطانيا حقا مشروعا، وأعطتها نفوذا لم تكن تحلم به في السودان. وكان هذا الاتفاق بداية فصل السودان عن مصر، وهو ما كان له عظيم الأثر في توتير علاقة بطرس غالي بالحركة الوطنية المصرية، خاصة الحزب الوطني، وعموم الشعب المصري الذي كان يعتبر التفريط في السودان أو المساومة عليه خيانة عظمى..
ترأس بطرس باشا غالي المحكمة الخاصة التي شُكلت بأمر الإنجليز، وقامت بمحاكمة أهالي قرية دنشواي في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 1906، باعتباره ناظرا للحقانية بالإنابة، وكان معه فتحي بك زغلول، رئيس المحاكم الأهلية، ومستر هيتر، المستشار القضائي بالنيابة، ومستر بوند، نائب رئيس المحاكم، وكان القاضي العسكري الكولونيل لدلو، عن جيش الاحتلال، أما سلطة الاتهام المصرية فكان يمثلها إبراهيم بك الهلباوي..
وأصدرت هذه المحكمة حكمها بإعدام أربعة من أهالي دنشواي هم (حسن محفوظ - يوسف سليم - السيد عيسي سالم – محمد درويش زهران)، كما قضت بالأشغال الشاقة على 12 متهما وبالجلد 50 جلدة لكل منهم، وصدق بطرس باشا غالي على الحكم، وهو ما اعتبره كثيرون من أبناء الشعب المصري والحركة الوطنية، وعلى رأسها مصطفي كامل، خيانة للشعب والوطن..
عهد الخديوي عباس حلمي الثاني لبطرس غالي برئاسة الوزراء أو النظار، في 12 تشرين االثاني/ نوفمبر 1908. وفي 25 آذار/ مارس 1909 أصدر مجلس النظار برئاسة بطرس باشا غالي؛ قرارا بإعادة العمل بقانون المطبوعات الصادر في 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 1881 إبان الثورة العرابية، وكان الهدف منه مصادرة الحريات وإغلاق الصحف ومصادرتها، بعد أن أخذت تهاجم الخديوي عباس حلمي الثاني نتيجة سياسة الوفاق التي اتبعها مع الإنجليز، فضاق الخديوي بهذه الحملات وكلف بطرس غالي بإعادة إصدار قانون المطبوعات. واعتُبر هذا الإجراء لطمة كبيرة وُجهت للحركة الوطنية المصرية، وزاد هذا القانون من سخط كل الوطنيين على حكومة بطرس غالي؛ لأنه كبت الحريات وصادر الصحف، فاندلعت المظاهرات الرافضة لهذا القانون البغيض..
وفي أواخر عام 1908 وأوائل عام 1909؛ تقدم الإنجليز بمشروع لمد امتياز قناة
السويس 40 عاما (من 1968 حتى عام 2008) لقاء 4 ملايين من الجنيهات تدفعها الشركة للحكومة، وكان بطرس غالي من مؤيدي المشروع، على الرغم من اعتراض العديد من الشخصيات السياسية المصرية الممثلين في الجمعية العمومية لامتياز قناة السويس، خاصة قيادات الحزب الوطني بزعامة محمد فريد. وظل هذا المشروع محل تكتم مدة عام كامل، حتى إستطاع الزعيم محمد فريد الحصول على نسخة منه وقام بنشرها في جريدة اللواء في تشرين الأول/ أكتوبر 1909، وبيّن أسرار المشروع وأسبابه ومبلغ الضرر الذي سيصيب مصر من ورائه، وبناء عليه اجتمعت الجمعية العمومية لمشروع امتياز قناة السويس ورفضت المشروع.
نتيجة هذه السياسات التي انتهجها بطرس باشا غالي، والتي اعتبرتها الحركة الوطنية المصرية خيانة لمبادئها وممالأة للإنجليز، قام الصيدلي الشاب العائد حديثا من إنجلترا، إبراهيم ناصف الورداني، باغتيال بطرس غالي في 20 شباط/ فبراير 1910، وهو الاغتيال السياسي الأول من نوعه في مصر بدايات القرن العشرين..